ماذا بعد النفق…….؟
بقلم : د. سبأ جرار | فلسطين
انتهت معركة النفق وعادت الحرب للانتظار
انتهت المعركة بأداء ارتقى لمستوى المعنى الحقيقي للوطن والكرامة والإيمان بالله الذي لا يحجبه عن الصادقين رجاء، تشكلت تفاصيل معجزة، لن نتمكن من فهمها، ولكن نمتلك الإيمان بها، لأنها من القدسية التي ترتقي للإيمان، ولا تحتاج للمحسوس والتأكد، حفروا التراب في أرض الحقيقة، فأخرجوا الشمس من تحت سواد التراجع والخيانات المبررة والواقعية في التفكير، تجولوا في أرض لا يعرفونا، لكنها تعرفهم، فهمِ جُبلوا من نفس التراب، أرشدهم الله لمآذنه، كانت لحظة الصلاة والتوجه نحو الرواية التي صنعها رجال الشمس والصلاة.
فقدوا ما يليق بهم من غطاء، فغلفهم ندى فلسطين بعناية الله فكانت لهم أيام خمسة، أعادوا فيها امتداداتهم في كل حبة صبر وبرتقال واقحوان، عاشوا كما أرادوا انقطعوا عن التواصل المألوف، واتقنوا الحديث مع الحسون والبلبل ليبعث حنينهم لأمهات وآباء انتظروا على نوافذ لعبوا تحتها عندما كانوا أطفالا، وحمّلوا طفلا قبلة هي الرسالة التي ينقلها مقاتل لأمل جديد سوف يحمل الرسالة ويكون المقاتل الموعود ..
كانت لهم روايات من صبر وضحكات وأهازيج العتاب التي سمعوها عن بعد يكفي لاستشعار فرحها، ويكفي ليحافظ على حناجر أصحابهم فهم مازال ينتظرهم درب طويل من الصمود والنضال… تسللوا من عتم الليل والحقيقة ليحطموا جدار الخيانة والخنوع، فعبروا نحو جنين مودعين الناصرة بقلوب تعدها بالعودة، فكان لهم النصرة من آل جعفر، كيف وهم من تبقى من أنصار المهاجرين مع رسول الله المرتحلين معه ليلة الاسراء، امتلكوا نفحات لم نحظَ بها، فنحن لم نجرؤ على الخروج للجبال لننثر الخبز والحب، ولم نبحث عن الريح التي تحمل نسائمهم لننتظرهم ونغني لهم طلع البدر علينا، بل أنزلنا غضبنا وحبنا على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لم يكونوا ليأبهوا لها، إلا أنهم أدركوا خوفنا، فبرروه وأدركوا ضعفنا فحزنوا ولم يعاتبوا، عايشوا أربعة عشر يوما من طاقة النور التي أعادتهم لأرض المعراج فكان للجعفر شرف الوطن ورفعة الكرامة.
طافوا كل يوم في شوارع جنين أكلوا الفاكهة من “المفترشات”، تذوقوا الهريسة وعانقوا المخيم بعبقه وأصواته وتناقضاته، تباهت الشوارع التي عبروها، لأنها لا تخون ولا تبلغ عن عابريها، ألقوا التحية على كل شيخ كتب لهم وداعه، وكل سمراء أمضت الليل تصلي وتدعو لهم بالنجاة، لمحوا سيارات تتلون فيها اللوحات وتتوحد فيها الهوية الفلسطينية، غضوا البصر عن بعض التائهين في أمالهم، وحزنوا كثيرا لشباب أخلصوا لبدلات عسكرية تحمل كل الشرف والكرامة لكنها مكبلة باتفاقيات زائلة لا محالة.
كان لهم العشاء الأخير خبز وحب وأمل في اللقاء، وعادوا هناك حيث ينتظر العارضة المعركة القادمة فهو صانع الحقيقة من أفكار تراود المؤمنين وقادة يصنعون من الأقلام نفقا وحفرة وشمس لن تهون؛ لأن النفق حفر، والتراب نشر حيث أراد له الله.. و الشمس هناك ترصد من يحتاجها من العابرين الجدد فقد كُتِبت الرسالة وأسقطت الأوهام والأقنعة
وكانت الرسالة ماذا بعد النفق؟
وسيسألنا الأطفال كل يوم، أين قُبلتي فأنا أستحق أن أعايش القادة، وأتمرد على السجان والأوهام .