ما جدوى الكتابة؟
بقلم: خالد جمعة
إلى دكتور عادل الأسطة، مع المحبة
عندما كنا صغاراً، وتراودنا رغبة الكتابة، كانت لدينا أمنية واحدة، أن نصبح مقروئين كي “نغير العالم”، لأننا افترضنا أن من كتبوا قبلنا لم يستطيعوا تغييره، وبالتالي فنحن فرسان هذا الزمان… لا أعرف إن كنا مغرورين بأنفسنا وقتها، أم مخدوعين بصغر العالم وانتظاره لمن يغيره.
كبرنا فجأةً، وصرنا نرى الشهداء يسقطون كالمطر، والبيوت تتداعى بما فيها من سكان وذكريات، فيما الدبابة ترافقها طائرات وجنود وكلاب حراسة تقف في وجه العالم، فبدت القصيدة، بل والكتابة كلها كأنها قطة صغيرة في مواجهة كركدن غاضب.
كل شجرة زيتون اقتلعوها كانت تستحق قصيدة أو قصة أو مقالة، وكل بيت كان ينتظر أحداً ليكتب روايته، وكل شهيد كان يبتسم في لحظته الأخيرة مقتنعاً أننا سنكتبه إلى أن تنتهي الكتابة، لكن السؤال بقي معلقاً دائماً في هواء المكان، تلعب به الريح كبالونة أطفال: ما جدوى الكتابة؟
هل للكتابة علاقة بما نكتب عنه، أم أنها “شيء” شخصي تماماً؟
لم تكن هناك إجابات على مر التاريخ، هناك من قال إن الكتابة تصطاد الزمن وتحبسه في صفحات كتاب، وآخر ادعى أن المشاعر غير المرئية تكشفها الكتابة، وثالث أفتى بأن الكتابة هي التي تبقي التواصل بين ما ذهب وما سيأتي… إلخ.
في الحقيقة أنا لا أعرف ما الجدوى من الكتابة، ومع ذلك أكتب، ببساطة لأنني لا أستطيع أن لا أكتب، تماماً، مثل مريض لا يحب دواءه، لكنه يتناوله حتى وإن كان مراً ولاذعاً.
الكتابة تجعلنا نحتمل العالم بما فيه من دناءات، أقلها الدناءات السياسية، وبالتالي هي ذات جدوى لكاتبها بالدرجة الأولى، نفسية ربما، وربما تكون بلا جدوى إطلاقاً، لكن المؤكد أنها حين تخرج، تترك فراغاً في النفس، كأنك تبرعت بدمك مثلا.
وربما يتعلق الأمر بالزمن أيضاً، فما يبدو أنه بلا جدوى اليوم، فقد يحقق جدواه بطريقة نحت الماء في الصخر، بطيء لكنه مستمر وثابت في مساره، وهذا ليس مضموناً بشكل قطعي عندما يتعلق الأمر بالكتابة، ولكنه احتمال قائم.
في النهاية، ففي اعتقادي أن التفكير في جدوى الكتابة يخلص الكتابة من أهم فعالياتها، وهي خروجها من دائرة الإبداع إلى دائرة التقييم المنطقي ذات المقاييس المحددة، فكيف يمكن قياس تأثير الكتابة أصلا كي نفكر في جدواها؟ فقد نكتشف مثلا عندما نتقدم في العمر، أننا أخذنا من آبائنا وأمهاتنا أكثر بكثير مما كنا نظن، وذلك لأن تأثيرهم فينا كان بطيئا لكنه مستمر، والكتابة تشبه ذلك تماماً، بالطبع إذا كانت كتابةً مبنية على الإبداع، وإلا كانت كل أسئلتنا، وليس فقط الكتابة، بلا جدوى، ولا إجابة.