المثقف والوعي الشعبي

د. خضر محجز | فلسطين


ليس من مهمة المثقف العضوي التساوق مع الوعي الشعبي في التفكير والفهم، أو المستوى الشعبي في التعبير عن الوعي والفهم.
فعلى مستوى الوعي:
يعلم المثقف العضوي أن الوعي الشعبي يتصرف بردّات الفعل، فيما المثقف العضوي يفكر في عواقب ردّ الفعل.
الوعي الشعبي ينصبُّ هدفه على تحقيق النشوة الرخيصة، إما بالثأر من الخصم دون تفكير فيما يتبع الثأر؛ وإما في تحقيق المتعة دون تفكير إلام تنتهي المتعة.
الوعي الشعبي تقوده الخطابات العاطفية، التي تستفزُّ أحطَّ ما في أعماق البشر من غرائز الغابة؛ حيث صوتُ الخطاب يقول: اقتله فهو قادم لقتلك، أو ضاجعها فهي جميلة جداً..
بخلاف المثقف العضوي، إذ هو يرى أن مهمته أن يحذف من كل خطاب طنطنته وموسيقاه، ليتمكن من مساءلة الكلمات ـ كما هي ـ بمعزل عن المؤثرات الصوتية.
الوعي الشعبي مُبَسَّط مُسَطَّح، تُحَرّكُه قدماه، فينهض ويقوم تقوده أصواتُ الكلمات، دون معاني الكلمات.
الوعي الشعبي يغني بقدميه، ويفكر بلسانه، ويحب بعينيه، ويكره بغريزته، ويتديّن بقصص الوعاظ الحمقاء.
أما المثقف الحقيقي، فلا تلهيه قدماه عن روحه، ولا يغنيه لسانه عن عقله، ولا يدع عينيه تحبان كل ما تريانه من شكل جميل، فكم من صبارة ملونة طعمها مر!
المثقف الحقيقي لا يكره بغريزته، بل بتجربته الدنيوية، ولا يتدين بقصص الوعاظ بل بأوامر السماء.
كل ما قلناه حتى الآن كان عن المستوى الشعبي في الوعي.
أما المستوى الشعبي في التعبير:
فيريدك أن تقول ما يفهم بادي الرأي، لأنه لا يحب أن يتمعن في فهم الكلمات، التي ليست له معها سابق تجربة. وهو لا يريد أن يجرب، فالتجريب متعب. والوعي الشعبي يجلس على إسته ويمد قدميه ويطلب أن تسقيه الوعي بالملعقة.
الوعي الشعبي يريدك أن تكلمه بحدود ما يعرف من المفردات.
وبما أن التعليم منهار، فإن ما يملكه الوعي الشعبي من المفردات في تناقص مستمر.
فإن أطعته وعبرت له بلغة تستكين لمعجمه الحسير، فسوف يستريح لما قلت، ثم يطلب منك مواصلة هذا النهج من الأداء اللغوي، فهو يعجبه ويستريح له، فهو جالس على مؤخرته ولا يحب الحركة.
لا يمر وقت طويل حتى تصبح أنت الوعي الشعبي ذاته.
لا تعود مثقفاً أو صاحب أفكار طليعية، فالأفكار الطليعية كاللغة الطليعية، تحتاج أناساً طليعيين.
منذ الآن لا تعود مثقفاً، ولا يعود الوعي الشعبي يريد منك تعليماً.
لقد عَلَّمَك هو يا هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى