المَوتُ ….. حياةٌ فلا تحزنوا
د. سبأ جرار | فلسطين
لتُدركوا معنى الحياة، زوروا المقابر، وسكِّنوا الحزن في نفوسكم وهبطوه لتحولوه الى فرح، وتلمسوا الحجارة لتصلكم بأحبة لم يعودوا متعبين، بل ساجدين كحالنا، عندما نرفع رؤوسنا كل يوم بعد الصلاة لنقول يارب…
منذ أيام، وأنا أبحث عن طريقةٍ لأِعَبِرَ فيها بالكلمات عن ذلك الشعور الناضج المتوازن الذي إستشعرته في زيارات متتالية لمقابر عدة، لأن الراحلين ْكُثْرْ، حيث كُتِبَ لهم نصيب تعدد المراقد وتعددت الأماكن..، فلم أجد سبيلا سوى الاسترسال بفرح المتيقن أن أحبتي حيث هم، مؤمنة بحكمة الله لهم، آمنين حيث هم، وأنهم حيث إشتياقي للتواجد .
تدخلُ من بوابة النور لأي مقبرة لتبحث عن مراقدهم، حيث استقرت الأجساد بعد صعود الأرواح إلى السماء، لتقف منبهراً ،فهناك نفق النور الممتد من كل مرقد أصوله الجسد المتحلل،ونهايته ذائبة في سر السماء ونورها،.. نفقٌ تفيض من ثناياه صورٌ وذكرياتٌ لنا معهم،وترافق الذكرى آلام ٌ ودموع بدأت منذ رحيلهم المفاجئ،علماً أن سر الموت ورحمته ربما أنه ياتي مفاجئ يأخذك الحنين لحظات لتتسمر بين أحرف ياسين والفاتحةِّ، وتُغّرِقَ الشفاه بدموع ستتوقف بعد الخروج والوداع، وتتحول لسؤال وحيرة وتَظَلُّمْ لله الواحد القهار… لماذا ؟؟ وتبدأ بطرح المعايير وكأنك مخول بطرحها… كان صغيراً !! كانت حنونة !! كان عريسا !! كانت الام وكل شئ !! وكان وكانت …..
ثم يلقي أحدهم التحية عليك ويقول:- الله يرحمهم، فتجيب يرحم أمواتك،وكأنك تذكره أنت مثلي،فلا داعي لأن تشاركني الحزن،بل اكتفي بألمك،كل ذلك والنفقُ ينتظر منك أن تعود وتبصر ما غفلت عنه،ويستدرجك الايمان وتتوقف عن الاسئلة والَتَظَلُّمْ والترحم… فتنظر لأعلى لتتابع، فتلمحَ دعوةً للعودةِ والجلوسِ حيث الأجساد اختلطت بالتراب الذي ينتظرك انت أيضا…
أنا بالأمس استدعاني النفق، وكانت الرسالة عبر انهمار ألمطر لأن المطر عندي حبٌ وعشقٌ وشوقٌ لأحبةٍ غادروا، فلبيت النداء وذهبت نحو النفق،وجلست حيث المرقد ونظرت حيث السماء اختلطت بنور الأنفاق المتجهة اليها، ولأن المقابر لا تفرق، ولأن الأجساد لا تَتَرَفّعُ عن المجاورة،فقد اختلطت أنفاق الشهداء بأنفاق أحبتي،فلم أعد اركز أي نفقٍ أنا فيه هائمة، وهنا بدأت الصورة …. انبعثت رائحة الأرض بسبب ألمطر، فأدركت مغزى تحلل الأجساد المرهقة وهي تتحول لذرات من منابت لكل من خلقه الله..
وفهمت ان ذهب الأرض هو تلك العظام المتحللة والتي انبتت حَيَوَاتْ ^جديدة،إحتار الخلقُ في فهم إعجاز الخالق لها …. .وتتبعت اشعاعات هذا التحلل لأراه نوراً ينتهي بأرواح تحلقت كفتحة من السماء فانبعث ضوئها ومِسْكُهَا ، تنظر لنا بعين الله وتتابع دنيانا متلهفة للقائنا، وسمعت تهاليل تدعوا لنا بالصلاح ، فتوقفت لحظاتها عن الدعاء لهم، وأصبحت أدعوا أ،ن يدعوا لنا،ويرضوا عنا،ويقبلوا صدقاتنا وتراحمنا،ونتوسلهم أن يستعجلوا لنا بأنفاق من نور، ولكن دون حزن ودون تأخير في الفهم .. و أن تكون أنفاق شهداء وأحبة في الإيمان .
من هنا، فهمتُ ذلك النور في آخر نهاية البداية لأنفاق مع السماء ….ترحل الأرواح مطمئنة على الأجساد في التراب ومحلقة حيث الانتظار….لحياة لن تكون كحياتنا بل هي الحياة الحياة…فزوروا المقابر لتنعموا بانفاق تنتظر تراحمكم .