قراءة في الموقف السوري تجاه تواصل الاعتداءات الاسرائيلية
عصري فياض
لوحة: بيف جوزوياك، 1953
عمليا،وفعليا،ضربت الجمهورية العربية السورية خلال السنوات السبع الدامية الماضية مثالا تطبيقيا على السياسات والمواقف التي كانت وما زالت تترد على لسان مسؤوليها تجاه مواقفها الثابتة والراسخة تجاه قضية العرب الاولى وهي القضية ألفلسطينية،وقضية الجولان الجزء الذي ما زال المحتل من أرضها، والذي يرفض الاحتلال “الاسرائيلي ” حاليا التفاوض عليه،خاصة بعدما أقرت لهم الادارة الامريكية السابقة بقيادة ترامب أحقية السيطرة عليها ، والاعتراف به أي الجولان كجزء من دولة ” اسرائيل”، وموقفهم الثابت ايضا في القضايا العربية ،وهذا التطابق بين النظرية والتطبيق، كان شاقا جدا،وهائلا لجهة دفع الثمن،وعميقا في البعد النموذجي المعاكس لواقع العالم الذي يتغير كل حين تقريبا حسب مصالحة الاخطار التي تحيط به، لكن القيادة السورية، والشعب السوري بمجمله،جَسّدَ نموذجا فريدا في دفع الحرب الكونية عنه بالصمود والمقاومة والتحالف وبالحكنة السياسية،وتمكن من اعادة بسط سيادة على معظم أرضه،بعد سيطرة تنظيمات مدعومة بكل صور الدعم،من دول وازنة في العالم عسكريا واقتصاديا،وعصابات إرهابية ومرتزقة من كثير من دول العالم،وهي تتجه الان لإكمال استعادتها لكامل التراب السوري لتزف للشعب السوري والعربي وكل احرار العالم والحلفاء هذا الامر باعتباره أكبر تطبيق على المباديء والمواقف في التاريخ الحديث برغم مناخات التغير وعدم الاستقرار في ألعالم، بل وباعتقادي ستقدم به نموذجا سيكون سباقا لحل الازمات الداخلية،ببناء اسس نظام سياسي متطور،يضمن حالة الاستقرار والتعبير عن الرأي مع الحفاظ على الثوابت لمبادئ وتطلعات هذا الشعب الحي الذي يعتبر جزء أصيل من الشعوب العربية والإسلامية الاصيلة. ويعطي الجواب الامثل لكل موجات الربيع الموجهة والمنحرفة، وينهي الجدل بين اتباع ربيع التغيير ومدينيه.
هذا تشخيص مختصر من وجهة نظري للحالة العامة في سوريا الان وفي المستقبل، أما في القضية الثابتة والتي تعتبر هي اساس التي قامت عليه الحرب الكونية تجاه سوريا،وهي قضية الصراع العربي ” الاسرائيلي” الذي لم يتوقف منذ قبيل إنشاء دولة ” اسرائيل”، والذي شهد خلال سنواته الماضية تجليات واضحة في تواصل اعتداءات الطيران “الاسرائيلي” على مواقع وامكان في العمق السوري بحجة التواجد الايراني المتحالف و الداعم للشعب والقيادة السورية ضد قوى الارهاب والظلام، والذي إشتد خلال السنوات الماضية مستغلا انشغال الجيش العربي السوري في قتال المجموعات الارهابية وتحرير الارض السورية منها، والتي كان الرد السوري عليها جزءا من سياسة الصبر الاستراتيجي المعتمد عمليا في محور المقاومة التي تعتبر سوريا جزءا منه،فقد اعتاد الجميع على سماع عبارة ” سنرد في المكان والزمان ألمناسبين” فكان البعض وهم قلة يتفهم ذلك، بينما إنبرى الاخرون من اعداء ذلك النظام للتهكم والسخرية من ذلك الموقف،بإعتباره حسب وجهة نظرهم ضعف واستكانة وعجز، أما ما حدث ويحدث الان ومنذ تقريبا ثلاثة أشهر تقريبا،فقد سجل الموقف السوري وحلفاءه تقدما في تطور الرد العملي ضد هذه الغارات والاعتداءات بطرقة عملية حتى لو كانت بطريقة الخطوة خطوة، وقد تمثل هذا التطور بثلاثة مؤشرات مهمة واستراتيجية وهي :-
· أولا :- إدخال روسيا حليفة سوريا في ازمتها ومحنتها، والتي كان لوجودها معها في الميدان الاثر في تحقيق الانتصارات على الارض وصد جزء كبير من المخطط الذي رسمته لها الدول الغربية وعلى رأسها الويلات المتحدة والدول الغربية،إدخالها لمنظومات متطورة من الدفاعات الجوية،منها منظومة (بوك ام 2 ) التي تم تفعليها ضد الطيران الاسرائيلي المغير من فوق الاراضي المحتلة في الجولان وسماء الاراضي اللبنانية او من جهة البحر ،بالإضافة لتزويد سوريا بالصواريخ الاستراتيجية أس 300، والتي تنتظر التفعيل في أي وقت، مما ادى عمليا لإدخال الحذر الشديد من قبل الطيران الاسرائيلي المعتدي في توجيه الضربات، وكما أدى ايضا الى تدمير معظم الصواريخ التي تنطلق من تلك الطائرات فلا تنزل على الارض ولا تصيب اهدافها وبالتالي، تفقد هذه العمليات الاعتدائية كثيرا من تحقيق اهدافها.
· الامر الثاني: استخدام سوريا لصواريخ ثقيلة وطويلة المدى في اكثر من مرة ضد تلك الطائرات، وانزلاق بعض هذه الصواريخ مرة الى غور الاردن ومرة ثانية قرب ديمونا والمرة الثالثة في بحر يافا،دفع قيادة الجيش “الإسرائيلي” لتغير مكان شن ألضربات باتجاه طريق آخرى، وهذه المرة الدخول في فوق شمال الاراضي الاردنية ومن ثمة الاحتماء والتوغل من جهة القاعدة الامريكية في منطقة التنف الواقعة عند نقطة تلاقي الاراضي الاردنية والعراقية والسورية،وتوجه ضربات لمنطقة تدمر وشرق حمص.
· الامر الثالث ما قامت به على الاغلب ” غرفة عمليات حلفاء سوريا ” والمكونة من قوى حليفة مع ايران تقاتل الى جانب الجيش السوري في توجيه ضربة لمعسكر التنف الامريكي قبل ايام ، والذي كان في الضربتين الاسرائيليتين الأخيرتين، جسر عبور للطيران الاسرائيلي مكنه من اعطاء الغطاء وتشويش على الرادارات والتوغل في من تلك الزاوية وضرب اهداف قرب تدمر وشرق حمص، هذا التقدم مفاده ان اغلاق الطرق على الطيران الاسرائيلي متواصل ومستمر وانه لا يوجد هناك خطوط حمراء على ذلك ولو كان الامر يتعلق بالتواجد الامريكي لان الهدف الاستراتيجي هو منع وافشال هذه الاعتداءات بكل الوسائل والسبل المشروعة.
إن تلك المؤشرات وبهذا الزمن القصير نسبيا من الزمن، ليس روتينيا ولا اعتياديا، بل هو قرار استراتيجي يطبق على الارض بقوة وتصاعد، وأن القيادة السورية والحلفاء خاصة محور المقاومة وإيران من خلفه بقيادة ابراهيم رئيسي قد قرروا كسر المعادلة،وتغير قواعد الاشتباك،والتقدم في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية مهما كلف الثمن وبلغت الامور، فبقاء تلقي الضربات دون رد لم يعد مقبولا على الجميع في المحور، وأن على الولايات المتحدة لجم اسرائيل واجبارها على التوقف عن استهداف الاراضي السورية والا فالتذهب الامور الى ما ستذهب اليه.