الخروج بالملابس الداخلية.. قصص قصيرة

بقلم: ميرفت نبيـل | مصر

اللوحة: أرتميس إلهة الصيد – بيركلي شو 1992

 (1)

” الخروج بالملابس الداخلية “

تقدم لخطبتي أحدهم.. فتى مِن أسرة جيدة ومعروفة، هو طيب    ولطيف، وكان يرتدي على الموضة أحَدَ البناطيل الساقطة حتى أن لباسه الداخلي كان ظاهرًا واضحًا… فترددتُ وسألت نفسي : هل أتزوج بمن يخرج بالملابس الداخلية .. أقصد الظاهرة ؟!

أَمْ أنه أصبح مِن الرسمي أن تخرج بملابسَ خارجيةٍ قد تظهر منها الملابس الداخلية وكأنه أمرٌ عادي …

أَمْ أنه زمن الخروجِ بالملابس الداخلية !!

 (2)

” صدر رشـــــــــا ”

تتمتع رشا بجسدٍ رشيقٍ ورائع ، لكن أكثر مايميزها هي دقة خصرها وسِعَةُ صدرها !

لكنها تشعر دائما أن صدرها الممتلئ هو محط الأنظار ، فهاهي صديقتها علياء تحسدها عليه و “علي” ابن الجيران يراقبها دائما وهي ترتدي البادي حين تنشر الغسيل ، فقررت أن تحافظ عليه ولا تعطيه لأي أحد .

قررت أن تختار سيد الرجال الذي يُقدِّر مثل هذا الجمال وسعة الصدر!

إلى أن تزوجت “أحمد” ؛ شاب فحل ضخم الهيئة .. تزوجته على عُجالة وهي تحلم باليوم الذي يجمعهما معًا لتتفاخر بجمالها الأخاذ .. ثم جاءت اللحظة التي انتظرتها طيلة عمرها لتجد أنه إنسانٌ فظٌ صَعبُ المِراس ، يتعامل معها على أنها قطعة أثاث ، حتى أنه لَمْ يُبدِ إعجابًا بجمالها الأخَّاذِ وسِعة صدرها .. فاحتضنتهُ وتعاملَتْ !

 (3)

” أنا وأوبر ونور “

أنا الفقيرة إلى الله “ميرفت” .. وإليكم قصتي القصيرة في هذه الحياة ..

فأنا أعمل مهندسة في إحدى الشركات، ونظرًا لطبيعة وظيفتي فإني أستيقظ في الخامسة لصلاة الفجر علَّ الله أن يفرِّجَ عني .

ثم أرتدي ملابسي وأوقظ صغيرتي لأقوم بمساعدتها في ارتداء ملابسها ؛ فإنها تكون في هذا الوقت بين اليقظة والنوم ، وذلك نظرًا لِما تُعانيهِ في يومها الشاق المُضني في المدرسة ثم واجباتها المنزلية الكثيرة ، وهو مجهودٌ رهيبٌ عليها أن تبذله وأن تتحمله يوميًا .

آخذها بعد ذلك لتستعد لركوب أوبر حيث يقوم بإيصالها للمدرسة ثم إيصالي إلى عملي ، وقليلاً ماأكون موفقةً في الركوب معه صباحًا لأنه قد يتعامل بكسلٍ شديدٍ ولايريد أن يستمع إليَّ إذا مااتصلتُ به لأشرح له أين مكاني بالتحديد وذلك لكسب الوقت ، لكنه غالبًا مايعتمد على G.P.S في معرفة مكاني بطريقة أفضل مني !

ثم إذا انقطع الاتصال فإنه لايتصل حتى تمر الخمس دقائق المحددة له لانتظاري ، وقد يتعمد في بعض الأحيان أن يأتي قريبًا مِن النقطة التي أنتظر فيها فلا أراه وذلك حتى يحصل على عشرةِ جنيهاتٍ حقيرةٍ ويذهب إلى حال سبيله مُدَّعيًا أني لَمْ أحضر ، ونادرًا ما أكون موفقةً معه ، فيجب أن نتشاجر على كيفية الوصول فهو في الأغلب يكون شخصًا اعتياديًا يحاول أن يعتمد على G.P.S فقط لاغير ثم أصِلُ إلى عملي ، لكن في ذلك اليوم بالذات كانت ابنتي مريضة جدًا واضطررتُ على غير العادة لاصطحابها معي في العمل .. وفي العمل وجدت ابنتي قد نامت على الكرسي من التعب فحزنت لذلك ثم أخذتها وتعمدت عدم المرور على الأمن حتى لاأحدِث بلبلةً بسبب اصطحابها فقد أجبرني ذلك على عدم التوقيع في المكان المخصص لذلك ، ونظرًا لإصابتي بخشونةٍ في الركبة فإنه من الصعب عليَّ أن أصعدَ مرةً أخرى لدور الميزانية للبصمة واعتمدت على بصمتي صباحًا لإثبات حضوري ..

ثم ذهبت بابنتي إلى المنزل وبعد وقتٍ قصيرٍ حادَثَني مُحاميَّ على الهاتف بشأن الدعاوى التي سأرفعُها على طليقي للحصول على حقوق ابنتي مِن مأكل وملبسٍ وغير ذلك ، ومِن خلال حديثي معه تشككتُ فيما قاله بشأن رفع رسوم القضايا بالنسبة لي كمطلقة ووجدتها باهظة الثمن ؛ فقررت عدم رفع أيِّ قضايا . ثم اكتشفتُ بعد ذلك سرقة مبلغ مالي مِن حقيبتي فلم أجِد جُنيهًا واحدًا في حقيبتي واكتشفت أن ابنة البواب هي مَن سرقَتني أثناء قيامها بالتنظيف ، لم أواجهها واحتسبت ذلك عند الله لأنني أعلم أنها تساعد الجيران ولن يستغنوا عنها مقابل الاستماع إلى شكواي فآثَرتُ السلامة لأنها ستعاقبني حتمًا بعدم إلقاء القمامة في الصندوق المخصص لذلك ، ثم أخذت ابنتي المريضة في حضني ولَم أكن أملك مِن الصحة أو المال مايكفي لأن أذهب بها إلى الطبيب فأنا في آخر الشهر ومرتبي لايحتمل أي خصومات وما عليَّ مِن التزامات أخرى التزمت بها نظير شراء أثاث البيت وأجهزة كاملة كبديلٍ لما أخذهُ طليقي .. فقد أخذ كل ما أملك نظير الطلاق .. اضطررت للاتصال بالطبيب ليجد لها علاجًا وكان عليَّ أن أتحمل سخافاته معاكساته التي تصل إلى حد التحرُّش غير المُعلَن فلا طبيب يريد الرد فمعظمهم يعتبرها مهنة مادية بالأساس وليست إنسانية .

ثم قمت باستدعاء ابنة البواب بالرغم مِن سرقتها لي علنًا لأني أعتمد عليها ولا أستطيع لِمَرضي بالضغط وخشونة الركبة أن أستخدم هذا السلم الطويل لأشتري الطعام لابنتي المريضة ؛ فهي تأكل أصنافًا معينة مِن الطعام في مرضها ، وطلبت منها حاجياتي ، ثم أني لَم أذهب إلى العمل في اليوم التالي ليُخصَمَ لي يومينِ مِن إجازاتي ، اليوم الذي لَم أقم فيه بالبصمة آخر النهار ، ويوم آخر حتى لَم يتبقى لي أنا شخصيًا أجازات لراحتي الشخصية ، حتى أني ليس لي أي إجازة حتى لو مرضية إذا مرضت أنا شخصيًا نظرًا لأن طبيب العيادة يضطهدني لعدم استجابتي للمعاكسات منه !

وكانت تلك هي القشة التي قسمت ظهر البعير ، وبكيت وأنا أحتضن ابنتي التي ذهبت في سبات عميق لأجد هاتفي يرن بكثرة فقمت بالرد لأجد طنط سمية تطلب مني أن أشتري لها كارت بعشرة جنيهات لتقوم بشحنه لأن ابنها الدبلوماسي وائل منشغل بالعَشاء!

(4)

” كــــــــــــوكي “

خرَجَت مع ذلك الخَطيب الجديد ، فهي كل في يوم نجدها مخطوبة لشخص جديد .. مُترددةٌ هي في اختيار زوجٍ أو خطيبٍ لها ، لما تراهُ مِن جو غير مُبَشِّرٍ مِن حولها، وذلك في زيجاتٍ غير ناجحةٍ لصديقاتها .. وقد قررت أن تنتقي خطيبها بعنايةٍ فائقة ، وفي كل مَرةٍ تقَعُ في أمرٍ غير سار، وتكتشفُ اكتشافاتٍ غير سارةٍ؛ فتقرر التنحي واختيار خطيبٍ آخر ..

هاهي تُقابلُ ” كوكي ” وتتم الخطبة فجأةً ودونَ مُقدمات ؛ ربما لأنها تحاول أن تُجبِرَ نفسها كامرأةٍ على الاقتناعٍ بهِ كزوج .. وهاهي الآن تَختبرهُ بشدة ولكنه يقومُ بِتَصرفاتٍ غريبةٍ لاتطمَئِنُّ لها ، فاليوم هاهو يذهِلُها بهديةٍ غريبةٍ في عيد ميلادها ؛ فقد أهداها دُميةً كبيرةً و “تورتة” على هيئة دبدوب كبير وكأنها طفلة .. إنه ” كوكي ” .

(5)

” بوكي و كوكي ”

عندما التقت “بوكي” و “كوكي” قط الجيران حدثت بينهم قصة الحب المعجزة فأنا لَم أتخيل أن تنسجم “بوكي” مع “كوكي” لأنها دائما ما كانت تنعزل عند حضور أيٍ مِن قطط الجيران ولاأعلم لماذا و لِمَ قَبِلَت بِـ كوكي بَل قبِلتهُ للخروج أيضا وهذا ماتعجبته أكثر مَن كوني راافضة أو مُرَحِّبةً بذلك الأمر .

أصبح “بوكي” و “كوكي” زوجان ، وقد سَعِدتُ بهما جدًا ؛ فقد أدخلا البهجة على حياتي وأصبحت مُتَيَّمةً بهم أهتم لأمرهم وأُليهُما كثيرًا مِن الاهتمام والعِتاب حتى مَرِضت بحبهم مع الوقت وأصبحت لا أفارقهما ، بل أحيانًا أعتذر عن السفر مع صديقاتي بسببهم ، بل أصبحت أحكي لهم بعض القصص وكأنهم أطفالي الصغار .

(6)

” قبيلة نور “

ابنتي “نور” .. لديها مِن العرائس الكثير ، فحياتها عبارة عن عرائس وعرائس وعرائس عِدَّة مِن كل حدبٍ وصوب وهُنَّ يُنازعنَني حبها ، فهي تعشقهنَّ لدرجة الولَه … مما أصابَني بالخَبَل ، فأنا مُطالبة بشراء ملابس وأحذية وحقائب لهن في كل مناسبة ،وإن لَم أفعل تصيبُني نظرات نور العاتبة ، فأضطر لاستقطاع جزء مِن راتبي يكفي لكسوتهن ، وأحمد الله أنني لست مُطالَبة بِكسوتهن مِن كريستيان ديور مثلا !

اليوم عيد ميلاد “نور” ويجب عليَّ أن أشتري كسوة جديدة للعرائس أو أن أشتري لها عروسة جديدة .. فآثرتُ أن أشتري لها عروسة جديدة باهرة ترتدي فستانًا أشبه بفساتين الزفاف كي ترضى عني وتسعد ؛ وتلك الرشوة لكي تتشجع أكثر على المذاكرة .

(7)

” شئٌ ما “

قابَلَ “أحمد” “منى” في أحد النوادي وأُعجِبَ بها أيَّما إعجاب وتحادثا كثيرًا وكثيرًا عن كل شيء وأي شيء حتى صارا مُنسَجمين جدًا .. ولكنه شيء واحد لَم يتحادثا فيه .. بُرجَيهما .. ربما لَم تأتِ الفرصة ليتجاذبا الحوار حول الأبراج وصفاتها إلى أن قرر “أحمد” أن يسأل “نهى” قَدَرًا عن برجها ، فما أن أخبرته حتى تراجع عن فكرة الارتباط .. فهي برج الحوت !

اللوحة: Vittorio Matteo Corcos

(8)

” يابختك يابوكي “

اتصلت ببنات أختي الصغار فوجدتهم يُحَمِّمون القطة “بوكي” ، ثم أخبرتني إحداهن أنها تقوم بتمشيطها لأن أمهم مشغولة بصغارها واستحمامهم .

ثم أغلقت الهاتف لأدعهم ينهون مابدؤوه ، حتى لا تصاب القطة “بوكي” بالبرد ، ثم اتصلت في المساء لأجد أن الكل مشغول ؛ لأنهم يجلسون أمام المدفأة بالقطة “بوكي” حتى تحصل على الدفء …

يابختك يا بوكي !

(9)

” أيام التوكتوك “

كانت تتذكر أيام التوكتوك وأيام الفقر في ذلك الحي الشعبي الذي كانت تسكنه في حي السيدة زينب ، ورغم فقر تلك الأيام التي ودعتها منذ أصبحت كاتبة مشهورة وثرية ، إلا أنها مازالت تتذكر بالخير صديقاتها القديمات الطيبات من الموظفات ومحدودي الدخل اللاتي كُنَّ يُعانينَ مِن شظَف العيش ولكن غِناهُم كان داخل قلوبهن الصافية ونقاء سريرتهن حتى أنها تتمنى أن تكون بينهن الآن وتخلع قناع الزيف الاجتماعي الذي تضطر إلى ارتدائهِ عند مقابلة صديقاتها الآن مِن ذوات الطبقة الراقية … إنها الحياة .

(10)

” فيلم ثقافي ”

بحثَت ضمن الأفلام التي يمكن أن نشاهدها هذا الأسبوع في السينما فوجدت فيلمًا بعنوان “فيلم ثقافي” وكانت في السابعة عشر حينذاك فقررت أن تذهب وتشاهده في السينما لكن لم تسمح لها الظروف بذلك فقررت أن تأتي بشريط فيديو من نادي الفيديو المجاور وذهبت بالفعل لاستئجار الفيلم معتقدة أنه فيلم ثقافي بالفعل وقد يكون في الأغلب فيلم يتحدث عن فترة في تاريخ مصر ، هي لَم تشاهد إعلان الفيلم ولكن جذبها الاسم ولما قامت بوضعه في جهاز الفيديو في المنزل بعد أن كانت والدتها قد أعدت نفسها هي الأخرى لمشاهدة الفيلم ، وما إن وضعته حتى أصدرت صرخة مدوية ” إيه ده ” ده فيلم عن الجنس ؛ كذب السينمائيون وإن صدقوا !

(11)

” صباح لولي “

استيقظت اليوم على صوت “لولي” ابنة أختي الصغيرة وهي تجذبني مِن رأسي وتشد الملاءات التي تغطيت بها ، لِتُفصِحَ عن غضبها في كونها وحيدة أثناء غياب أختي بالعمل فلقد تركَتْها أمها وحيدةً لي ..

واليوم هو صباح “لولي” .

(12)

” عندما رقص مديري التانجو “

كنتُ أتمشى في أحَدِ أحياءِ إيطاليا عندما لَمَحتُ ذلك المقهى العَتيق ، فدلَفتُ إليهِ لأشربَ فِنجانًا مِنَ قهوتي المُفضلة ، قهوة لاتية بالكريمر .. لأجِدَهُ هناك ، فتسَمَّرتُ مَكاني وكأني استحضرتُ صورتهُ وهو مُتَجهمُ الوجه صارمًا كالعادة ، لكنني أراهُ اليومَ مُختلفًا يضحكُ ويبتَسم ، وجههُ مختلفٌ تمامًا ، قَسَماتهُ منتعشةٌ وكأنه شخصٌ آخرلَمْ أعهده مِن قَبل .. إنه مديري الذي جاءَ معي إلى إيطاليا في رحلة عمل ويبدو أنه ذهب مثلي ليتمشى في أحد الأحياء القريبة مِن الفندق محل إقامتنا الذي حجزت لنا الشركة به بِضع غُرَفٍ لي ولِمَن ذهبوا معنا في تلك المهمة مِن العمل وهي استيراد بعض الأجهزة الخاصة بالمشروع الذي يقوم مُديري بالإشراف عليه ، لكنه اليومَ مختلفْ .. أراهُ بشكلٍ لَمْ أعتَدْهُ مِن قَبل .. عَلَّهُ كانَ يتَصنَّع .

لقد كانَ يُحاول أن يبدو بشكلٍ صارمٍ وشديدٍ حتى تكون له هيبتهُ دائمُا   في العمل ، لكنه اليوم يبدو إنسانًا آخر وهو يرقص التانجو .. لقد كان في غاية الرومانسية حتى أنه جذبني مِن مقعدي لِنَرقصَ سويًا … التانجو .

(13)

” دالميشنز ”

تعرفت إلى يُمنى مِن زمن غير بعيد وأعجبتني دماثة أخلاقها ورقتها ، وقد تعرفت إلى جميع أفراد عائلتها قبل أن أراهم بالفعل ، فالأب والأم مِن كوادر الجامعة ، وإن كانت هي لَمْ تستطع تحقيق معدل عالٍ مِن الدرجات في الثانوية العامة نتيجةً لظروف مرضها المُفاجئ الذي باغتها فجأة دون أية مقدمات وهي في سنٍ صغيرة ليضيع حلمها في الالتحاق بالكلية التي ترغبها برغم ذكائها الحاد وذاكرتها الفولاذية أو هكذا أعتبرها أنا ، فهي بالفعل ذكية وموهوبة وذات حضور محبب وذاكرة قوية جدًا ، حتى أني كنت أحسدها عليها فأنا صاحبة الذاكرة الخَرِبَة ..

تعرفت مِن خلالها على أخ وأخت يشبهونها في الشكل والطيبة ، فأختهما “سالي” تتمتع بنفس الروح الطيبة وتشبههما إلى حَدٍ بعيد وكأنهما توأمتان لافرق بينهما سوى لون العينين ، “سالي” بعيون زرقاء و “يمنى” بعيون رمادية مثل ابنتي “نور” ، أحيانًا أحب التحديق فيهما لجمالهما الذي يسلبني عقلي وانتباهي للحظات ، حتى أني أخاف أن تلحظ هي ذلك الأمر فأنا فنانة تشكيلية وأحب النظر لكل ماهو جميل والتدقيق وكثرة المشاهدات ، مما يزعجني أنا شخصيًا إذ تتزاحم برأسي الكثير من الأفكار والمشاهدات والملاحظات المختلفة فأُصاب أحيانًا بالصداع والدوار من ذلك الأمر الذي ليس له علاج بالطب لأنه عَرَض وليس بمَرَض كما أرى ، جاءت يمنى اليوم تحكي لي عن وعكة صحية ألمَّت بها فتأثرت لحالها وشاركتها حديثها الممتع وهي تحكي لي مبتسمة عن تفاصيل مرضها الذي جعلها تتعرف إلى طبيب شاب أعجب بها وتقدم لخطبتها ولكنها فيما يبدو غير معجبة به لفارق السن بينهما ؛ فهو أصغر منها .. وهي لاتشعر تجاهه بأي عاطفة مما جعلها ترفض عرضه بالارتباط بها بالرغم مِن أنه مُتَيَّمٌ بها ويحبها حُبًا جَمًا ، ولكن تلك هي الأقدار ، وقد وافقتها الرأي فأنا لاأريدها أن تتعرض لما تعرضت له مِن الزواج بلا حُب الذي أثمر علاقة فاترة المشاعر بلا مستقبل .

وانتهى لقائي بها .. ثم التقينا في اليوم التالي في ظروف أفضل حين أتت يمنى بتورتة للاحتفال بعيد ميلادها التاسع والعشرين معي لتودع عامها هذا غير نادمة على ماحدث فيه مِن أحداث ، لتخبرني برغبتها الملحة في بدء مشروع فني خاص بها “جاليري” معرض تعرض فيه أعمالها من لوحات جميلة كنت قد أدليت فيها برأيي لتشجيعها على التقدم والتألق فصارت أفضل بفضل توجيهاتي لها كفنانة تشكيلية لي باعٌ في هذا المجال ولدي من الخبرة مايكفي لإرشادها وتحسين مستواها الفني بشكلٍ كبير .. وقد كان ؛ صارت لوحاتها أجمل وأصبح لها خبرة كبيرة مثلي بل أنه قد أصبح لها بصمتها وأسلوبها الخاص وقد أذهلتني شخصيا فقد تقدمت بسرعة البرق وأبدعت ، وحكت لي قصة جديدة عن أختها سالي الوحيدة وأنها ارتدت النقاب ولم يسبقها في ذلك أحد منهم برغم أنها خريجة إحدى المدارس الفرنسية والتي يعتنق الملتحقون بها فكرة التحرر بشكل كبير ، فهن يرتدين مِن الملابس كل ماهو مُثير وقصير وبالرغم من ذلك فقد قررت أن ترتدي النقاب ! ولأنها تعودت على الأناقة المفرطة فقد قررت صنع ملابس النقاب بنفسها، فاختارت خياطة ماهرة لتقوم بصنع النقاب لها وعليه صور “دالميشنز” ليكون أحدث صيحة في الموضة ، موضة غير مسبوقة مِن قبل، فصنعت نقابًا كاملاً وعباءة من قماش الدالميشنز هذا مما وضعها في مأزق فكل مَن يراها يقوم بالالتفات أو التعليق دون قصد لأنه لَم يرى مثل هذا النقاب مِن قبل .

ولأن والديها مِن الكوادر في الجامعة فليس لديهم من النقود مايكفي لشراء سيارة خاصة لسالي فقد كانت تستقل المواصلات العامة ومنهم الميكروباص الذي يرتاده أصحاب الطبقة المتوسطة والدنيا من التعب فصارت أضحوكة تطالها عبارات التهكم والاستهزاء على طول طريقها إلى الجامعة مَن الركاب والعابرين وحتى سائق الميكروباص نفسه حتى كرهت النقاب ووضعته في المنزل وأتت بقماش سادة تمامًا وصنعت منه نقابًا مُزينًا ببعض الدانتيل حتى أتاها مرةً صوت سائق الميكروباص متسائلاً : هل قامت “الستارة” بدفع الأجرة أم لَم تقم بدفعها بعد !

اللوحة للفنان البلغاري نيكولاي نينوف

(14)

” شورت ملون “

تذكرت وهي ترتدي شورتها الملون القديم الذي وجدته بالصدفة بين ملابسها القديمة وهي تقوم بترتيبها .. فجذبها الحنين للأيام القديمة إلى ارتدائه ولَمْ تكن تعلم أن الصدمة ستصيبها عندما تكتشف كَم تغيرت كثيرًا ، فقد كانت ترتدي هذا الشورت ذاته من قبل عندما كانت فتاة في مُقتبل العمر في بداية العشرينات تقريبًا .. ولكن هناك فارق !

فدمعت عيناها …

(15)

” عامان “

عامان كانت تؤنب نفسها فيهما لأنها خانت زوجها ..

لكنها تحب “حاتم” و حاتم هو مَن أغواها بخيانة زوجها ، وهو مَن ألحَّ عليها وضغط عليها حتى ضعفت .

ولكن .. هل تحن لحاتم ؟ لأنفاسه وعناقه .. لصدره ، شئٌ في صدرها يدفعها إليه .. ربما حب المغامرة .. لا المغامرة وحدها لاتكفي ، ربما حبا في الانتقام من إهمال زوجها … لاتعلم .

فهي في حالة صراع فإما أن ترفض وإما أن تسقط وتغوص في أعماقه

 (16)

” خمسة “

خمس سنوات تؤرقها منذ أخطأت هذ الخطأ الجسيم حين خانت زوجها ، ذلك الحلم الذي طالما حلمت به ثم حققته عن طريق الخطأ ، أكيد أنه عن طريق الخطأ فهي لَم تتعمد أن تخطئ ولكنها أخطأت خطأ هَزَّ حياتها وعلاقتها بزوجها فهي تشفق عليه في كل نظرة تنظر له فيها، تظل تحدق في عينيه علَّها تريد أن تتحقق أنه لايعلم شيئًا ..

بالطبع هو لايعلم .. ولكنها تعلم … هي وحدها تعلم .

علاقة أصبحت مهددة بالانهيار، إنه ذنب قديم ولكنها لاتعلم ماذا تفعل ،سؤالٌ ظَلَّ  يراودها خمس سنوات ولَم تجرؤ أن تقتحم ذلك الصمت الذي أصاب علاقتهما ، ماذا تفعل ؟! إنها لاتزال تحملق في وجهه وهي ضائعة بين سنوات الحرمان من الأمان ، هي تخشى أن يكتشف شيئًا .. تُرى ماذا سيفعل بها أو معها ؟

كيف تتخلص من الإحساس بالذنب ؟

أحيانًا تريده أن يعلم حتى تتخلص من هذا الإحساس .. لقد فقدت القدرة على الكلام معه .. فقدت حتى قدرتها على أن تتواجد معه في فِراشهِ كأنثى .. كانت تتواجد كجثة .. وكان حين يودُّ الاقتراب منها يقترب مِن جثة .

أصبحت كالجثة تمامًا بلا حِراك .. وربما كان هذا هو العقاب .

(17)

” دكتور .. حتى ”

1-

أنا “هبة”.. ممرضة بسيطة بمستشفى حكومي صباحًا وبمستوصف بسيط في أحد ضواحي القاهرة في المساء ، لكنني ممرضة مميزة بلباقتي ورشاقتي وصغر سني ، أعمل لدى دكتور “حتى” في تلك المستشفى صباحًا وقد أسميته “حتى” لأنه طبيبٌ شاعر كما يقول وأنا لا أفهم في الشعر أبدًا ، لكني أستطيع أن أقول أنه يفهم في المغازلة .. فهو يرمقني طول الوقت بنظراته وعينيه مصوبتين نحوي ، رغم أني أحاول أن أداري الكثير مِن فتنتي بهذا البالطو الذي يزيدني فتنة بنظره ، فهو يُطيل النظر إليَّ كثيرًا ، وهو غير متزوج .. مما يؤكد لدي هذا الإحساس بأنه يريد أن يغازلني لكنه لايستطيع ، فيطلق عينيه صوبي للقيام بتلك المهمة الحقيرة من وجهة نظري والعظيمة من وجهة نظره كطبيب يصعب عليه أن يبدي إعجابه بمجرد ممرضة بسيطة حتى لو بالنظرات فقط .

2-

أنا دكتور “حتى” .. و “هبة” هي أصغرُ ممرضةٍ لديّ ، وهي نحيفةٌ بشكل زائد عن اللازم ومخيف ، واضح أنها مُهملةٌ في ظل تجمع أسري مكونٍ من تسعة أشقاء وشقيقات هي أكبرهم فلقد تزوجت أمها في سن مبكرة ، وألقت كل المسئولية عليها بعد وفاة والدها ، ولقد حاولتُ مساعدتها كثيرًا وانتشالها من بيئتها الفقيرة وطرحتُ عليها فكرة أن تعمل لديَّ في عيادتي الخاصة مساءً ولكنها رفضت بحجة أنها تعودت على المستوصف وأصبح لها صديقات هناك أما في عيادتي الخاصة فستكون وحيدة وستتحمل وحدها كل المسئولية التي ملَّت مِن تحمُّلِها في منزلها وكنت أحاول أن أجد لها طبيبًا يصلح لها اعوجاج ساقَيها الواضح لكي تتزوج ، فهي بهذا الشكل محكومٌ عليها بأن تظل عانِسًا مدى الحياة بسبب ذلك .

 (18)

” أبو شهد قلع الجلابية “

ضحكت نور ابنتي عندما رأته ، فنظرتُ إليه ولَم أتعرف عليه لأول وهلة ، فقد خلع أبو شهد البواب جلابيته وارتدى بنطلون جينز ضيق وقميص ؛ وذلك لأنه ذاهبٌ لعمل “انترفيو” كما عَلِمت فيما بعد للعمل كفرد أمن بأحد الهيئات .

(19)

” إرث “

لَم تَرِثْ مِن أبيها شيئًا مِن الأموال فقد كان فقيرًا ، لكنه كان حريصًا جدًا على شراء جهازٍ لقياس الضغط العالي ليُشاركه أحزانه في دنياه الكئيبة ..

لَم تَرِثْ منه شيئًا إلا هذا الجهاز لقياس ضغط دمها المرتفع الذي وَرِثَتهُ منه أيضا بجدارة .

(20)

” عشرة جنية “

هي لاتملك سوى تلك الورقة من فئة عشرة جنيهات ..

فجأة أصابها الارتباك حين فتحت حقيبتها لتقوم بمحاسبة سائق الأجرة لتطير ورقة النقود في الهواء ، فارتعبت وصارت تُطارد الورقة وتحاول أن تدوسها برجلها لتثبتها في الأرض بسرعة ورعونة كادت أن تُفقدها حياتها على الطريق إثر مرور سيارة مسرعة .

 (21)

” انتقــــــــام “

يُحكى أن امرأة أرادت الانتقام مِن زوجها بعد أن طلَّقها ، فقامت بوضع بواقي أحشاء السمك النئ بمواسير الستائر ثم قامت بإخفاء آثار انتقامها ..

استلم طليقها منزله وبعد فترةٍ مِن الزمن وجد رائحة كريهةً جدًا لَم يعرف مصدرها أبدًا ، فاضطر لبيع المنزل بثمنٍ بخسٍ جدا ..

إنه انتقـــــــــــــــــام .

(22)

” علبة شيكولاتة ”

علبة الشيكولاتة تُذَكِّرُها بحبيبها الذي اختفى في ظروف غامضة فجأةً بلا مُقدمات ..

إنها مجرد علبة شيكولاتة ! لكنها تحوي الكثير والكثير من الذكريات ..

قِطعةُ شيكولا ..!

تلك القطعة من الشيكولاتة مخيفةٌ بالنسبة لها .. لأنها تذكرها بحبها السابق .

 (23)

” كُتُبي “

كتبي تسجل كثيرًا من حياتي .. أراني مِن خلالها ، أحداثٌ وأُناسٌ يتحركونَ ويتحدثون ..

وآخرون يتحدثون عني أنا شخصيًا ، وأحيانا كنت لا أهتم بهم ، أما الآن فإني أهتم .. إلى حَدِّ أنهم أصبحوا عِبأً عليّ ، هَمٌ ثقيلٌ يقيدني أحيانًا .. وأحيانا أترك روحي منطلقة كالعصفور الطائر في الفضاء ؛ أبني عِشًا أركن إليه وقت الحاجةِ فيصبحي منتجعي في الصيف حيث لا زوابع في الجو ، وأطير وأنطلق مثل العصافير ..

عصافير بيضاء كبيرة بأجنحة ، وأحيانًا أكون بنصف جناح … وأحيانًا بنصفِ هَمْ …

ولاينقطع الحُزن .

 (24)

” عَودَة “

عادَ إليها بعد طولِ غياب ..

ليجدها قد أُصيبت بالزهايمر ..

لَمْ تَعُد تتذكرهُ .

 (25)

” عمو محمد “

عمو محمد يحبها بشدة ..

يحبها إلى حَد الهَوَس .. إلى حد الجنون ، بعد أن تعرفت عليه في أحد النوادي الأهلية البسيطة .

هو .. رجل بسيط إلى أقصى درجةٍ حتى في طريقة عرضه لمشاعره البسيطة التي تكونت في وقتٍ قصير نحوها .

هي .. كانت تعتبرها مشاعر حانية ليس أكثر ، فهو شاعرٌ قديمٌ وكبير في القيمة لكنه لَم يلقى حظه من الحياة .

رُبما أنه جاء ليعوض حرمانه مِن حقه في الحياة مِن خلال حبهِ لها واهتمامه بها … ربما …

حتى اختَنَقَتْ .

 (26)

” الإثنين “

تنتظر يوم الإثنين لتراه …

صحيح أنها هي مَن أربَكَتْ الأمور ..

ولكنها لَم تعلم أنها ستستمتع أكثر برؤيته أكثر من حديثه وإن كان حديثه يعجبها بل ويسلم لُبَّها لذا فقدت عقلها حينما اضطرتهُ للحديث معها بكثرة اتصالاتها فاستسلم لها ولَمْ يكُن يعلم ماينتظره من إدمانها له، لِنَقُل حديثها معه وما أن قرر قطع علاقته بها ليستريح ..

لَمْ تجعله يهنأ بالراحة منها بل ظهرت له في العيادة كل إثنين كمريضة، فهي مريضة ..

مريضة بحبه !

اللوحة للفنانة كريستين كومين

 (27)

” شخوصٌ آخرون “

أحبَّتهُ ..

لكنها لَم تكن تعلم ماهي مُقدمةٌ عليه فلقد اكتشفت ضعفه الجنسي مبكرًا فور زواجها منه، ولَم تكن قد اتخذت قرارًا بَعدُ فيما قد تفعل؛ فلقد عرضت عليه الذهاب لطبيب .. ثم اكتشفت الفاجعة .. أنه لا أمَل فيه .

واكتشفت مُصيبةً أكبر وهي أن لديها طاقة زائدةً في الجِنس .. فماذا تفعل؟

لَم تكن تعلم ماذا تفعل …

لم تعلم كيف تتصرف مع “هشام” زميلها السابق في العمل عندما تقابلا، “هشام” الذي أحبته ربما بسبب ماتفتقده مع “علي” زوجها .. فلقد أحست أن “هشام” يأخذها بعيدًا رغمًا عنها .. أو بمساعدة شيطانها ..

لَم تُقاوم بل غرقت معه وفقدت توازنها ..

سقطت في الهاوية ..

واستقرت في قاعها بصمت .

(28)

” اشتراك “

أنا و نور نشترك في إحساسٍ واحد ..

لنا نفس الإحساس ، نفس الروح .. خِفَّةُ الظِّل وإلقاء الحكاياتْ .

فكرتُ ذاتَ مرةٍ أن أحتضنها بشدة …

فقد نحظى بنفس الحلم .

 (29)

” بطانية بارتي “

كانت نور وطنط سمية تتحادثان عن أمور الحياة المختلفة وتسرعان لتحضير يوم حافل خاص برأس السنة والذي يأتي مرةً واحدة في العام

وبعد أن قامتا بالاتفاق على تفاصيل الاحتفال بهذا اليوم …

احتفلتا به تحت البطانية والأغطية .. نظرًا لبرودة الجو .

كل واحدة في سريرها .. لتتحول الحفلة إلى بطانية بارتي .

 (30)

إذا لَم تَكُن خروفًا .. فلا تَجعلني مِعزة “

شُفته أنا وأهلي عن طريق الشيخ “محمد” جارنا .. كان كلامه تقليدي ، كل اللي عرفناه عنه قبل ماييجي إنه دكتور أسنان وعنده عيادة ، وبعد التعارف المبدئي برة البيت جالنا تاني مرة في البيت وكان ذوق أوي وجايب معاه تورتة والابتسامة على وشه عريضة وهندامه مُنَمَّقْ ، وبصراحة أكتر حاجة لفتت نظري إنه بيحب النظافة جدًا حتى الشوز مِن كُتر النظافة كان شكلها لسه جاية من المحل وهدومه لسه جاية من المكوى .. حاجة تفرح ، حتى لما اتكلمت معاه لقيته ولا بيحب ياكل من برة ولا بيجيب أكل جاهز غير قليل أوي عشان بيخاف من الأمراض وكرهني في كل أصناف الأكل الجاهزة حتى الفول والطعمية يعني من الآخر هينقعني في الديتول 3 أو 4 أيام قبل مانتجوز !

بعد أول زيارة في البيت اتضح لي إنه دكتور الصبح ومقاول بعد الظهر وفاتح مكتب للتجارة وماعندوش عيادة ولا حاجة ولقيت طريقة كلامه مرة توحي بأنه راجل أكاديمي ومرة تانية بيبقى زي التجار حتى في التفكير وطريقة كلامه سوقية فبقيت مش عارفة أحددهو إيه بالضبط .

كان فرق السن بينا كبير .. 15 سنة بس .. أنا قلت شكله كده إنسان محترم ويُعتَمَد عليه وراجل بجد ممكن يتحمل المسئولية ، ولقيته هو اللي خايف إني أكون متدلعة وما اقدرش أشيل مسئولية بيت ، وسألني وكأني في امتحان عن طريقة عمل الملوخية والمحشي ، وإذا كنت بنظف البيت بنفسي ولا بجيب حد يساعدني ؟

بصراحة أنا بشتغل وماما تعبانة ، عشان كده بنجيب أم محمد تساعدنا كل أسبوعين ..

– لقيته اتشال واتحط وقال : ” لا أنا ما احبش حد غريب يدخل بيتي “

قلتله دي أم محمد بنتعامل معاها من سنين ..

– قال : ” لا أنا ما احبش ابقى زي حد “

قلتله ياسيدي الناس أغلبها كده ..

– طب نعدي الحكاية دي

سألته بيحب يخرج فين ؟

– قال : أنا مابحبش الخروج ، وبصراحة المولات والكافيهات دي أماكن للدعارة ومقابلة البنات والأولاد .

طيب ياسيدي واحنا مالنا بيهم ! المولات دي فيها محلات لبس والناس بتقضي طلباتها هناك ..

– قال : الكلام ده مش مظبوط والأماكن دي مشبوهة ولو أي حد راح بتكون شبهة حتى لو الست هتروح مع جوزها ، وكمان لبس العبايات شبهة .. من الآخر أنا مبنزلش غير وسط البلد ومش كتير كمان ، أنا مش فاضي للخروج كل شوية وما احبش مراتي تخرج لوحدها أبدًا حتى لو مع أهلها ، لازم أكون معاها ، تزوري أهلك ساعة أو ساعتين وأروحك بنفسي ..

شكل الموضوع كد غم من أوله ، أنا صحيح مش غاوية خروج بس ده اسمه حظر تجول وأنا كمان بشتغل واتعلمت ازاي الموضوع يكون فيه توازن ، لا خروج علطول ولا قعدة علطول ..

نلاقيه دايما مشغول لما ييجي يزورنا مايكملش ساعة ويمشي عشان الشغل والعملاء والتجارة والمكتب والإعلانات ، حتى ماعندوش أجازة ولا يوم في الأسبوع ، يخرج للشغل الساعة 7 مساء ويروَّح ساعة أو ساعتين وينزل الشغل تاني ويرجع الساعة 1 صباحًا وعينيه شكلها عايزة نوم 1  سنين قدام ، هو صحيح مجتهد بس الحياة كده صعبة ، وسألته إذا كان بيحب الأطفال أحباب الله ؟

قال دول وجع دماغ …

ومرة سألته بتحب طيب تصيف مرة في السنة ؟ وكان الرد : بسافر طبعا يوم وارجع في نفس اليوم أو تاني يوم بالكتير ، أمال يعني أتفرج على المايوهات والمسخرة !

يعني من الآخر لابيحب الخروج ولا الأطفال !! والمصايف معندوش وقت لها من الأساس ، بتروح وترجع في نفس اليو ازاي يعني ! بتعمل أمه زي الأستغماية كده وترجع مثلا !! وبعدين مش كل المصايف مسخرة ، المصايف فيها بحر بنتمشى جنبه أو حتى على الكورنيش يروح الأسواق ، يعني ياكل برة ويغير جو ..

لا ياآنسة .. إذا كنتي فاكراني بتسستم لأ ، وإذا كنتي فاكراني خروف من بتوع اليومين دول فأنا مش خروف .

وكان الرد الوحيد على لساني : ” إذا كنت انت مش خروف فأنا كمان مش معزة وهتسحبها وراك .. عن إذنك يادكتور .

اللوحة للفنان: بيف جوزوياك – 1953.

 (31)

” ليلة في الإسكندرية ”

الأم حائرة بابنتيها وصديقتهما في شوارع الإسكندرية الواسعة المظلمة المخيفة فلقد كانت هذه الحيرة التي تملكتهن في الشارع نِتاجَ ماألَمَّ بهن مِن حدوث ظرفٍ طارئٍ غريب لَم يحسبنَ له أي حساب ، عندما قررن أن يذهبن إلى الساحل الشمالي مع فريق العمل الخاص بميرفت والذي التحقت به مؤخرًا دون أن يعلمن شيئًا عن المصايف به ، فقد كان عملا حكوميًا بسيطًا ولَم يكن به مِن الإمكانيات مايوفر إمكانية الذهاب إلى أحد المنتجعات السياحية الفخمة أو القُرى السياحية التي تعودت هدى ووالدتها ارتيادها مع أخوالها منذ رحيل أبيها عن الحياة تاركًا إياها هي وأختها وأمها بلا مُعينٍ سوى خالهن الأكبر الذي حاول أن يعوضهن عما يقاسين في الحياة ، ولأنهن لَم يُرِدنَ أن يُثقِلنَ عليه هذا الصيف ويحملنه نفقات سفرهن ، فقررن أن يذهبن إلى المصيف البسيط الذي يوفره عمل  ميرفت ، وذهبن بالفعل ولكنهن أحسسن بالملل الرهيب يعتريهن في هذا المصيف البسيط .. وهن اللاتي تعودن على الذهاب إلى المصايف الفارهة من قبل ، لذا شعرن بالملل الشديد فقررن الذهاب لإلى الإسكندرية بدلا من تلك القرية السياحية البسيطة المملة الكئيبة والتي ليس بها الكثير من الخدمات .

في الساحل الشمالي – قرية الأحلام .. هكذا كانت تُدعى وإن كانت خيَّبّت كل آمالهن العريضة بالاستمتاع في المصيف لذا ذهبن بآمالٍ كبيرة بالتنزه في الإسكندرية، وعلى الرغم مما قام به ابن خالهما الأصغر البخيل بأخذهما للتنزه في إحدى قُرى الساحل الشمالي الكبيرة دون أن يخبر والده البخيل بما عزم عليه وأخذ عمته المريضة بمرض عضال وابنتيها لكي يتنزهوا في الجوار ولكن الأم قامت بالاعتذار فهي لاتريد أن تُحَمِّل نفسها جَميلاً مِن أحد ، خاصة أنه قد قام بأخذ السيارة دون عِلم والده وهي لاتقبل بهذا الأمر لأنه لَم يَقُم باستئذان والده .. لذا ذهبن إلى الإسكندرية ولَم تكن الرحلة طيبة بالمرة فقد اضطررن لركوب ميكروباص وسط العُمال الذين يذهبون لأعمالهم في الإسكندرية والتنقل بين قرى الساحل الشمالي للعمل بها ولايملكون من النقود مايكفي لركوب وسيلة مواصلات أخرى تمامًا مثل هدى وأختها وأمها بالضبط .

ذهبن وتنزهن في الإسكندرية ومَرَّ الوقت وبدأن يشعرن بالخوف والرهبة ولَم يكن في الإمكان أن يكررن الرحلة مرة أخرى عودةً إلى قرية الأحلام مع العمال وبالميكروباص غير الآمن في الليل القاتم خاصة مع تلك الفئة خاصة أنهن ثلاث فتيات يتمتعن بنسبة عالية من الجمال والإغراء بالتحرش بل والأكثر من هذا أيضا .

فحاولن أن يؤجرن شقة للمبيت دون جدوى فقد كان السفر في شهر أغسطس المُكتظ بالمُصطافين كالعادة في الإسكندرية .

لَم يكن مِن الأم المُنهكة القوى إلا أن قامت بالتجول معهن حتى الصباح في شارع خالد ابن الوليد المُكتظ بالمارة ، الرائحون والغادون ، حتى إشراقة الصباح ، ولما شعرن بالتعب أخذت الأم ابنتيها وجلسن في إحدى المقاهي الرخيصة والتي يجلس عليها بعض النساء لتناول الشاي بالنعناع والشيشة كحال المصطافين غير الأثرياء .

جلسن حتى سَمِعن المؤذن يؤذن لصلاة الفجر فقمن مذعوراتٍ ليأخذن التاكسي إلى موقف الميكروباصات ويَعُدنَ مِن حيث أتين .. وسط العمال والفواعلية .

وكانت ليلة في الإسكندرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى