السوق المريضة.. الصحافة في العصر الرقمي
كريم نعمة | لندن
هذا الكتاب يكتفي بمتنه، ولا يدافع عنه، بوصفه شاهدا على أزمة وجودية تعيشها الصحافة منذ الألفية الثانية. فمقالاته كانت في مهمة المتابع والمحلل والمقترح، وقبل ذلك المؤرخ لتلك الأزمة التي لازالت مستمرة. لذلك سيجد فيه القارئ السمة الصحافية اليومية أكثر من الأكاديمية، مثلما سيجد الاستعارات تتكرر كلما بدت الحاجة مفيدة لها للتعبير عن القصة وتداعياتها. لأنه ببساطة كتاب صحافي أكثر من كونه مؤلفا بفصول، وأبواب، وحواش، وهوامش.
لذلك ارتأيت أن أقدمه للقراء وطلاب أقسام الصحافة في كليات الإعلام، بوصفي صحافيا عاش في لجة مطبخ ساخن لصحيفة يومية كمدير تحرير لجريدة العرب اللندنية. لأكون الشاهد والمتابع لأزمة وجودية كسرت عمودا في مبنى الصحافة، لم تشهد مثله على مر التاريخ المعاصر.
لم تعش وسائل الإعلام المطبوعة زمنا غير عادل بحقها مثلما مر عليها منذ أن فتح علينا السيد غوغل نوافذه. ولم تدخل في تاريخها منافسة غير عادلة، إلا عندما صنعت شبكة الانترنت نموذجها الإخباري في وسائل التواصل الاجتماعي، وشكل فيسبوك جمهورية افتراضية يسكنها أكثر من ثلاثة مليار مستخدم.
كان على الصحافة أن تعبّر عن نفسها في تلك الحرب غير المتكافئة في العصر الرقمي وهي تدار من جيوش المواطن الصحافي والأخبار الزائفة. مع ذلك بقيت صامدة فيما سمي عصر ما بعد الحقيقة، وبقيت نماذجها المثالية المخلصة لجوهر الصحافة وحدها مثالا تاريخيا كما كانت وكما ستبقى في العصر الرقمي.
في مقالات هذا الكتاب سيجد القارئ الكريم احتفاء بتلك الأمثلة التاريخية في الصحافة الورقية عندما نعرف الأرقام المليونية المستمرة إلى اليوم في توزيع صحف مثل فايننشيال تايمز ونيويورك تايمز. «لسوء الحظ لا أجد مثالا عربيا هنا».
وحدة متن هذا الكتاب تفرضه طريقة التفكير عند كتابته، وإن تجزأ إلى مقالات مستمرة كتبت على مدار أكثر من عشر سنوات تعبّر عن زمن كتابتها، من دون أن تفقد استمرارية تأثيرها على صناعة الرأي. فهي تمتلك خصوصية المؤرخ للحدث أولا، مثلما تعرض تداعيات وتأثيرات ذلك الحدث وما ترتب عنه لاحقا. ذلك ما أراه أحد أهم المصادر للمهتم بمصير وأزمة الصحافة الوجودية، مثلما يمثل مرجعا للدارس لمفاهيم وسائل الاعلام.
صحيح أنني لم أفرط في كل مقالات الكتاب بالأسئلة بوصفها المعبّر المتصاعد والمستمر عما تعيشه الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام بشكل عام، في العصر الرقمي، لكن ثمة إجابات أيضا بقيت مخلصة ومستلهمة لجوهر الصحافة أثبتت أهميتها بمرور الوقت، وستبقى كذلك، لأنني أومن أن الصحافة لن تموت، بل ستبقى تعبر عن نفسها وإن تغيرت الطرق والوسائل والأدوات التي تُقدم بها. كنت صحافيا عندما كان القلم والورقة وسيلتي وسأبقى كذلك وأنا اصنع قصتي بهاتفي الذكي. ذلك ما توصلت اليه في كتابي هذا.