الجُمعة بين الفتوى ونصِّ كتاب الله  

رحاب عمر | كاتبة وشاعرة مصرية

صدرت  الأسبوع الماضى أكثر من فتوى،  فى أكثر من دولة عربية عن صلاة الجمعة  أثر تبعات فيرس كورونا.. وقد أُقرت تلك الفتاوى بعدم جواز صلاة الجمعة بالبيت، وإن تُصلى ظهراً  أربع ركعات، وقالوا فى الحيثيات إن لصلاة الجمعة شروطا إن لم  تتوفر فلا يصح أداؤها، وأوضحوا أيضا أن الشرط الخامس من شروط أداء صلاة الجمعة، هو  وجود جامع  أو مسجد  ووجود عدد محدد من المصلين، فالجمع هو ضم ما تفرق، وبذلك فلا يصح أداؤها لا فى  براح الأرض،  ولا فى رحبة دار. .. وعليه كثير من المسلمين صلوا الجمعة ظهرا…

أثارنى هذا الأمر كثيراً، ونحن نعلن الرضوخ غالبا أمام الفتاوى وخاصة إذا كانت من أهل العلم وخاصته  كمجلس  الإمارات للفتوى ولجان الفتوى الشريعية التابعة لمؤسسات الدولة…

غير أني لم أجد سببا مقنعنا فيما أقرته لجان الفتوى؛ فحجة  ضرورة أداء صلاة الجمعة فى مسجد حجة باطلة، فماذا مثلا عن مسلمين  فى مكان ما من الأرض،  لا يملكون مسجدا، ولا يحق لهم بناؤه،  لأنهم ربما فى منطقة صراعات أو حروب، أو أوبئة، أو بلاد تدين بغير الإسلام،  ماذا يفعل هؤلاء؟

وماذا نفعل نحن إذا استمر هذا الفيروس اللعين مزيدا من الوقت؟  هل نترك الجمعة حتى تُنسى؟ ويصبح تركها اعتيادا؟

ألم نجد أى فائدة إسلامية فى أداء الصلاة بالمنزل؟ لا والله، فالأمر عائد بالخير على الأسر  الإسلامية التى أدت الصلاة بالبيت بالأسبوع الأول من الحظر..

لقد أعد كل رب بيت خطبة تناسب المراحل العمرية المختلفة لأبنائه وخطب فيهم، وبدأ الأطفال والشباب الصغار الذى كان لا يعتدّون بالخطبة ويذهبون غالبا بعدها لأداء صلاة الجمعة، فى التعرف على أهمية الخطبة وأنها أساس صلاة الجمعة.

تنافس الأطفال وأفراد الأسرة على  رفع الآذان والإقامة، وزّعت المهام مما أعاد فضائل هذا اليوم فى الأذهان، هو يوم ولد فيه آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها وفيه مات وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة استجابة، ومن مكتسبات صلاة الجمعة فى البيت أيضا هو أن مشاركة النساء فى الصلاة، تربية روحية وجمع لشمل العائلات على نسق إسلامى كادت الماديات وتواترات الحداثة المستجدة أن تُنسى المسلمين إياه.

أعاد هذا الابتلاء والذى هو منحة من الله لنا كثيرا من البيوت إلى البحث فى كتب الدين لتجميع الخطبة  للجمعة القادمة … ألسنا فى حاجة إلى العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه؟ ألم يوقفنا هذا الأمر قليلا لننظر فى عقائدنا التى أصبحت عادات تؤدى دون عقل أو خشوع؟  ألم نتوقف أمام الخطب التى أصبحت موحدة على مستوى الدول، لأغراض ما دون النظر إلى أهمية سلاح خطبة الجمعة كتوجيه وإرشاد ورعاية للمسلمين عامة والشباب الصغير المتخبط  خاصة.

ألسنا فى حاجة إلى إعادة النظر فى الموضوعات التى تقدم فى هذا اليوم الذى هو عيد للمسلمين ومناسبة طيبة تجمع شملهم؟

ورغم كل هذه الاعتبارات التى شغلتنى، ذهبت للبحث عن هذه الفتوى، لأجد أنها فتوى باطلة،  بكل ما تحمل من معان، فمن أقرها لم يبحث فى صميم الدين، بل كفته القشور.

 

 

 

ففى كتاب الله تعالى وفى سورة الجمعة قال الله تعالى “يأيها الذين أمنوا  إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرا لكم إن كنتم تعلمون “، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ” رَواح الجمعة واجب على كل مسلم  محتلم”

لم يُذكر فى الآية  أى إشارات لعدد أو مكان ولا فى سنة نبيه ، فإن كان مراد  الله فى عدد دون عدد كان قد بيّنه فى آياته،  فالله سبحانه وتعالى عمّم ولم يُخصص، وليس لأحد مع عموم الكتاب  أن يخرج أحد عن جملته.. فكيف نترك فضل صلاة الجمعة لأجل أحكام غير جائزة ولا منطقية الحدوث، وفى حالة عدم قدرة البعض على صياغة خطبة للجمعة مثلا ً، تكفيه  قراءة سورة (ق) ..

وحينما تتبع بن حزم فى كتابه “المحلى” فى الفصل الخامس هذا الأمر، أقر بأن البعض حدد صلاة الجمعة بعدد معين من الأفراد، مثل عمر بن عبد العزيز بخمسين مصلى، والشافعى بأربعين، وآخرون أقل وأقل إلى أن وجد حديث فى البخارى أن الصلاة تجوز بإمام ومُصلٍ خلفه فى حالة السفر حتى لا يضع فضل صلاتها على أحد، وعلى غرار هذا فإنه من الأحرى فى  حالة الأوبئة أو الحروب الحفاظ على صلاة الجمعة فى أى مكان سواء  بالبيت أو ساحة ما، دون التقيد  بعدد ولا مواصفات معينة.

إذن علينا اتباع ظاهر كتاب الله والعودة إلى الحق، والبحث عن الحقيقة وعدم التسليم لكل ما ينافى قلوبنا، بعيدا عن فتاوى قد تكون موجهة. وفى النهاية تبقى الفتاوى اجتهادات، لا تغني عن التأكد، ولا عن إرجاء الأمور لكتاب الله ولإدراكنا الروحي… حتى لا نضيع على أنفسنا هذا الثواب العظيم، وأعتقد أنه آن أوان نحر تلك الخلافات التى تشغل المسلمين عن حقيقة دينهم، وتلهيهم عن ذكر الله ، ولا تزيدهم إلا تخبطاً وغفلة. أفيقوا أفادكم الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى