‏ لعنة سيزيف

ياسمين كنعان | فلسطين

كيف لم أنتبه..لم تكن الصخرة ملازمة ل “سيزيف” على الدوام؛ فحين كانت تتدحرج ثانية من قمة الجبل إلى قعر الوادي، كان ثمة فسحة ولو ضئيلة لإسقاط هذا العبء الثقيل وهذا القدر الأسود عن كاهله..!

حرا كان يهبط إلى الوادي، يرفع رأسه نحو السماء، يقلب ثناياها، و يتماهى في زرقتها، وقد يلتفت يمينا وشمالا، وربما حطت بعض الطيور على ساعديه، وربما نسي تعبه ووجهه الممتقع بالحزن، وضحك، وربما قفز عاليا وبعيدا، متناسيا أنه سيعود بعد هنيهة إلى قدره المحتوم ليدحرج الصخرة..!

هل ابتسم سيزيف للكون ولو مرة واحدة، هل ضحك ولو ساخرا من قدره الملعون، هل نسي ثقل واقعه ولوح بيديه لسرب من الحمامات، هل لاحق فراشة رفت بجناحيها على وجهه مليا ثم طارت، هل فتح كوة من جحيم واقعه وأطل بوجهه المغبر على بساتين الحياة وأشجارها الوارفة، وطيورها المغردة، هل تتبع خرير الماء وغناء الضفادع في البحيرة، هل أرهف السمع لموسيقى الكون، هل سبق الشعر بأعوام، وصرخ في لحظة تحلل من الظلام وأنتشاء بالضوء..الحياة على ثقلها، وعلى كل ما فيها من بؤس ما زالت ممكنة..؟!

هل فعل كل ذلك، أم أن عقله ومشاعره كلها كانت تتمحور حول قدره المحتوم، هل رافقه السؤال ذاته وهو يتدحرج مرة أخرى إلى الوادي..هل سأل بإلحاح”متى ينتهي كل هذا..؟!”

هل قذف حجارة الجبل بقدم عارية، هل أدمى الشوك ركبتيه حين سقط ونهض مرارا وشعور المرارة واللاجدوى يرافق خطواته..؟!

هل فكر مرة واحدة أن يكون قدر نفسه، هل جرب أن يكون الصخرة؛ كأن يصعد بخطى متعثرة نحو القمة؛ كأن يقع مرارا ويقف طويلا..كأن يصل نقطة البدء لتدحرجه الحياة مرة أخرى إلى القاع..؟!

أتخيله يفعلها؛ يصل القمة، يقف على قدميه، يرسل بصره نحو البعيد، يتأمل كل شيء دفعة واحدة، ثم يهوي إلى الوادي من جديد، يهبط مثل صخرة، يحتك جلده بأديم الأرض، تنغرس في جسده كل الحجارة والغصون اليابسة..وفي لحظة الارتطام الوشيكة يغمض عينيه ويفقد وعيه لحظات..!

وعندما يفتح عينيه ويدرك حقيقة مآله، يجمع ركبتيه إلى صدره ويسرح ببصره نحو البعيد، وقد يلعن حظه العاثر وقدره وقد لايفعل، لكنه حتما سيقف، و يلملم ذاته، ويستجمع قواه..يقف على قدميه، يرفع رأسه وينظر مرة أخرى إلى قمة الجبل، و يتسلق كما المرة الأولى، يتشبث بالنتوء الصخرية ليعيد دحرجة نفسه مرة أخرى، أو لتدحرجه الحياة كما المرة الأولى..تلك لعنة سيزيف..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى