الثقافة المحلية ليست في الحسبان

جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة

من باب ”الدّقّ على جدران الخزان” فإننا نكرر التأكيد على أن ” أمّة اقرأ ” لا تقرأ ، وأسباب ذلك كثيرة لسنا في مجال الحديث عنها، ولكننا نشير إلى أننا دخلنا القرن الحادي والعشرين بسبعين مليون أُمّي لا يعرفون القراءة والكتابة، ويزداد عددهم كل عام بسبب الحروب الأهلية والإمبريالية، وربما يكون بين ظهرانينا أكثر من ضعفهم لا يجيدون استعمال الحاسوب ”الكمبيوتر” مع أن شعوبا أخرى قضت على ”أُمّيي استعمال الحاسوب” منذ أكثر من ثلاثين عاما، لكن الأخطر عندنا هي ”الأمّية الثقافية” لمن محوا أُمّيتهم الأبجدية، ولذلك فإن الثقافة هي في آخر اهتماماتنا على المستويين الرسمي والشعبي، حتى أن ميزانية وزارات الثقافة في دولنا العربية، – ومنها سلطتنا الفلسطينية – هي أقل الميزانيات من بين الوزارات المختلفة، وكثير من المسؤولين في وطننا الكبير ترتعد فرائصهم من الثقافة، خوفا من أن يظهر مثقفون خارجون عن عباءة ”الحاكمين بأمر الله” ولذلك فلا غرابة أن لا يخرج من بين ظهرانينا من ينتج ثقافة عالمية بعد ابن خلدون الذي عاش في القرن الربع عشر الميلادي، اللهم إذا استثنينا الراحلين ادوارد سعيد ومحمود درويش .

واستمرار لعدم اهتمامنا بالثقافة، فإن الصحافة العربية، ومنها صحافتنا المحلية لا تولي الثقافة أيّ جهد يستحق الاهتمام، حتى أن بعض الصحف التي تخصص صفحة داخلية اسبوعية للثقافة والأدب من باب ”رفع العتب” لا تعطي أيّ اهتمام للثقافة المحلية والجادة، فنجد أن غالبية ما ينشر في غالبية هذه الصفحات، هي أمور بعيدة عن الثقافة الحقة، وذات مستوى رديء في غالبيتها، فمثلا من اللافت للانتباه أن نقرأ ونشاهد خبرا بارزا عن أغنية جديدة رديئة الكلمات، عبثية الموسيقى، لمغنية أو مغن أكثر مؤهلاتها ومؤهلاته هي التفنن في التعري، وكشف النهود، والبطون والأفخاذ ، وما يصاحبها من راقصات أكثر عريا وأكثر اثارة للشهوات والغرائز، في حين لا نجد خبرا عن صدور كتاب ديني أو فكري، أو ادبي ، كما لا نجد خبرا عن لقاء ثقافي أو أيّ نتاج ثقافي اللهم إلا إذا كان الكاتب على علاقة طيبة محسوبة على “ولي أمر” الصفحة الثقافية.

صحيح أنه مطلوب من أيّ وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية أن تغطي الأخبار والأحداث المحلية والاقليمية والعالمية، لكن مقياس نجاحها وقدرتها وحتى تسويقها هو بمقدار اهتمامها بمحلياتها، وهذا لا يعني الانغلاق على الخارج مطلقاً، مع أن الفضائيات ودور الإذاعة وشبكة – الإنترنت – تكاد تكون منفردة أو مجتمعة موجودة في كل بيت، وتنقل الأحداث من أقاصي المعمورة ، إلا أن ذلك لا يغني عن وسائل الإعلام المحلية، فمن المعيب أن نرى إبداعات أدبية مثلاً لمبدعين محليين في الصحافة العربية المطبوعة والإلكترونية ولا نراها في صحافتنا المحلية، علماً أن مبدعيها يرسلونها إلى الصحافة المحلية قبل الصحافة الخارجية، وعدم نشرها ليس ناتجاً عن ضيق الصفحة، بل لأن الأولوية أُعطيت لمواضيع أبعد ما تكون عن الثقافة الحقة.

فمن الجميل مثلاً أن تعطي صحافتنا المحلية اهتماماً بالشباب وبالرياضة على سبيل المثال، وأن تخصص يومياً لذلك ما بين صفحتين الى ثماني صفحات أحياناً للرياضة، مع أنه يتم تعبئة هذه الصفحات بأخبار وتقارير وتحقيقات عن أندية أجنبية ، ولاعبين أجانب لا يسمع بها وبهم 99.9 % من أبناء شعبنا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ألا يستحق الإبداع الثقافي المحلي صفحة أسبوعية، إن لم نقل يومية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى