جرعةٌ ضد تعطيل الأمل !!
عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة أوروك – العراق
اللوحة زيتية للفنانة : Natalya Osadcha Ukrainian painter born in 1979 1.jpg
راجعتُ المركز الصحي في الكرخ الأسبوع الماضي لأخذ الجرعة الثانية من اللَقاح ضد وباء كورونا !
لن أقول لكم نوع اللَقاح لأنَّي وجدتُ حملةً شعواء ضده، مع أنَّ منظمة الصحة العالمية اعتمدته، وزكَّته، لكنَّ الكثير من الدول ـ ربما لأسباب سياسية، أو تجارية، أوعدم تَقبل ـ ترفض اعتماده، بل ترفض دخول الوافدين إليها ممن أخذوا هذا اللَقاح، ومَنْ يعش رجباً يرَ عجباً !
دخلتُ المركز قبيل الساعة الثامنة صباحاً بقليل فوجدتُه مظلماً مكفهراً، فالدوام لم يبدأ بعد، ولا يوجد مؤشرٌعلى أنه سيبدأ قريباً، على طريقة إعلانات السينما أيام زمان حين تعلن عن الأفلام بتصنيف : (قريباً) ، و(قريباً جداً) ، و(القادم) !
أقلقتني لافتةٌ عريضةٌ تشير إلى خصوصية لهذا المركز، وهي رعاية كبار السن !
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم !
هكذا صرتُ في هذه المرحلة السنية الحرجة أُعامل معاملة كبار السن !
لم أجد عزائي في قول الشاعر الزاهد صالح بن عبد القدوس البصري (من أعلام القرن الثاني الهجري) :
ذهب الشباب فما له من عودةٍ
وأتى المشيب فأينَ منه المهرب !
بل وجدتُ السلوان في قوله :
المرء يجمع والزمان يفرّق
ويظل يرقع والخطوب تمزقُ
ولأنْ يعادي عاقلاً خيرٌ له
من أن يكون له صديق أحمق !
وبمناسبة ذكره فعلى زهده وحكمته لم يسلم من السلطة الجائرة وننقل ما رواه عبد الله بن المعتز في كتابه (طبقات الشعراء) إذ يقول عن صالح بن عبد القدوس أنَّه أُحضر بين يدي الخليفة المهدي فخاطبه الخليفة، وأعجب به ؛ لغزارة علمه، وأدبه، وبراعته، وحسن فصاحته، وبيانه وكثرة حكمته، فأمر بتخلية سبيله، فلما أدار ابن عبد القدوس ظهره للخليفة مغادراً مجلسه ناداه الخليفة، وقال له: ألستَ القائل:
والشيخُ لا يَتْركُ أخلاقَهُ
حتى يُوَارَى في ثرى رِمْسه
قال: بلى، فأمر به الخليفة فقُتل !
سأكمل القصة من دون فاصل إعلاني مزعج !
جلست على أريكة الانتظار حتى الضحى منشغلاً بمراجعة مقالةٍ على طريقة الشاعر الذي قال :
ألهى بني تغلب عن كل مكرمةٍ
قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم
يا للرجال لشعرٍ غير مسؤومِ !
بعد انتهائي من تحرير المقال نودي عليَّ، فسألتُ الإداري عن إمكانية تلقي جرعة ثالثة فأجابني : لم يأتنا أمرٌ من وزارة الصحة بذلك. قلتُ : لكنَّ السلطات في بعض البلدان تشترط لدخولها أن يأخذ الوافد إليها جرعةً ثالثةً من اللقاح.
قالت الطبيبة وهي تعطيني الجرعة الثانية من الَلقاح بهدوء : نعم هم يسمون الجرعة الثالثة بالجرعة التنشيطية.
قرأت مرةً أنَّ شاباً رأى رجلاً مسناً يمشي مقوس الظهر، وأراد أن يسخر منه فسأله: بكم تبيع القوس ؟ فأجابه العجوز: لا تتعجل يا بني فعندما تكبر سوف تأخذه بدون ثمن !
لم أُوثق لحظة الَلقاح بالصورة كما يفعل بعض أهل منصات التواصل الاجتماعي الذين لا يتركون مناسبةً مهمةً أو غير مهمة من غير صورة سيلفي حتى مع القبور !
تمنيتُ أن تكون هذه الجرعة التي أخذتها ضد عوامل الانحطاط، و الانكسار، والهرم والشيخوخة، والاغتراب، وانطفاء الأمل.
بعد أسبوع وصلتني رسالة قصيرة من إحدى شركات الاتصال تخبرني بأني تلقيت اللقاح !
تذكرت قولاً للعارف والشاعر المتصوف شمس الدين التبريزي (١١٨٥م ـ ١٢٤٨م) هو :
(فليكن همك السعي لا الوصول !)