الرقم ستة
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
خمسة، إثنان، ستة …
خمسة، إثنان، ستة …
خمسة، إثنان، ستة …
الانتصار رؤية، الانتصار فكرة …
ثم يحدث أن يتناثر الرقم ستة في كل مكان ليصبح
هواءً وخارطة وطيوراً وجبالاً وتلالاً وودياناً وصدى …
ثم يحدث أن يصبح للرقم ستة دلالة المعنى في التاريخ والحركة وصعود المشقة الأسطوري من بطن الأرض نحو شمس لا تبخل على الحرية بالضوء المقدس …
ثم يحدث أن يصبح الرقم ستة أحاديث متواصلة في المقهى والطريق والسوق والحقول والجامعات والمدارس وفي داخل المنازل …
ثم يحدث أن يصبح الرقم ستة لوحات فنية ومنحوتات وقلائد من ذهب وفضة …
ثم يحدث أن تصبح صور أبطال الحرية الستة الأكثر تداولاً عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا من صورٍ شخصيةٍ عدة وأسماء أبطال الحرية الستة، الأسماء الأكثر التصاقاً بالذاكرة ” محمود، زكريا، محمد، يعقوب، مناضل، أيهم …”
ويحدث أيضاً أن تواصل الحياة جريانها باعتبار ما حدث تراكماً ضرورياً في التجربة الوطنية، يمنح الذات أملاً إضافياً في غد لا تقيده الأسلاك الشائكة …
^^^^
ذات يوم أسموها حرب الأيام الستة، إمعاناً في رشق الهزيمة في وجه التاريخ والجغرافيا …
ستة أيام كانت بالنسبة لهم كافية لاحتلال ما تبقى من فلسطين وأراض عربية شقيقة مجاورة …
ستة أيام ظلَّت وعلى مدار أكثر من خمسين عاماً مغروسة كندبة في الذاكرة، سُمِّيَت لسبب ما “نكسة” كما سُمِّي ما قبلها من أعوام محتلة وهجرة “نكبة” …
ثم يحدث أن يطل الرقم ستة منصهراً في الألم الذي صنعته الحرب وجعله السياج بلاداً محتلة …
أصبح فجر السادس من أيلول ٢٠٢١ علامة مميزة تضاف إلى سجل نضالات الحركة الفلسطينية الأسيرة، وعلامة مميزة ضمن توثيق مسيرة النضال والوعي الوطني الفلسطيني …
الخلاصة: ما حدث فجر السادس من أيلول دليل إضافي على عدم نجاح الهزيمة ” النكبة”، ” النكسة” في صناعة مفرداتها وقناعاتها المسمومة فجميع من قاموا بتحرير أنفسهم ولدوا بعد “حرب الأيام الستة” بسنوات تجاوزت الستة سنوات ليصبحوا في اعتقالهم وحريتهم واعتقالهم ثانية وإصرارهم على الحرية نموذجاً جديدياً من نماذج الصمود الفلسطيني العفوي الصادق النابع من عمق الرؤية الحقيقية بضرورة الحرية …
^^^^
يشير الرقم خمسة في الموروث الشعبي إلى تميمة حصانة وحماية من العين والحسد، ويدل أيضاً على الكف أو اللطمة …
ويشير الرقم اثنان في الموروث الوطني إلى الانتصار …
الشارة التي كان يرفعها الصغار والكبار بتحد عال في الانتفاضات الوطنية وما زالوا يرفعونها كتميمة مقدسة ضد الشعور بالهزيمة …
لذا ومن وحي هذه الأرقام يمكن القول إن ما حدث ببساطة قبل أسبوعين هو اللطمة التي وجهها أبطال الحرية لمنظومة الأسر العسكري الاستعماري، اللطمة التي شاءت أن تكون في ذات الوقت تميمة وطنية صانت مسيرة انتزاعهم لحريتهم من عين المراقبة العسكرية مشفوعة بانتصار الفكرة ورؤية الانتصار …
وهكذا يأتي الرقم ستة بدلالة إضافية لدلالة الأرقام السابقة، رقم من وحي بطولة كبرياء وعنفوان أيلول الشامخ في الذاكرة …
وما زال رقم ستة يشير إلى اكتمال الحلم في الصور وعلى امتداد الخارطة …
وبالرغم من إعادة أسر أبطال الحرية الستة مرة ثانية فيما يشبه ظاهرياً الهزيمة مجدداً للفكرة إلا أن هذا الحدث طوال الأيام الماضية انتصر بكل أبعاده الفكرية والسياسية والشعبية الممكنة ^^^
حدث لن يهزمه النسيان، حدث انتزع وينتزع جدارة الرمزية في الانتصار …
حدث لن يُنسى …
الحرية للأسيرات والأسرى