نعمان شحرور في رحيلك تفقد الثقافة نجمها المضيء
بقلم: محمد علوش
قبل أيام كنا مع لحظة فارقة وحزينة، في حالة موجوعة برحيل الصديق الأستاذ والمثقف الموسوعي نعمان شحرور، الذي ظل على الدوام وفياً للثقافة التاريخية التي حملها في عقله وفي قلبه بإخلاص لا مثيل له.
عرفنا الأستاذ نعمان شحرور أستاذاً ومحاضراً مميزاً، يبحر عميقاً في كتب التاريخ القديم والحديث ، فما من مسألة أو محطة أو ذكرى أو منعطف تاريخي الا وله فيه صولات وجولات ، فلم أشهد ولم أعايش في حياتي أستاذاً بمثل هذا الالمام والاهتمام بمادة التاريخ .
خلال السنوات الماضية رافقت صديقي الراحل في مسيرة ثقافية مميزة، فكنا ننظم لقاءًا أسبوعياً يحضره العشرات من المهتمين والمثقفين، وكانت ندوات الأستاذ نعمان شحرور الأسبوعية شديدة التأثير على كل من يشارك فيها، فكان كل من يشارك يأتي متهيباً متحفراً وجاهزاً للإصغاء التام لكل كلمة أو همسة يمكن أن يقدمها المؤرخ الضيف.
كان مشاركاً فاعلاً في الحياة الفكرية والثقافية وفي النشاطات الوطنية العامة دون أي تعصب حزبي، فكان انتماءه لفلسطين الأرض والشعب والهوية ، وصديقاً ورفيقاً مخلصاً لكل الوطنيين والديمقراطيين والتقدميين التنويريين .
كنا نلتقي أسبوعياً في مكاتب جبهة النضال بطولكرم ، ويلتف حوله الرفاق والأصدقاء وكان سعيداً جداً بأن يجد مشروعاً ثقافياً واعداً يمكن أن تكون له أهدافه وتطلعاته ومخرجاته إذا استثمر في اطاره الصحيح، ولطالما أسهم معنا في التحضير للفعاليات الثقافية والندوات الفكرية والتاريخية ، وفي طرح القضايا الجدلية والعميقة ، فكان محاوراً لبقاً وجريئاً ، لا يعرف المساومة على الحقيقة التاريخية .
وخلال السنوات السابقة عقدنا أكثر من أربعة وخمسون ندوة ثقافية، كان الاستاذ نعمان شحرور نجمها المضيء بوعيه الانساني والقومي والوطني وبذخيرته المعلوماتية التي تشبه ” ذاكرة جوجل”.
فكم سنفتقدك يا صديقي البهي .
ان رحيل الاصدقاء الاستثنائيين يترك فراغاً عميقاً في قلوبنا وفي حياتنا التي تزداد فيها عوامل القهر والفجيعة يوماً بعد يوم ، ودائماً كان الأستاذ نعمان مسكوناً بالأمل ويعيش اللحظة التاريخية ، ويؤمن بأن الغد سيكون أجمل .. فمن أين أتيت بكل هذا التفاؤل يا صديقي .
ليس من السهل أن نتعود مثل هذا الغياب ، فقد عشنا خلال العامين الماضيين بمسلسل تراجيدي كبير، حفل بخسارات جسيمة من ثلة طليعية من الأصدقاء الرحلين – الباقين فينا وفي قلوبنا وفي ضمائرنا .
لن نتعود بعد على غيابك ، فأنت معنا يومياً في كل لحظة من لحظات هذه الأسئلة والتأملات الوجودية والوجدانية والمشاعرية، وستبقى فينا لسنوات طويلة، ننهل من ذكريات عطرة حفرت في ذاكرة كل واحد فينا، كونك تركت بصمة مضيئة ، وتركت ارثاً غنياً من ثقافتك ومن بساتين أرضك الخصبة بالعطاء والجمال والتواضع والصدق والمبدئية .
كل الصفات الجميلة كانت فيك، فكنت بالنسبة لي، مثل أبي تماماً الذي عزيتني فيه ، وكنت أستاذي الذي أعيش معه أصدق الحالات ، وكنت صديقي الوفيّ المخلص الحريص .
كنت داعماً ومشجعاً وقارئاً وكاتباً وناقداً ومؤرخاً وباحثاً متأملاً، وكنا معك دائماً في ملكوت الحكمة التي تتجلى فيك قولاً وفعلاً .
أعاهدك أن أواصل المشوار، وأن يبقى اسمك (نعمان شحرور) خالداً فينا، وأن نستمر بمشروعك الذي لم يكتمل بمواصلة الاشتباك الثقافي ومجابهة رواية الآخر – النقيض المزعومة ورفع راية الحرية والعقلانية الحضارية والتقدم عالية .