القسوة
مصطفى العارف | العراق
أجلس كل يوم في حديقتي الواسعة أشرب القهوة أتأمل جمال الطبيعة الخلابة, أشاهد أنواع الطيور, والعصافير, والبلابل تقترب مني, أوزع الطعام بانتظام على الجميع, وهي ترتفع محلقة في أعالي السماء, وترسم أشكالا هندسية جميلة, كانت بيننا ألفة حميمة, تحيط الحديقة أشجار عالية, ونخيل عراقي شامخ, وأنواع من الورود المختلفة من جميع الجهات, كان مكتبي الخشبي يتوسط الحديقة, وكرسي متحرك أتحرك عليه أثناء كتابتي للروايات والقصص التي أرسلها للمطابع العربية, وأحيانا كثيرة أحب شرب السكائر مع القهوة في الصباح الباكر, تجلس بالقرب مني زوجتي حسناء المخرجة السينمائية المشهورة وهي أيضا تقلب أوراقها وتكتب السيناريوهات وتنج الأفلام المشهورة, ترتدي نظارة سوداء لتلائم بشرتها البيضاء, وترفع شعرها الأشقر, وتلبس ملابس الفنانات المشهورات لأنها من عائلة ثرية جدا تسكن منطقة الكرادة تمتلك عينين واسعتين خضراء اللون رائعة الجمال, تبرزان بوضوح من خلال النظارة فتعطي صورة جمالية كأنها لوحة طبيعية مرسومة كلما نظرت إليها كتبت قصة رومانسية عنها, لفت نظري بلبل حزين يصدح بالبكاء على شجرة عالية, انتبهت حسناء أيضا إلى البلبل الحيران.
-: انظر يا فؤاد إلى هذا البلبل الذي لا يتحرك من مكانه منذ أيام, هل هو مريض؟ يبدو عليه حزن العالم, هذا البلبل غريب الأطوار.
-: فعلا عزيزتي إنه غريب الأطوار مختلف عن بقية البلابل, وفي اليوم التالي اقتربت منه, وقدمت له الطعام كان خائفا, ووجلا مني؟
نزل من أعلى الشجرة, واقترب مني.
-: قال إننا نكره بني البشر. أنهم قتلة ومجرمون, والإنسان بطبيعته غدار يريد بسط نفوذه على الأرض, مسحت وجهي هل أنا بحلم أم بحقيقة كيف ينطق البلبل؟ وهو يتحدث معي بلغة عربية بطلاقة.
-: قال لماذا لغة القتل والدمار هي لغة الإنسان؟ لماذا لا نعيش بسلام؟ نحن نقدم له أصواتا شجية بقراءة القرآن الكريم كل يوم صباحا, وهو يوجه رصاصه علينا بأي ذنب تقتل مئات الطيور! من اجل متعة الإنسان الحاقد علينا.
أجبته -: الإنسان الذي تتحدث عنه كائن لطيف, وغير شراني يحب الحياة, ومسالم منذ خلقه الله تعالى.
-: قاطعني قبل شهر دخلت أمي إلى البستان الكبير, وكانت تقرأ القرآن الكريم بصوت جميل, بحيث الجميع ينصت لها, وبلحظة من صياد طائش أطلق عليها النار أرداها قتيلة في الحال, وهو في غاية السعادة, ما ذنبها؟ ولماذا هذا العداء لنا؟ وبكى, مسحت دموعه, وحملته معي على مكتبي الخشبي.
-: ثم أردف قائلا قبل عدة أيام تم اغتيال والدي المسكين في حديقة جارك الكبير, كان يغرد صباحا, وينادي, ويطالب بحقوق البلابل المظلومة التي اغتيلت على يد الإنسان القاتل المتكبر والمتجبر, حمل جارك بندقيته وصوبها نحو أبي أراده قتيلا في الحال. لماذا هذه الوحشية؟ بمجرد ما طالب بحقوق الطيور تمت تصفيته, وقتله من قبل اللص المتسلط على البستان يريد أن يحكمه وحده وينعم بخيراته.
حملته, ووضعته على الشجرة, وقدمت له التعازي لرحيل والديه, حلق في السماء ودموعه تجري على الأرض على ظلم الإنسان المتهور, أطلقت عليه النيران من مجموعة من اللصوص المجاورة لنا أردته قتيلا.