حكايا من القرايا.. الدواء في البرغل
عمر عبد الرحمن نمر| فلسطين
الدنيا بعد منتصف الليل، الدنيا كحل، ملبدة بالغيوم السوداء، وتتمخض للمطر… وهما يمشيان بعيداً في الوعر، باتجاه الهيش الغربي، قال لصاحبه، وهو يحاوره: يا رجل الدنيا بدها محايلة، لازم تتحايل عليها عشان تقدر تعيش… شوف بنزرع مونتنا من القمح… بنوكل وبنطعم الدابة – أجلك الله – بنجمع القش والزبل للطابون، وبنخبز، عندنا جاجاتنا، وأرنباتنا، ومانوحة بقاع الدار… وهينا مثل ما انت شايف رايحين ع المغر نزقّط حمام بري… يا عمي كوم لحم ع المسطبة بدهم فتّ خبز… بدّك تشتغلهم ليل نهار… ضحك أبو السعيد، وقال: اللي خِلِق عِلِق… واللي برظى بعيش…
وصل أبو طارق وأبو السعيد إلى مغارة البقّارة، فطار منها رفّ من الحمام بالعشرات، وأحدث الصوت جلبة حقيقية في سكون الليل… جفل الرجلان من المفاجأة… وظنا أن كبار الحمام قد استطاع الفرار، وبقيت الزغاليل التي لا تقوى على الطيران… فرك أبو طارق راحتيْ يديه بعضهما ببعض، ممنياً النفس بصيد ثمين، ربط نفسه بحبل قوي… وأنزله أبو السعيد المغارة… وهو يقول: يخرب بيتك كنّك بتوكلش، خفيف مثل الريشة… تفقد الرجل وهو معلق وسط المغارة طواقي الحمام وأعشاشها… نعم، وجد قشاً يابساً دون زغاليل، وكأن الزغاليل كبرت وطيّرت… تفقد… وتفقد… علّه يجد… لكن دون فائدة… رفعه أبو السعيد، وقد زادت السماء في نقطها…
انطلقا من حبلة إلى أخرى، ومن قطان إلى آخر، هنا يمشون، وهنا تغزّهم الأشواك، وتعلق بسراويلهم، وهنا يتعرقلون بجذر بري يابس… لكنهم أصروا على القنص… والعيشة بدها محايلة… وصلوا مغارة الشومرة على بعد أمتار من بير الصومعة، مغارة كفرية موحشة نهاراً، ربط نفسه أبو طارق، ودلاه أبو السعيد… مد يده في جحر حجري، فرح الرجل وقد ألقى القبض على حمامة برية… مد يده على آخر فسمع صوت نفخ، وكأن شيئاً حيا ينفخ… شيء أملس، ظنه زغلول لم يكبر ريشه بعد… ولم تسعفه البطارية ليرى لأن ضوءها كان منونساً… وصاح… رمى ما بيده، وصاح من قحف راسه… بهت أبو السعيد من الصوت، ورفع الرجل، وخرجت من المغارة حية تسعى، مرت بقربهما وكأنها تهددهما… حمل أبو السعيد موسه وجرح مكان اللسعة في يد أبي طارق، وحمله على ظهره، وأسرع والرجل يصيح… ما أن وصل البلد، حتى كان صوته قد سبقه وأيقظ الناس… تساءل الناس؟ تعجبوا؟ تناقشوا… كل أدلى بدلوه… اسقوه ماءً بالثوم، ماء الكينا… خرّجت عليه الحجة أم صالح… وأتى زوجها بقطعة ليّة… رشّها ببرغل ناشف ثم وضعها على الجرح ولفّ اليد الملسوعة بخرقه… قائلاً: هيك بوقف السم… وما بظل يسري في البدن… وأحضر إبراهيم الحجار ترلته يجرها التراكتور، وضعوا فيها فرشة، نام المريض عليها، وبواكير شوط المطر تبلل الفرشة، وتصل جسده… وإلى طوارىء المستشفى في المدينة… ما شاء الله اجتمع الأطباء والممرضون على الحالة… وأبو السعيد يشرح… فك الطبيب اللفافة عن يد (أبو طارق) … فتناثر البرغل… وسقطت اللية… وضج المكان بين ضحك ورثاء… قال الطبيب: لليش كل هذا؟ أجاب سبع البرمبة الشاطر: حتى نوقف السم الساري… ابتسم الطبيب، وقال: آه، لو أحضرتم معكم الحية، حتى يسهل علينا العلاج… ضحك أبو السعيد، وقال: هي حية؟ باهشة… باهشة يا حكيم… والله بلد ما بدبرها… راحت بسبيلها… ولا سألت فينا…