أذيال الخيبة

مصطفى العارف| العراق

كنا مجموعة من الأصدقاء,جمعتنا الخدمة العسكرية بعد التخرج من الكلية لأداء خدمة العلم، وكنا من كل محافظات العراق, جمعتنا مدينة كركوك للدفاع عنها من الأعداء, تعرضنا إلى اعتداء غاشم, و معركة قوية نجونا منها بأعجوبة, و أردنا تغيير الواقع المرير الذي خيم علينا منذ سنوات طويلة من الحروب, والحصار الجائر, والقصف الجوي الظالم للمدن العراقية البريئة التي تدفع ثمن التهور.

-: سألني أنور.-: ضرغام حدثنا عن ذكرياتك الجميلة, خارج أجواء المعركة, هل لديك علاقات مع النساء؟ وهل أحببت في حياتك؟ باغتني بالسؤال لم أتوقع منه أن يسألني هكذا أسئلة شخصية دقيقة, وصريحة, وبدأت أسنانه واضحة, وهو يبتسم ابتسامة عريضة .-: نعم سوف أتحدث لكم بصراحة عن حياتي الشخصية , كنت طالبا في كلية الآداب, أحب الشعر, وقراءة الروايات العالمية, والعربية, بحكم تخصصي الدقيق اللغة العربية , لم يخطر على بالي أنني أجرب الحب في يوم من الأيام, كنت منشغلا بالدراسة, والتفوق ولدي طموح في أكمال دراستي العليا , كنت اقضي وقتي بقراءة كتب الفلسفة, والمنطق, والتاريخ ,وعلم النفس, وبعدها اذهب للكلية, وإثناء عودتي من الكلية, شاهدت فتاة جميلة تسير مع أمها, بادلتني النظرات, دخلت قلبي من الوهلة الأولى, كأنها القمر المنير, ارتسمت هذه الصورة في مخيلتي, ولا استطيع نسيانها إلى أخر لحظة من حياتي, حدثت والدتي بالموضوع , شعرت بالفرح, والسرور, لكنها حزنت بصمت لأننا نسكن في بيت قديم تحت الأرض كأنه سرداب مظلم تحيط به الأنقاض ,والنفايات من كل جانب , والدي هجرنا منذ سنوات, وتزوج بامرأة ثانية, ولا نعرف عنه أي شيء, والدتي تعمل في بيت الست منيرة مديرة شركات استثمارية, ومن الطبقات الغنية , تملك نفوذا وجاها, وعندها بنت وحيدة مدللة هي هيام , تدرس بكلية الطب,

-: سألتني أمي.-: ضرغام  من هي الفتاة التي تريد الارتباط بها يا قرة عيني.

-: أنها فتاة جميلة ,وأنيقة تسكن في الزقاق الخلفي لبيتنا تدعى هياما.

-: صدمت أمي بالخبر, وبدأت ملامح الحزن على وجهها الباسم, بدا الصراع ينتاب والدتي فهي لا تستطيع أخباري بالحقيقة بأنها تعمل خادمة عندهم, وهي صورت لي عملها كموظفة في دائرة الرعاية الاجتماعية, حاولت التهرب من الإجابة ,ولم تقطع على نفسها وعدا بالذهاب معي إلى خطبتها, دخلت بيتا كبيرا يقع على الشارع الرئيسي في منطقة المنصور, تحيط البيت حديقة كبيرة منسقة, ومرتبة, وهناك بعض الأشخاص لحماية البيت ,والعائلة الثرية, كنت ارتدي ملابسنا قديمة واسعة علي لأنها تعود إلى الزمن الماضي عندما كنت بدينا, طلبت مقابلة الست منيرة, وبعد مدة زمنية طويلة حتى  تقطعت إقدامي من الوقوف, حصلت على أذن الدخول, جلسنا في صالة كبيرة تحتوي على نفائس التحف الأثرية, واللوحات الفنية المعلقة بكل جوانب الجدران, كانت السيدة منيرة ترتدي ثوبا جميلا أثريا عليه النقشات العربية الأصلية, وهي ناصعة البياض, وتملك شخصية مرعبة, بعد إلقاء التحية.

:- قالت السيدة منيرة أهلا بك في بيتي تفضل ما حاجتك؟.

:- أجبتها  جئت اطلب يد ابنتك المصون هيام. شهقت منيرة من الضحك , وما عملك يا سيد ضرغام ؟وما هذه الملابس البالية ,والقديمة التي ترتديها؟

-: تخرجت من كلية الآداب قبل أيام , وانتظر التعيين , قاطعتني إذن أنت عاطل عن العمل ,وتريد أن ترتبط بدكتورة هيام كيف؟!! ليس من المعقول تصرفك هذا.

أثناء الحوار بيني, وبينها دخلت والدتي تحمل العصائر لتقدمها إلينا, نظرت نظرة تعجبية مستغربة الموقف صدمت بالمواجهة ,ومعرفة الحقيقة سقطت من يدها العصائر ,وتبعثرت الشكولاته, وبخت الست منيرة والدتي العاملة الفقيرة, نهضت مسرعا قبلت يدها , عاطل ,وابن خادمة عندي تريد الزواج من أسيادك, وأشارت إشارة إلى البودي كارد, وجدنا أنفسنا خارج البيت نجر أذيال الخيبة. نهرتنا ,وطردتنا من بيتها, وقد أصبت باليأس, والتشاؤم من الحياة.

19/9/2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى