رسائل محمود شقير وشيراز عنّاب في ندوة اليوم السابع
القدس – من ديمة جمعة السمان
ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية المقدسية عبر تقنية زووم كتاب “وقت آخر للفرح- من أدب الرّسائل” لمحمود شقير وشيراز عنّاب الصادر عام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا ضمن منشوراتها “سلسلة أغصان الزّيتون” للفتيات والفتيان، ويقع الكتاب في 102 صفحة من الحجم المتوسّط.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت: رسائل مطمئنة لفئة عمرية حرجة تحتاج للتعزيز والدعم النفسي.
أدب الرسائل هو من الفنون الأدبية الجميلة التي تمنح الأديب مساحة من الحرية لتمرير نصوصه بصورة تخدم الهدف دون تقييده بعقدة، أو إلزامه بأحداث مترابطة متتالية تحد من حجم المعلومات التي يود أن يبثها عبر نصه، ومع ذلك هي ليست سهلة على الإطلاق، تحتاج إلى أسلوب ذكي لبق، من المفترض أن تجمع بين الأحداث الخاصة والعامة، وإلا فما الذي يهم القارىء إن لم تتوفر في الرسائل معلومات عامة تشكل له إضافة تغني معلوماته؟
أما الخاصة فهي التي تزين النصوص وتمنحها الرونق الذي (يؤنسنها) ويجعلها قريبة من القلب، أشبه ما يكون بأدب البوح، يتضمن تجارب خاضها الراوي وخرج منها بدروس مستفادة. فإن نجحت الرسائل الأدبية في الجمع بين الأمرين بتوازن، خاصة إذا كانت مغموسة بالطرفة والأحداث اللطيفة المسلية، تحقق النصوص نجاحا، وتعتبر إضافة نوعية للقارىء. وعلى صعيد آخر، يجب الأخذ بعين الاعتبار توفر حالة التناغم والتفاعل بين المتراسلين، كي تأخذ طابعا إنسانيا، وإلا لكان ليس أكثر من نص جاف يضخ المعلومات المجردة والتي لا يستسيغها القارىء، وتتسبب له بالملل. لا شك أن كتاب( وقت آخر للفرح)، الذي صدر عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، والذي تضمن رسائل بين الكاتبين محمود شقير وشيراز عناب، موجها لفئة الفتيات والفتيان، قد حقق الشروط بامتياز. تحدث شقير عن مدينته القدس، وتحدثت عناب عن مدينتها نابلس. وتطرقا أيضا لمدن أخرى بأسلوب جميل دون إقحام.. تطرق الكاتبان للجغرافية والتاريخ والحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية والاقتصادية في فلسطين، كما ركزا بصورة كبيرة على الحالة النفسية للمراهقين والمراهقات والمراحل التي يمرون بها، والمغامرات التي يخوضونها بحثا عن الذات، ومدى حاجتهم للدعم النفسي… كان هناك نوع من البوح الرقيق لفئة عمرية تحتاج إلى العناية والرعاية والاحتضان. وقد كان الاحتلال حاضرا بكل ما يحمل من جبروت وظلم وممارسات احتلالية تهدف إلى تهجير المواطن الفلسطيني الذي يتعرض للظلم والقهر. كما تضمنت الرسائل العديد من التجارب التي خضع لها يزيد ونجلاء والأهل والأصدقاء. تضمنت الرسائل نصائح غير مباشرة، من خلال قصص تم ذكرها وتضمنت الحكمة. كانت هناك دعوة للبقاء في الوطن رغم كل ما يشهده المواطن الفلسطيني من اضطهاد وعجز. فمهما كانت مشاعر الظلم فلن تكون أشد قسوة من مشاعر الغربة في وطن ليس لك. كان هناك دعوة للعودة إلى التراث في المناسبات الاجتماعية، كالأعراس مثلا. رسائل ذكية أشادت بالفنون والابداع، وتحدثت عن أهميتها، ودعت إلى زيارة المعارض الفنية، وعلاقة الإنسان بها، كما أشارت إلى استخفاف البعض بها باعتبارها مضيعة للوقت، أو حتى محرمة. تم التركيز على ضرورة الاستثمار بالطاقات، وعلى الإنسان أن يثبت نفسه بالأفعال وليس بالكلام. والبعد عن النمطية التي تتعارض مع الابداع. فالذكاءات متعددة، والعلامات التي يسجلها المدرس على ورقة امتحان الطالب لا تعني أكثر من رقم، فلكل فرد اهتماماته وإبداعاته. أمّا المؤسسات النسوية فقد حضرت أيضا في الرسائل من خلال الإشادة بعملها المتواصل الذي يطالب بحقوق المرأة. وقت آخر للفرح رسائل مطمئنة لفئة عمرية حرجة تحتاج للتعزيز والدعم النفسي. خاصة في وطن محتل، يعيش فيه المراهق القلق والتوتر الذي يتسبب له بالكوابيس التي ترافقه في كل ليلة بعد أن يضع رأسه على وسادته، آملا أن يحلم حلما يسعده، كأي فتى آخر في مكان غير “فلسطين”.
وقال جميل السلحوت:
لسنا بحاجة إلى التّذكير بأنّ محمود شقير أديب كبير ورمز من رموزنا الأدبيّة، وهو يدهش النّقّاد وقرّاءه عندما يفاجئهم بجديد، وها هو بعد إبداعاته في كتابة القصة القصيرة للكبار وللأطفال، والأقصوصة -الذي هو أحد روّادها ومؤسّسيها-، الرّواية للكبار ولليافعين، اليوميّات، أدب الرّحلات، المراثي، المسرحيّة، السّيرة الذّاتيّة وغيرها، يطلّ علينا في العام 2020 برسائل تبادلها مع الكاتبة الفلسطينيّة شيراز عنّاب، وإذا كانت هذه الرّسائل تهدف التّعليم والتّربية في مجالات مختلفة، فلا بدّ هنا من التّذكير برسائله المتبادلة مع الأديبة حزامة حبايب “أكثر من حبّ” الذي صدر عام 2021، والذي يشكّل ثروة أدبيّة كبيرة. ما علينا سنعود إلى ما نحن بصدده، وهو “وقت آخر للفرح”، الموجّه للفتيات والفتيان، وبالتّأكيد فإنّ الكاتبة شيراز عنّاب محظوظة لمشاركتها في هذه الرّسائل مع أديب كبير بحجم محمود شقير. وبنظرة سريعة على الغلاف الأوّل سيجد القارئ نفسه أمام كاتبين اتّفقا مسبقا على أن تكون هذه الرّسائل لفائدة الفتيات والفتيان، وبالتّالي فهي رسائل تعليميّة تربويّة طغى عليها أسلوب السّرد الرّوائيّ، والكتابة للأطفال ولليافعين ليست جديدة على أديبنا الكبير، فقد صدرت له كتب عديدة بهذا الخصوص، لذا فقد كان هو البادئ بالرّسائل، وكأنّي به يقود شريكته لتردّ على رسائله في المجال الذي رسمه لنفسه ولها. وبما أنّ الرّسائل ليست شخصيّة فقد اتّخذ لنفسه اسم “يزيد”، بينما اتّخذت شيراز عنّاب اسم نجلاء، ويزيد يتكلّم عن مدينته القدس، بينما نجلاء تتحدّث عن مدينتها نابلس، وبهذا درس في التّاريخ والجغرافيا عن مدينتين فلسطينيّتين عريقتين. لكن لم يفت الأديب شقير أن يمرّ على مدينة أريحا حيث التقى الكاتبة عنّاب، فهذه المدينة الأقدم في العالم والتي عمرها عشرة آلاف عام. ولا يغيب عن ذهن الأديب شقير كما هو الحال في كتاباته كافّة التّذكير بفسيفساء الشّعب الفلسطينيّ والتّعدّديّة الثّقافيّة في فلسطين الوطن، ففي فلسطين الدّيانتان الإسلاميّة والمسيحيّة، فمنذ البداية عرّف يزيد صديقته نجلاء على زميله وابن صفّه جريس وشقيقته سوسن، ولتأكيد قدسيّة دور العبادة “نذهب انا وأمّي وأبي إلى المسجد وإلى الكنيسة في كلّ عيد”ص8. وبهذا تأكيد على أنّ المساجد والكنائس جزء من الحضارة الفلسطينيّة، وبالتّالي على الجميع حمايتها والحفاظ عليها. وإذا كان لقاء شقير وعنّاب عام 2011 في مدينة أريحا، حيث اعتبر وزراء الثّقافة في الدّول العربيّة والإسلاميّة “القدس عاصمة دائمة للثّقافة العربيّة واٍلاسلاميّة”. وبما أنّ هذا كان مجرّد شعار لا أكثر، فقد جاء في رسالة شقير الأولى معزّيا نفسه:” على الأقلّ، يكفيها الجانب المعنويّ النّاتج عن الاعتراف بها.”ص6. في الرّسائل تحدّث الكاتبان عن مدينتيهما، وعادا إلى تاريخهما القديم، فعلى أبواب نابلس تحطّمت جيوش نابليون، والقدس تعرّضت للهدم سبع عشرة مرّة، لكنّ الغزاة والمحتلين اندحروا مهزومين خائبين، وبقيت القدس مكانها، وهذا إشارة إلى النّهاية الحتميّة للغزاة المحتلّين الحاليّين. في الرّسائل فضحٌ لممارسات الاحتلال القمعيّة لأبناء شعبنا، سواء كان ذلك بالقتل والأسْر، بمصادرة الأراضي والإستيطان، هدم البيوت، قطع الأشجار وحرق المزروعات، سلب الأمن والأمان من المواطنين الفلسطينيّين، وانتهاك حرماتهم وخصوصيّاتهم. كما فيها دعوة لمواصلة التّعليم وزيادة الثّقافة من خلال الحثّ على مطالعة الكتب القيّمة، وحبّ الموسيقى، الفنون، المسرح، الغناء، الرّياضة…إلخ. إعطاء النّساء حقوقهنّ، وقد تطرّقت عنّاب إلى الحجاب، وكتبت أنّه ليست ضدّه، ومن حقّ أي فتاة أن تضعه، لكنها ترفض فرضه بالقوّة عليها. لغة الرّسائل انسيابّة سهلة تناسب الجيل المستهدف. هذا الكتاب يشكّل إضافة نوعيّة لأدب اليافعين، ولا تغني الكتابة السّريعة عنه من ضرورة مطالعته.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
“وقت آخر للفرح”هي رسائل أدبية بين الأديب القدير محمود شقير والأديبة شيراز عناب،وهذه الرّسائل موجهة للفتيان والفتيات. هي رسائل أدبية بين المدن، في القدس ونابلس، بين تاريخ المكان والذاكرة، رسائل تبوح بتعب المدن وآهاتها بين الماضي والحاضر في ظلّ الهزيمة والإحتلال، رسائل تبث بعض هموم المراهق، وتنير عقله بالتمسك بحكمة العقل والتأمل، وتطرح الأفكار والرؤية الشّخصية في عدّة قضايا، رسائل اجتماعية في زمن الكورونا،ورسائل فيها حزن وجه المدن في انتظار وقت آت لبوح الفرح، الأمل في حق المدن أن تفرح تحت سماء الحرية ونيل حقوقها. جاءت الرّسائل بين يزيد ابن مدينة القدس ونجلاء ابنة مدينة نابلس، وإنّ ما يميّز الرسائل هو تنوع المواضيع المطروحة في الرّسائل، في الانتقال من موضوع لآخر، ومن الذاكرة للواقع اليومي، ممّا يجعل القارئ متعطشا لمعرفة المزيد وعدم الملل. في هذه الرّسائل حوار ممزوج بثقافة كلّ من يزيد ونجلاء، من خلال وعيهم الثقافي وقراءة الكتب، ومدى صلتهم بهويتهم وجذورهم، فنلاحظ مدى قدرة هؤلاء الفتية على التّعبير عن هواجسهم الوطنية والإجتماعية من خلال الاستشهاد بأقوال المؤرخين أو المفكرين، وسرد بعض القصص من الواقع لتفسير حكمة ما. الرسائل مبنية على المودة والاحترام، فلا نزاع أو شجار أو ألفاظا مسيئة أو غيبة أونميمة، فمن هنا نقرأ من بين سطور الرسائل، رسالة الأديبين شقير وعنّاب إلى أهمية حسن الإصغاء والتفاهم، وتبادل الحوار مع نبذ العنف اللفظي، وإلى التفريغ النفسي والسياسي والاجتماعي لدى اليافعين، من خلال البوح للآخر لمشاركته همومه أو الاستماع لنصيحة أو رأيّ ما. هي رسائل فيها أيضا مضامين تربوية وتوجيه النقد للأهل والمجتمع فيما يتعلّق بخصوصية اليافعين مثل الحجاب والزواج وغيره. رسائل فيها رائحة الوطن ووجعه وهمومه وتؤكد على الصمود وعدم التنازل أو نسيان القدس. ظهرت شخصية يزيد أكثر اتزانا وعقلانية من نجلاء التي تنفعل وتصاب بحالة عدم استقرار نفسي بسبب الوضع السياسي للمدن، لكنها سرعان ما تهدأ بعد تفريغها وبوحها برسائلها ليزيد. اعتمدت الرسائل على ضمير المخاطبة بين الذكر(يزيد)وبين الأُنثى(نجلاء)، وفي بعض الأحيان بضمير المتكلّم انا، وقد انتهت الرسالة الأولى بضمير المخاطبة بصيغة الجمع”يا بنات يا أولاد.” جاءت اللّغة سلسة انسيابية، في سرد حكائي قصصي يتمتع بالحوار والوصف التصويري، كمشهد وصف شارع صلاح الدّين، ومشهد الملعب والأهداف على سبيل المثال لا الحصر. تضمنت الرسائل أسلوب المناداة وبعض المحسنات اللفظية. أمّا العاطفة فتسودها مشاعر الحنين والحبّ للأرض والمكان، والحزن والقهر والقلق، لكنّ الرّسائل هنا تخلو من قصص مشاعر الحب بين المراهقين، فهي رسائل صداقة فقط، قد تكون نادرة بين اليافعين، خاصة في هذا الزّمان الّذي أصبح فيه العالم كبسة زر.
وقال الدكتور عزّ الدين أبو ميزر:
الكتاب عبارة عن رسائل هدفها التّعليم والتّربية في مجالات مختلفة تاريخية، وطنية، اجتماعية، سياسية، فنية وفكرية متنوعة، وموجّه للفتيات والفتيان، بأسلوب سردي يوائم العصر الذي نعيشه ، وبلغة أدبية بليغة في تماسكها، رغم امتزاج الخيال الجامح فيها، مع الصدق في الرؤية والتوجيه الصحيح لفئة معينة مقصودة وجيل معين من الفتيات والفتيان، وأخطر مرحلة يمرون بها. مما لا شك فيه أن أدب الرسائل قديم جدا وكان خاصا بالملوك والرؤساء والولاة، وكان لكل منهم كتابه الذين يكتبون له الرسائل التي يتبادلونها بينهم في السلم والحرب، والرسائل الموجهة للعمال على الأقاليم، وللشعوب، كأوامر وتوجيهات وبلاغات، واختلفت الأساليب فيها من عصر لعصر، طولا وقصرا، وبلاغة وتورية وسجعا، ومن منا لا يذكر رسالة عزل والي مدينة (قم)من قبل الخليفة: أيها الوالي بقم قد عزلناك فقم. أما الرسائل التى نحن بصددها في تختلف شكلا وموضوعا عما سلف وإن اشتركت بالإسم. فهي نوع من الأدب الراقي والسرد الرائع الذي يجذب القارىء بأسلوبه الجميل الممتع وأهدافه التربوية السامية بروح وطنية وثابة تصف واقع فلسطين عامة، كوطن مستهدف من الغاصبين المحتلين، والقدس كرمز للتعايش ومهد للديانات، ومدينة نابلس كمدينة عريقة وأريحا المدينة الموغلة في قدم الزمن، وأخفض قطعة أرض عن سطح البحر في هذه المعمورة. ولا يغيب عن أذهاننا ما اشتملت عليه هذه الرسائل من وصف لما عليه هذه المدن من عادات وتقاليد واهتمامات ونشاطات، في عصرنا هذا وما كان عليه أجدادنا من قبل فيها. والبوح الصادق والجمالي في هذه الرسائل بنقاش بين الكاتب الذي أخذ إسم يزيد وما يحيط به والكاتبة التي أخذت إسم نجلاء ومحيطها العائلي. وكيف كان الصدق والمصارحة والشفافية بينهما للدرجة التي يحسدان عليها، وكيف يصحح الواحد منهما وجهة نظر الآخر بتفهم وحب بعيد عن التشنج والأنانية وعدم تقبل الآخر إلا بحدوده الدنيا ، وبانفتاح على العالم وعدم التقوقع، ناشرين الأمل الواسع العريض أمام من إليهم وجهت كل هذه الرسائل.
ومن طرعان في الجليل الفلسطيني كتبت الدكتورة روز شعبان:
وقت آخر للفرح من أدب الرسائل الذي قلّما نراه في أدبنا المحليّ وخاصّة الموجّه للفتيات والفتيان، هذه الشريحة من مجتمعنا التي هي في غايّة الأهميّة، إلا أن أدباءنا لا يخصصون لها الكثير من كتاباتهم، علمًا أنها الشريحة التي ستقود المجتمع وتحدد مستقبل شعبنا. هذه الرسائل بين الأديب محمود شقير والكاتبة شيراز عناب، والتي كتباها بلسان الفتيات والفتيات،( محمود شقير بلسان الفتى يزيد وهو شاب من القدس وشيراز عناب بلسان الفتاة نجلاء وهي شابّة من نابلس)، كتبت بلغة سلسة جميلة وغنيّة، وبأسلوب شائق. أما العنوان” وقت آخر للفرح” فهو بوابة الأمل والغد القادم الذي لا بدّ أن يكون مشرقًا ممتعًا مفرحًا. إنّ زرع بذور الأمل في الشباب له أهميّة قصوى في ترسيخ القيم والثوابت الوطنيّة والنضال الوطني، الذي سينتهي بالفرح وتحقيق الآمال. أمّا مواضيع الرسائل فقد تعددت لتعكس اهتمام وفكر الشباب في مرحلة التعليم الثانوي. مثل مواضيع فكريّة، ثقافيّةـ اجتماعيّة، سياسيّة، وطنيّة، دينيّة وإنسانيّة. من هذه المواضيع التي تؤرّق الشباب: التشبث بالأرض والوطن وعدم الهجرة منه: “من هذا الطين ومن هذا التراب نستمد قدرتنا على البقاء، نحن بحاجة إلى الأرض لكي نقف بأقدام ثابتة على مكان يخصنا “ص 8. معاناة الشباب والناس عامّة في القدس في ظل الاحتلال الاسرائيليّ: يحرم جنود الاحتلال الشباب والشابات من لحظات الفرح و يسرقها منهم. فيذكر يزيد حادثة مؤلمة تعرّض لها الشباب والشابات حين تجمعوا بالقرب من كنيسة القيامة، وشكلّوا حلقة للرقص، ممّا دفع النساء إلى النظر اليهم من النوافذ ومشاركتهم الفرح بالزغاريد ورفع الأعلام الفلسطينية، وما كان من جنود الاحتلال إلا أن قاموا بتفريق الراقصين والقاء قنابل مسيلة للدموع، وبذلك قطعوا عليهم هذه اللحظات القليلة من الفرح. أهميّة ودور المعلم في ترسيخ الثوابت الوطنية والفكرية في نفوس طلابه: تذكر نجلاء كلام معلمتها:” منذ بدء الخليقة ونحن في صراع حتى أوشكت على الاقتناع بأنّ الحياة ليست إلا ملعبًا نلعب فيه. نحن جئنا من واحد فصرنا آحادًا، أصبحنا ما نحن عليه: قبائلَ طوائفَ، دولا، بلدانا وصراعات لا تنتهي”. ص10 ويستشهد يزيد بقول أستاذ التاريخ الذي حثهم على عدم الإستسلام لما يُفرض عليهم من مفاهيم:” علينا أن نفتح عيوننا على كل اتّجاه، وعلينا أن نفتح نوافذنا على كل الجهات، فلا نبقى أسرى لضيق الأفق والتزمت والتعصب والانغلاق”. ص 22. العمل التطوعيّ: العمل من أجل المجتمع من خلال أعمال تطوعيّة التي من شأنها أن تدخل الفرح والاكتفاء لكل من يقوم بها:” وحين أغضب من بعض مظاهر الخلل التي ألاحظها هنا وهناك فإنني أسارع إلى القيام بعمل نافع للناس كي أتخلص من المشاعر السلبية التي تلح عليّ….”. ص 93 التآخي بين الأديان في القدس وفي نابلس:” نذهب أنا وأمي إلى المسجد وإلى الكنيسة في كل عيد”.(ص5). الازدواجية في السلوك:” نحن نعيش فترة انتقال حرجة ولهذا السبب تظهر الازدواجية في سلوكنا”.(ص 20). فرض المفاهيم في المجتمع على الأبناء والبنات مثل لبس الحجاب، وحرمان الفتيات من الحق في اختيار شريك حياتهنّ. انتهاك حقوق المواطنين من قبل سلطات الاحتلال: مداهمات جنود الاحتلال الليلية لبيوت المواطنين وقض مضاجعهم وإيذائهم واعتقالهم. حواجز تفتيش وتعذيب الناس خلال النهار. النمطية في التفكير التي تؤدي الى البلادة:” عندما ينتشر وباء النمطيّة في مجتمع قد تسوده البلادة، النمطي يقرأ ما يراد له أن يقرأ لا ماذا يريد أن يقرأ”. (ص 43). دور الأم في تربية أبنائها وتوعيتهم وزرع الأمل والإصرار والثقة في نفوسهم:” لن تكوني يوما كالسلحفاة هي رسالتك في الأرض، وما عليك سوى تحقيقها وعندما تعزمين على ذلك فإن العالم كله يؤمن بما تريدينه. كوني كما تريدين؛ حتما ستنجحين، لكن حذار حذار أن تسمحي لأحد أن يكسرك”.( ص 58). الاغتراب: ذكر في الرسائل نوعان من الاغتراب: الاغترابي المكاني خارج الوطن وما يصاحبه من اغتراب فكري وثقافي واجتماعي وشوق وحنين إلى الوطن . واغتراب داخلي أي داخل الوطن، وهو أصعب من الاغتراب الخارجي:” يشعر الإنسان بالغربة في وطنه حين يكون مظلوما غير قادر على التعبير عن نفسه بحرية وأمان”.(ص 91). الغربة في الوطن أشدّ ايلاما من الغربة خارج الوطن”. ص 91. وصف لعدة بلدان في فلسطين: القدس نابلس الخليل بيت لحم وبيت جالا وساحور . من خلال ذكر هذه البلاد يذكر الكاتبان معلومات هامّة عنها وبشكل خاص عن القدس ونابلس. وتذكر نجلاء عدّة أسماء لنابلس: جبل النار، دمشق الصغرى، منبت العلماء والأدباء، ملكة فلسطين غير المتوّجة، وتستحق لقب مدينة الشهد واللبن والعسل”(ص 65). الفنون: دور الفنون المختلفة والمعارض الفنية في تثقيف الشباب منها الفن التشكيلي مثلا ودوره في حفظ الذاكرة :” وأنا أتوقّف أمام اللوحات الفنيّة رأيت تجسيدًا حيًّا من خلال الأوان لملامح رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ عيونهم شاخصة نحو القدس”. ص 101. “هاجس هدم الأقصى: هذا الهاجس الذي تجوّل إلى حلم مرعب يقض مضجع الشباب:” نهضت من الفراش واتّجهت صوب النافذة، رأيت قبّة الصخرة المشرّفة تتلألأ في مكانها من دون أن يمسّها سوء. اطمأنَّ بالي، ولكن إلى حين”. (ص 105). الكورونا وما تلاها من حجر وإغلاق: كيفيّة التخلص من شعور الملل والوحدة بسبب الحجر وضرورة الاهتمام بالنظافة واتباع التعليمات الصحية للوقاية من المرض:” لأول مرّة؛ ربما ما عدا في فترات الحروب، تغلق أبواب المساجد والكنائس في القدس وفي كل أنحاء فلسطين، وتغلق أبواب المدارس والجامعات ودور السينما والمسرح وقاعات الأفراح….. أمارس الرياضة كل صباح، أشاهد برامج التلفاز والأخبار وخصوصا تلك التي تتحدث عن فيروس كورونا”.(ص 107). الإصرار على تحقيق الأهداف والقيام بما يؤمن به الانسان:” لو جاءني عشرات الخطاب قبل أن أنهي دراستي في الجامعة فلن أقبل ولن أتزوج إلا بمن يحمل شهادة جامعيّة…”. (ص 110-111). الأمل بمستقبل أفضل وبوقت آخر للفرح :” وإن لم نفرح اليوم بسبب ما تعانيه القدس وما تعانيه نابلس والوطن بشكل عام، فسيكون لنا وقت آخر للفرح، سيكون لنا بالتأكيد وقت للفرح”.(ص 113). الصداقة بين الشاب والفتاة: وهو موضوع جديد ولافت في هذه الرسائل. هذا الموضوع الذي يقابل بالرفض في مجتمعنا والذي لا يؤمن أصلا بهذه الصداقة. لكن الكاتبين ببراعتهما استطاعا إقناع القارئ بأن هذه العلاقة ممكنة بل وضرورية، وهي علاقة ساميّة تثري الطرفين وهي وسيلة لتفريغ الشحنات السلبيّة والاضطراب والقلق، وبالمقابل تعمل على ترسيخ الأمل والثقة بالنفس والعمل المشترك من أجل بناء الوطن. وأخيرًا يمكن القول إن هذه الرسائل هي عمل فنيّ أدبي لافت، بين كاتبين محمود شقير وشيراز عنّاب، يهدف إلى توعية الفتيات والفتيان وشحنهم بالأمل وترسيخ قيم سامية في نفوسهم مثل: المحبّة، الصداقة، العطاء ،العمل ،الايمان بتحقيق الأهداف، الثقة بالنفس، المثابرة و الاجتهاد وحب الوطن والاعتزاز به والتمسك فيه.
وكتبت دولت الجنيدي:
أديبنا الكبير محمود شقير غني عن التعريف، وهو الذي أغنى بانتاجه الأدبي ومؤلفاته المتعددة في جميع مناحي الأدب والثقافة المتعددة المكتبة العربية. حيث كتب للكبار والصغار واليافعين في جميع المجالات. وفي كتابه هذا( وقت آخر للفرح) يطل علينا برسائل تبادلها مع الكاتبة شيراز عناب. والرسائل عادة تكون بين فريقين يبث الواحد منهما الآخر ما يشعر به، وما يجول في خاطره وما يختلج في نفسه من مشاعر وأهداف مختلفة. وهنا في رسائل كاتبينا المفعمة بحب الوطن والمواطنة، الصالحة والاهتمام بالمدن والسكان والأفراد كبارا وصغارا. وخصّا فيها اليافعات واليافعين برسائل هادفة معبرة تربوية وتوعوية، أدبية وتاريخية وجغرافية ووطنية، توجيهية وتعليمية. اختار لنفسه اسم يزيد بمعناه الجميل، واختارت الكاتبة شيراز اسم نجلاء بمعناه الجميل. واختار هو مدينته القدس قلعة الصمود؛ ليتحدث عنها وعن أهميتها التاريخية والدينية وأماكنها المقدسة وتركيبتها السكانية والتآخي بين المسلمين والمسيحيين، وتقديس أماكن العبادة من مساجد وكنائس. والدفاع عن صمودها أمام محتل غاصب غاشم لئيم ملأها جورا وظلما وتعديا على السكان، وسلب حقوقهم وطردهم من بيوتهم وتحويلهم الى لاجئين، وهدم البيوت وقطع الأشجار، والقتل والأسر ومصادرة الأراضي وهدم البيوت.
واختارت الكاتبة شيراز مدينتها نابلس العريقة للحديث عنها وعن صمودها أمام الغزاة والمحتلين، وعن أهلها الأشداء وحبهم لمدينتهم ولأرضهم والتباهي ببيوتهم وزرعهم وإنتاجهم وعن تجارتهم وتجارهم النشطاء، وأنها جبل النار ومدينة الثوار والأحرار. وكان اللقاء بين يزيد ونجلاء في مدينة أريحا أقدم مدينة في التاريخ عمرها عشرة آلاف عام، حيث عقد مؤتمر تُوّجت فيه القدس عاصمة للثقافة العربية والإسلامية ولم تستفد منه القدس سوى الجانب المعنوي وبعض الندوات الثقافية وقليل من الكتب والأغنيات. جاءت أهمية هذه الرسائل لإعطائها درسا تربويا توعويا بحب الوطن والصمود على أرضه والدفاع عن قضاياه، والحث على التآخي بين سكانه مسلمين ومسيحيين، وحسن الجوار والتعاون بينهم، والدفاع عن المقدسات الدينية لسد الطريق أمام المحتل لئلا يبث الفرقة بينهم؛ وليكونوا سدا منيعا أمام المحتلين الغاصبين، يتوقون للحرية ويزيدون ثقافتهم في جميع مناحي الحياة من أدب وشعر ومطالعة الكتب والإهتمام بالرياضة والفنون والمسرح والغناء، والاهتمام بالمرأة وإعطائها حقها، وأن يفضحوا ممارسات المحتل الظالم من أسر وقتل وتشريد ومصادرة الأراضي وطرد السكان وتحويلهم الى لاجئين، وسلب الحريات وإغلاق المدن والتشديد على السكان. كل هذا وأكثر لأهمية ذلك في الدفاع عن الوطن.
كل ذلك جاء بسرد جميل واضح خال من الأخطاء اللغوية حيث يعطي الكتّاب الجدد درسا في ذلك. ويشجع اليافعات واليافعين وجميع الأعمار على القراءة، ويحقق الهدف المرجو من هذه الرسائل الهادفة والمهمة. كل الاحترام والتقدير لأديبنا الكبير محمود شقير وللكاتبة شيراز عناب على هذه الرسائ،ل وإعطائنا وقتا للفرح بأمل كبير في تحقيق الهدف المرجو منها وبث الأمل والتفاؤل بان الليل له آخِر، وأنه على مدى التاريخ رحل الغزاة وبقيت فلسطين، وأنه لا يضيع حق وراءه مُطالب.
وقالت رفيقة عثمان:
استخدم الكاتبان أسلوب أدب الرّسائل بينهما، بحيث تناولا مضامين عديدة من الممكن قراءتها من وراء السّطور، تتخلّلها رسائل توعية فكريّة وفلسفيّة تحاكي عقول الفتيان وقلويهم؛ حيث تحدّث كلّ كاتبٍ عن نفسه، وعرض وجهات نظره الخاصّة، بحيث تبنّى الكاتب محمود شقير الحديث عن القدس، والكاتبة شيراز تبنّت الحديث عن مدينة نابلس. من خلال هذه الرّسائل جرى حوار متواصل بين الكاتبين، حول مواضيع مختلفة، قام بطرحها أحد الكاتبين مستفسرا حول موضوع معيّن، ويقوم الكاتب الآخر بالرّد عليه وطرح فكرته الخاصّة. نهج الكاتبان أسلوب الاسترجاع الفنّي – من خلال سرد الأحلام وتفسيرها، أو من خلال عرض الذّكريات.flashback- برزت طريقة التّواصل بواسطة التواصل الاجتماعي الإلكتروني الحديث، باستخدام الفيسبوك أثناء المراسلات بين البطلين. هذا يدل على تقمّص روح الفتيان، والتواصل بطريقتهم الحديثة. لم تخلُ الرّواية من روح الفكاهة والسّخرية المُحبّبة لروح الفتيان، مثلًا عندما وصف الكاتب شقير أنف جدّه بأنه كبير ومُدحبر، لدرجة بأنه صاروا ينادون العائلة بعائلة دار أبو منخار(فيما معناه). كذلك موقف آخر عندما كان الفتيان يركضون وراء الجنود ويلصقون ملصقات على ظهورهم ومكتوب عليها “لا للاحتلال” فيضحكون ويهربون. في هذه الرّواية كان عدد الشّخصيات محدودا، شخصيّة الفتى يزيد قام بدورها الكاتب شقير، وشخصيّة الفتاة نجلاء قامت بدورها الكاتبة شيراز عنّاب. تقمّص الكاتبان شخصيّات الفتيان وتحدّثا بمستوى فكري مناسب لهذه الفئة العمريّة، باستخدام لغة بسيطة وسهلة دون تعقيد يُذكر؛ فأسلوب الرّسائل يجذب الفتيان للقراءة، نظرا لسلاستها وقصرها، وضرورة المتابعة لمعرفة ردود الفعل. نجح الكاتبان في هذه النّصوص بالتعريف على الأماكن والمدن الفلسطينيّة والأماكن الأثريّة، مثل: القدس ونابلس ومعالمهما الهامّة؛ بهدف ترسيخ الانتماء للوطن والمكان والأرض، مع تقديم معلومات تاريخيّة بأسلوب غير مُقحم. لو تأمّلنا الزّمكنة في النّصوص (الرسائل)، المكان المحوري الّذي ركّز عليه الكاتبان هو فلسطين (القدس ونابلس) بالإضافة الى مدن أخرى: بيت لحم وأريحا ورام الله والخليل؛ بينما الزمن كما يبدو بأنّ الرّواية حديثة، وممكن اكتشاف ذلك من خلال الحديث حول مرض ( الكورونا) الّذي اجتاح العالم منذ سنة ونصف تقريبًا. “وقتٌ آخر للفرح” اختارالكاتبان هذا العنوان، نظرًا للفرح المنقوص دائمًا؛ لأنه يُمنع مشاركة الحفلات والأفراح في القدس، كما ذكر بالرسائل “وقت آخر للفرح غير المنقوص يكون لنا في المستقبل غير البعيد في قلب القدس” صفحة 5. هنا يبثُّ الكاتبان الفرح والأمل في نفوس الفتيان نحو تحرير القدس؛ ليعمّ الفرح فيها وبها. ظهرت في الرواية توعية الفكر وتشجيع الفكر الحر للفتيان، عندما ذكر الكاتب شقير ” قال معلّم التّاريخ ذات مرّة: علينا أن نفتح عيوننا في كل الحياة، علينا أن نفتح نوافذنا على كل الجهات، فلا نبقى أسرى لضيق الأفق والتّعصّب والانغلاق”. أعجبتني هذه الرّؤية المتطوّرة نحو الحياة، بتوجيه الفتيان نحو تفكير شموليّ، وليس تفكيرا تعصبيّا أو نمطيّا مقولبا، بل نحو تفكير تحليلي ذاتي، وليس تفكيرا تبعيّا. لم يغفل الكاتبان الحديث عن التوعية السّياسيّة، وطرح موضوع حق العودة للفلسطينيين؛ عندما ذكر الكاتب شقير، عن الصحن الطّائر وطبيعة عودته للأصل، وتمنّى بأن تكون عودة الفلسطينيين للأصل. لفت انتباهي وجهة النظر المتطوّرة نحو حقوق المرأة، من ناحية الّلباس والفكر، ومن المهم النظر للمرأة الى فكرها وإنجازاتها، وعدم الحكم عليها من خلال ملابسها؛ كما وضّح ذلك من خلال الفتاة التي سابقت بالرّياضة وفازت كانت تلبس ملابس رياضيّة قصيرة. ليس هذا فحسب، بل ظهرت هذه الفكرة عندما ذكر الكاتب شقير في إحدى رسائله، بأنّه تمنّى لو كانت امرأة نزلت من الفضاء.” تمنيت أن أرى رجلا فضائيّا مع امرأة فضائيّة”. صفحة 33. هذا الفكر المتنوّر ليس بعيدا عن أديبنا شقير والذي يناصر المرأة العربيّة والفلسطينيّة بشكل خاص بكافّة الميادين، والدليل على ذلك مشاركته في تأليف هذه الرسائل الأدبيّة، مع الكاتبة الفلسطينيّة شيراز، وهما متساويان في العطاء والإنتاج. استحضر الكاتبان أسماء لأدباء وشعراء فلسطينيين مشهورين، أمثال: ابراهيم طوقان، فدوى طوقان، أكرم زعيتر، سحر خليفة وعلي الخليلي. صفحة 25. هذه الإضاءة ترسّخ معرفة الأدباء والشعراء في أذهان الفتيان والبحث عن إنجازاتهم والاحتذاء بهم. استخدم الكاتبان التّناص: مثلا: بيت من قصيدة المتنبّي ” ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله وأخو الجهالة في الشّقاوة ينعم”؛ كذلك تناص آخر:” بلادي وإن جارت عليّ عزيزة … وأهلي وإن ضنّوا علي كرام”. خلاصة القول: تعتبر هذه الرسائل الأدبيّة، نصوصًا شيّقة للقراءة لجيل الفتيان؛ لِما تحتوي من رسائل علميّة وتربويّة؛ لإكسابهم معرفة الوطن، والانتماء إليه، بأسلوب محبّب وقصير.
وقالت نزهة أبو غوش:
تبادل الكاتب المقدسي شقير رسائله مع الكاتبة النّابلسيّة، شيراز عنّاب؛ من أجل كتابة النّصوص النّثريّة الموجّهة لليافعين. كتب شقير عن القدس: طبيعتها، حضارتها، ثقافتها، مقدّساتها، نضالها وصمودها ومقاومتها للاحتلال؛ كذلك فعلت الكاتبة عنّاب عن مدينة نابلس.لقد رصد الكاتبان معلومات مهمّة لحياة اليافعين، نحو الموسيقى والرّياضة، المسابقات في المعلومات والألعاب الّتي تحتاج للتّفكير وبعد النظر، نحو لعبة الشّطرنج والكوتشينا وغيرها. شجّع الكاتبان الفكر الحرّ المتطوّر المستقلّ المبني على التّحليل والإستقراء. وفهم الحياة بشكل منطقيّ، دون التّصلّب في الرّأي وبالأفكار القديمة الّتي لا تتغيّر مع تطورّ الزّمن والتغيّر الحضاري السّريع جدا في هذا الكون. تشجيع الرّسم والفنّ ضروري ومهمّ جدا لهذه الفئة العمريّة؛ حيث الحياة والألوان وتوسيع الأفق والخيال والإبداع، كما يعتبر الرّسم والفنّ بشكل عام طريقة للتّعبير عن الذّات، وهي أيضا أحدى الوسائل لتهذيب سلوك العنف عند الانسان مثلها مثل الكتابة، ولعب الرّياضة.” العالمُ فسيحٌ، والأفقَ واسعٌ ولا حدودَ في السماء. لنحلِّقَ فيها، ونرسمَ فيها أفكارَنا لنجسِّدَ صورَتَنا ونؤكِّدَ على هُويَّتنا.” ص92. نال إِعجابي انفتاح الكاتبين الاجتماعي والثّقافي والحضاري على الحياة الجديدة المتطوّرة الّتي تعطي المرأة حقّها بالحياة، وخاصّة نقد شقير أمر لعب الفتيات الكرة، مثل الفتيان تماما. “لماذا انصرفَ ذهنُ هذا القياديِّ إلى أجسادِ البناتِ ولم ينتبهْ إلى بَراعتهنَّ في اللعب.”ص85. كذلك الكاتبة عنّاب بالنسبة لتفسيرها عن لبس الحجاب. إِنّ فكرة التّطوّع الّتي عرضت بالرّسائل، فكرة حضارية راقية، بل هي في قمّة هرم السّلوك الإنساني، وخاصّة حين استخدمت كوسيلة للحفاظ على البيئة. كان الحديث عن الغربة، والحياة فيها، وتشجيع الحياة في الوطن، تأكيدا على أهميّة الانتماء للوطن، مهما صعبت الحياة به، وأنّ الغربة شتات وضياع، وفقدان للهويّة. لقد تطرّقت الرّسائل إِلى النّاحية السّياسيّة بشكل غير مباشر، أي من خلال التّشبيه الضّمني، دون أن يذكر المشبّه ولا المشبّه به:” وَسَأطْلبُ منَ اللبؤاتِ والأسودِ أنْ تَتوقَّفَ عن افتراسِ الثِّيران؛ مَعَ أنَّ للثِّيرانِ قُرونًا لوْ عَرفتْ كيفَ تَستخدمُها لَمَا تَجرَّأتْ عَليها الأسودُ واللبؤات.” في هذه الصّورة البلاغيّة نرى كيف وصفت الثّيران بقوّتها إِذ يمكنها هزم الأسود بقرونها؛ شرط أن تعرف كيف تستخدمها؛ تماما مثل الدّول العربيّة، حيث يمكنها التّغلّب على أقوى دول العالم إِذا عرفت كيف تستغلّ قوّتها العظيمة. الصّور البلاغيّة الجميلة في النّصوص تضيف لليافع قدرة على الادراك والتّحليل، واستخدام الرّموز. إِنّ وجود الأحلام المرعبة في النّصوص، الّتي كانت تتكرّر عند يزيد؛ حيث كان يتوه عن بيته، ولا يجده الا في نهاية الحلم؛ فإِنّه يعبّر عن نفسيّة الفتيان في الوطن المحتلّ المهدّدين باقتلاعهم من وطنهم، كما اقتلع آخرون من قبلهم قبل حوالي سبعين عاما؛ فهو مهدّد بعدم الرّاحة، والاستقرار. والأحلام كانت انعكاسا للواقع المعيشي اليومي الّذي يعيشه الفتى يزيد في مدينة القدس تحت ظلّ احتلال ظالم. في صفحة 72 كان الرّد على سؤال:” هذه القضيّة؛ هل نراها كما يراها الآخرون؟ وكَما تُدركها حواسُّنا أم كما يدركُها عقلُنا! ” كان الجواب”برأيي؛ ما يَحدثُ الآن من خلافاتٍ واختلافات ما هي إلا اختلافاتٌ بينَ العقل والحواس. العقلانيُّون بالغوا في دوْر العقل، بينما بالغَ التجريبيُّون في الوقوف عندَ تجاربِهم الحسِّيَّة. مثال: لَديك نظَّارةٌ لونُها أسودُ وأُخرى…”أرى بأنّ هذا الجواب لم يعط السّؤال حقّه؛ لأنّ السّؤال كان يستوضح عن القضيّة الفلسطينيّة بالذّات، وليس عن اختلاف وجهات النّظر بشكل عام، حيث يراه كل شخص حسب لون نظّارته- كما ذكر- ؛ والقضيّة ليست اختلافا بين العقل والإِحساس، وليست وجهات نظر. بالنسبة للمعلومة: الحجر الذي وجد في فينا عام 1936م حيث وجدوا عليه رسومات لأناس بحضارة جديدة مثل حضارتنا اليوم، قبل حوالي 15 ألف سنة”كنت اُحبّذ أن يكون توضّيحا لهذه المعلومة وغيرها في الهوامش، وأن توثّق مصادرها؛ لأنّه يصعب علينا تصديقها، ولا نريد تمويه القارئ ما بين الحقيقة والخيال. في صفحة 72 جاء بيت الشّعر كمثال على اختلاف وجهات النّظر: ذو العقلِ يَشقى في النعيم بعقلِه/ وأخو الجَهالةِ في الشقَاوةِ يَنعمُ.” أرى بأنّ هذ البيت من الشّعر غير موفّق كمثال على اختلاف وجهات النّظر؛ بل الاختلاف في التّفكير ما بين العاقل والجاهل. كان بإِمكان الكاتبين خلق عنصر للتّشويق، من خلال ايجاد فكرة مشتركة بينهما تربط كلّ الرّسائل ببعضها؛ لأنّ الفتى اليافع يتشجّع على القراءة من خلال التّشويق.
وكتبت رائدة أبو الصوي:
الكتاب موجه للشباب والصبايا ، لكن حسب وجهة نظري الكتاب قيم للجميع فيه تاريخ وجغرافيا، علم نفس، علم اجتماع إلخ من العلوم الحياتية المختلفة . الكتاب تعليمي، تثقيفي، وحدوي، تراثي، فلسفي ،حوار ممتع جدا . يزيد هذا الشاب المثقف جدا ابن القدس جوهرة البلاد المقدسة ومركز الصراع، ونجلاء الفتاة الواعية الذكية قوية الشخصية بنت جبل النار. بداية اللقاء في أريحا مدينة القمر بداية مثيرة . بلادنا متميزة بالعراقة والأصالة ،مهبط الديانات السماوية الثلاث . وطني فلسطين . يتكون من 6 أحرف، والقدس 5 أحرف ما أجمل هالبداية! لعبة ال 7حجار رمز للصمود والأمل ،جميل جدا الإشارة الى هذه اللعبة بالذات. لها ما وراءها وفلسفتها.
وكتبت سامية ياسين شاهين:
الرسائل دارت على لسان شخصيتين يزيد ونجلاء اسمان تقمّصهما الكاتبان. الحديث والحوار يدور حول مدينتي نابلس والقدس والتبحر في مدينة أريحا أقدم مدينة في العالم. بحوار قالت… قلت في بداية كل رسالة وهذا يحسب مأخذا، حبذا لو بدأ الحديث مباشرة. كيف يمكن ان تكون جميع المدن اسما واحدا هو فلسطين وهنا بدأ الابحار في معالم وحياة وعادات كل مدينة بسؤال ليشوق القارئ، ليوصله إلى تجذير المعالم الفلسطينية، والتشبث بالارض، وهذا من أجمل الأساليب السردية، اللغة جذابة وبليغة كان الطقس ربيعا يخلب الألباب ولصباح ذهب السماء. التراث جزء من تاريخ الفلسطينين. عائلة فخر الدين أبو منخار، أنف جده الطويل، تكرار أكثر من حدث على نفس الفكرة مملّ وهذا ليس لصالح الكاتب. اليمام يتكلم، كل حدث يحيك خيوطا من الخيال البراق ويسترسل في المعنى ليضفي جمالية على الرواية وترميزا الى واقع فلسطين المحتلة والمهجر. والنزوح والغربة، لطيران في الحلم ورمزية الأسود تأكل الأرانب دلالة على الزعامات المتواطئة. اطلاق أسماء على نابلس دمشق الصغرى بلاد الأدباء والعلماء وجبل النار لصد الغزاة. في زمن الرومان كان اسمها نيوبلس المدينة الجديدة، وحرفت لنابلس وفيها ثلاث ديانات سماوية تعنى بتآخي وسلام الحياة السومرية إسلامية مسيحية. العودة الى الحديث عن عادات وتقاليد الأفراح والحياة الاجتماعية ليدل على البساطة والألفة، ومع مرور الوقت بدأ يتلاشى الزي الفلسطيني في المدن. أمّا في القدس فيعيد يزيد ذكرى العادات لنجلاء ما زالت الطبول تقرع قلوب الفتيات بالفرح وتتراقص أجسادهن على نغمات الموسيقى.