المعذبون في الأرض..وطبيبهم النبيل محمد مشالي

هدى عبد الحر |إعلامية وكاتبة من العراق

    يبدو أن الدكتور طه حسين (1889-1973) العلّامة المتبحّر والناقد الأصيل والأديب اللامع لم يكن مؤثرا في أجيال من الأدباء والكتاب فحسب أو معلما للنقد الأدبي في الجامعات والمعاهد أثارت طروحاته الجدل بل كان أستاذا و معلماً فاعلا  في اختصاص آخر  قلّ المختصون فيه وهو (الإنسانية) فقد أثر في كثير من الناس وكانت قصصه وأفكاره طريقا سلكه بعضهم نحو المثل السامية التي نادى بها طوال عمره فهو العصامي العنيد الذي شغل الدنيا زمنا طويلا ،وتحول من طفل ضرير في أقصى مجاهل الصعيد إلى وزير وعالم  كبير.

   وكان من طلابه ـ في اختصاص الإنسانية -وتحديدا ممّن تخرجوا في كتابه الشهير (المعذبون في الأرض) وهو مجموعة قصصية صدرت لأول مرة عام 1950 الطبيب  محمد مشالي الذي تأثر بهذا الكتاب جدا  فسار على نهج فريد  ليكون اليوم  ظاهرة مائزة في عالم الطب والإنسانية.

  فهذا الكتاب الذي ضمّ بين دفتيه أحدى عشرة قصة تضمنت معاناة المجتمع ومشاكل الناس الفقراء والطبقة المعدومة والمرضى الذين لا يمتلكون أجور علاجهم جعل محمد مشالي يتأمله طويلا ويتأثر به إلى حد بعيد إذ يقول: قرأت كتاب المعذبون في الأرض، وهو يوصي خيرا بالفقراء ويؤكد على الإنسانية وهي الصفة اللازمة لبني البشر والسلاح الأقوى في الدنيا والأبقى في الأخرى كما يقول: فضلت أن أكون جنديا مجهولا لخدمة الفقراء ويؤكد  على أن حادثة أخرى مهمة غيرت مجرى حياته للأبد هي وفاة طفل فقير مصاب بالسكري…قرّر هذا الطفل أن ينتحر من أجل أن يوفر ثمن علاجه على أمّه المنكوبة بالفقر ..فمات بين يديه…فكان أن قرر مشالي وللأبد أن يكون طبيبا للفقراء ، أو على حد توصيف اللهجة المصرية (طبيب الغلابة)أو (ملاك الغلابة) ولد هذا الرجل النبيل في  مصر عام 1944 م و درس في القاهرة  طب (القصر العيني) وهو من الأوائل على دفعته عام 1967 تخصص في طب الأطفال والحُميّات عمل لفترات طويلة في الأرياف  ووصل إلى منصب مديرا لمستشفيات عديدة  حتى  تقاعد عام 2004م بعد خدمة مشرّفة  إذ يشهد له  بالنزاهة القاصي والداني.

   فتح عيادته الخاصة  منذ عام 1975 وهو يعالج الناس بأجور كشف بسيطة جدا  (5أو 10) جنيهات مصري أي حوالي نصف دولار وهي أجور الفحص مع التحاليل في عيادة بسيطة وفي منطقة أهلها أحوج الناس للمساعدة بينما أجور الكشف عند الأطباء تبدأ من (200) جنية وتصل إلى أرقام كبيرة .

 عيادته  الأصلية هذه يقضي بها  معظم وقته إذ يبدأ عمله من الساعة العاشرة صباحا إلى الساعة التاسعة مساءا ثم ينتقل إلى عيادتين في منطقتين مختلفتين في طنطا .

لا عطلة لديه فهو يعمل حتى في الأعياد ومناسبات 

 الدكتور محمد مشالي لا يمتلك هاتفا نقالا ولا ساعة فخمة ولا سيارة من موديل حديث  ولا يهتم بمظهره ويعيش على وجبة واحدة فقط  ويستعمل الموصلات العامة  هوايته الوحيدة هي القراءة إذ يقول: (إن القراءة كل حياته) ولو وجد متسعا ولو لخمس دقائق لاستثمرها في القراءة فهو مازال يقرأ الجرائد الورقية حيث تتكدس  الصحف و الكتب حوله ولو خيّر عن نوع الهدية التي يفضلها لكانت (كتابا) ، منحه نادي الزمالك عضوية شرفية مدى الحياة، ونحت له الدكتور حمدي عبد الستار استاذ الفنون الجميلة بجامعة المينا تمثالا، كما نحت له فارس علي  تمثالا آخر.. ولكن الأكيد أن أهم تكريم له هو تمثاله المنحوت في قلوب الفقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى