بؤس الثقافة العربية
بقلم: عدنان الصباح
اللوحات الكلاسيكية (إدوارد لامسون هنري) 1841
الثقافة باختصار هي تجليات المعارف والخبرات وتراكمها وتحولها لفعل من خلال السلوك الانساني وانتاجيته في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية أي انها السلوك الانساني حين يتحول الى فعل وبدون ذلك فإنها أي المعارف والخبرات ” الثقافة ” تبقى حبر على ورق لا معنى لوجودها واذا لم يتمكن الانسان من تطوير قدراته وسلوكياته بما يتناسب مع تطور معارفه وخبراته فان هذه المعارف والخبرات لا معنى لها ولا لوجودها سوى كقلادة من الذهب على صدر حمار.
كثيرون قدموا تعريفات للثقافة ومنهم ” تايلور (Taylor) الذي يقول ان الثقافة هي ” نظام متكامل يشتمل على كلٍّ من المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع ” ولكنه لا يربط بينها وبين سلوك من اكتسبها والا فما قيمة المعرفة ومسميات الوعي بسائر تجلياته ان لم تتحول الى سلوك وفعل على الارض وفي مناحي الحياة واذا استطاع انسان ما جمع وادرك كل ما ذكر تايور وخبئه في الكتب فقط فهو لن يكون اكثر من ” حمار يحمل اسفاره “, اما مالينوفسكي (Malinowski)فيعرف الثقافة على انها ” وسيلة تحسّن من وضع الإنسان، حيث يستطيع مواكبة التغيُّرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية ” ونسي مالينوفسكي ان الوصول الى تلبية الحاجات الاساسية يحتاج بذاته لأدوات الثقافة فالخبز حاجة اساسية وهو مصنوع لكن فعل الصنع وادواته وبناءها وتحضيرها وشكل الرغيف ومكوناته هي ثقافة تحولت الى رغيف خبز, كلايد كلوكهون (Clyde Kluckhohn) فاعتبر الثقافة ” إرث اجتماعي وصل إلى الأفراد من المجتمع الذي ينتمون إليه، والذي خلّف أساليب حياة الشعوب التي عاشت في ظلّ ذلك المجتمع، بمعنىً آخر هي المعلومات التي خزنها الشخص في كتبه، أو حتى في ذاكرته. ” وقد نسي دور المجتمع الذي تسلم هذا الارث وافترض ان عليه فقط القيام بدور الخازن لا اكثر.
في تعريف لمكونات الثقافة فقد اتفق الجميع تقريبا ” على انها ثقافة مادية وهي التقنيات والاتصالات والنقل وما له تأثير مادي ملموس على الارض والثقافة غير المادية كالدين واللغة والعادات والتقاليد والآداب والفنون وهي صاحبة التأثير على السلوك الانساني والوعي, وقد جعلوا من الدين مكون اساسي من مكونات الثقافة وعند العرب تحديدا بل انهم اسموا ثقافتهم بالثقافة العربية الاسلامية وبمعنى الغاء الفوارق بين الاسلام والعروبة دون ان يدروا انهم بذلك يستبعدون مكون مهم من ثقافة العرب وهي المسيحية وحتى اليهودية ومن قبل الاديان الوثنية ولان العرب عجزوا عن تطوير ثقافة عصرية لجأوا للإسلام ومكوناته للخروج من ازمتهم دون ان يخرجوا من ذواتهم عمليا, فهم أي العرب تزينوا بالإسلام كمظهر وظلوا على حالهم كجوهر فالإسلام مثلا ينبذ العصبية والقبلية والعشائرية بل ويصفها بانها ” منتنة ” وهو ابشع وصف ممكن ومع ذلك فان العرب ومنذ الامويين لم يغادروا عصبيتهم وقبليتهم وعشائريتهم ولذلك فيما عدا دولة الراشدين تحولت الدولة الاسلامية الى دولة القبيلة او العشيرة او الجماعة من الامويين الى العباسيين ثم تابع بلا كلل حتى الانتهاء بدولة ال عثمان ” العثمانيين ” وهذا يعني ان العرب لم يحولوا ايمانهم بأهم مكونات ثقافتهم ولغتهم وهو الدين الاسلامي الى سلوك بل عارضوه بلا خجل ولم يعتبروا ذلك خروجا عن النص المقدس بينما اعتبروا انتهاك نظام الارث كفر وعدم التزام المرأة باللباس الشرعي ” حسب رايهم ” كفر وصار قتال الطوائف ايمان وحكومات القبائل دول اسلامية واذا تجرأ أحد وقال ان الله لم يصرح بالزواج من اربعة فهناك شروط وضوابط لذلك انبرى كل اصحاب الفتاوي لاتهامه بالإلحاد.
ان الثقافة التي لا تتجلى في سلوك اصحابها هي ثقافة عاقر لا وجود لها على الارض وهي ثقافة غائبة أيا كانت تجلياتها النظرية فان لم تصبح القبلية النتنة في القرآن نتنة ومنبوذة وموؤده في سلوك المؤمنين بالقرآن فلا فائدة من ايمانهم وهكذا في الفن والادب فلا يكفي ان تنتج الف شاعر عظماء ان لم ينعكس جمال وعظمة شعرهم على سلوك اهلهم ولا معنى لعظمة الفن التشكيلي ان لم يساهم في جمال حياة اهله واذا رددنا الف مرة ان النظافة من الايمان دون نظافة غلا يجوز الابقاء على كلمة الايمان وحدها بعد ذلك, كما ان التغني بالقول ان المسلم لا يكذب ثم نواصل الكذب فكيف من حق من يكذب أن يدعي بعد ذلك انه مسلم.
مرة اخرى الثقافة سلوك يؤدي الى ثقافة ارقى تؤدي بدورها الى سلوك ارقى اما التغني بالثقافة نظريا وتزيين واجهات الجدران بآيات القران او اجمل الشعر او اجمل اللوحات الفنية والابقاء على نظام القبيلة قائما في الامر الواقع وفعله فهو حال لا يمكن وصفه باقل من انفصام الشخصية العربية بين ما تعتقد وما تمارس لنصل الى نتيجة ان حقيقة حالها يقول انها تعتقد ما تمارس بالفعل لأنها لا تمارس ما تعتقد بالقول وهو ما يمكن وصفه ببؤس هذه الثقافة واصحابها مهما كان التغني رائعا ومنمقا وقادرا على استخدام لغة الله سبحانه او رسائله ولا حتى جزالة وفخامة الكلمات والمصطلحات الت تتحدث عن عظمة ورفعة العروبة وفكرها وثقافتها في زمن نرى فيه العرب في اخر الركب ملحقين ولاهثين خلف غيرهم في الواقع مع انهم يمارسون كل اصناف الشتم واللعنة ضد غيرهم من الامم فأمريكا تقودهم طائعين ويلعنونها في السر والعلن وكذا سائر الدول الامبريالية وللأسف بما في ذلك اسرائيل في الايام الحاضرة فبعض العرب يلعنون ايران الاسلامية لاختلافها الطائفي عنهم شكلا وحقيقة لأنها عدوة الامبريالية وحلفائها ويمدحون دولة الاحتلال الصهيوني لأنها حليفة سادتهم الإمبرياليتين وعديد المبدعين العرب يلعنون الامبريالية ويذهبون طواعية اليها لتقديم خدماتهم بما في ذلك في مجالات الامن والجيش ومع ذلك ترانا نغني لانتصارات أي عربي حقق انجازا هناك لصالح الاعداء وايضا بلا خجل دون ان نحاول الادراك ان من غادر بلاده لخدمة اعداءه لا يستحق التصفيق الا في حالة واحدة اذا اعتبرنا الارض دولة واحدة والبشر امة واحدة.