دهشة الصمت.. قصة قصيرة
بقلم: نزهة المثلوثي | تونس
الفنان التركي المبدع Musa Celik
كان الممرض يسلب اللب ويشد القلب بلطفه وجمال حضوره بحركاته وكلماته وما اتقد في عينيه من شغف الحياة
و لا يترك المريضات إلا وقد انزاحت أوجاعهن وانفرجت أساريرهن وارتسمت الابتسامات على وجوههن و يدخل الغرفة فيمسك بيد هذه سائلا عن حالها ويقبل جبين تلك هامسا معبرا عن إعجابه بجمالها الخالد العصي على الوجع والأمراض وكان يعالج شدة فحولته عند كل علاج يقدمه ..فيفرض طمانينة على القاعة وينساب فيها صمت لذيذ وتتدفق المشاعر من عيون الحاضرات راسمة ما يعتمل في صدورهن ..وقد أصغى لكل حديث ولبى كل طلب في مرح ومزاح حميمي..
ذات ليلة وما إن طرق الباب طرقات خفيفة حتى وقفت إحداهن بجانب السرير ورفعت بيديها شقي قميصها فبان جسدها عاريا أمام الجميع وبانت ضمادة صغيرة أسفل بطنها …
حركتها وكل غريب ..في تلك القاعة مألوف مرغوب في حضرته
تسمرت عيناه على جسدها تتفحصه وتشخص الحال قبل اللمس ومداواة الجرح وإزالة الوجع …
في ركن من القاعة فتاة هدها الألم المهدد و كلما انتابتها نوبة الوجع الكلوي ارتمت على الأرضية كأن صاعقة كهربائية أصابتها تئن متكورة محركة أطرافها بسرعةوارتعاش في مشهد يفتت الأكباد ولا تهدأ حركتها إلا بعد فترة كأنها على موعد متجدد مع الأزمة المستبدة
تهدأإثره فتستلقي باسترخاء ودون مبالاة بالمكان وما تفترشه
كان الممرض على غير عادة العاملين معه حريصا منتبها مؤديا واجبه دون تقاعس أو تخل..يتنقل بين الغرف متفقدا أحوال المريضات فرآها ذات وجع وبعد يومين من قدومها إلى المستشفى تتلوى وتئن مضطربة على الجليز فهب إليها مهدئا وخاطبها معاتبا
علاه هكا ؟ بارد عليك الجليز تزيدك الوجيعة
حملها وأعادها إلى السرير وقال
_ دقيقة ونرجع لك
,_وجيعة كبيرة معاش نتحمل
خرج مهرولا وعاد بعد لحظة حاملا علبة دواء وحقنة أفرغ الحقنة في ذراعها وعدل القطرات الواقعة من قارورة معلقة قرب سريرها مكثفا انسياب الدواء في شريانها فارتسمت على وجهها علامات الارتياح بعد العناء والألم
ساعدها على وضع رأسها على الوسادة وجذب قدميها أسفل السرير في رفق ثم غادر الغرفة آمرا عون التنظيف بتغيير
الألْحِفَةوالوسادات وفتح” الأدواش ” المنهمرة بالماء االساخن
لم تنزعج أكبرهن سنا من تقبيله للفتاة ودعوتها للخروج من الغرفة وقضاء لحظات سهر منفردين
صمتت على محافظتها وتشدد طبعها فلا أحد غيره يهتم لمواقفها وكلامها ..
وحصل أن تظلمت ذات زيارة لرئيس الأطباء والذي كان يتفقد أجنحة المستشفى
_يا سي الدكتور راهو الماء مقصوص علينا والطوالات ممسخة
لم ينبس الدكتور رئيس القسم بكلمة لقد كان يمر على الأسرة فيقرأ الافتات المثبتة بعلوية كل سرير ولا شأن له بالمريضة غير إلقاء نظرة عقيمة أحيانا
تظلمت ولم تكن تعلم أنه قد تم تعيينه فاقدا للسمع كغيره من رؤساء الأقسام.