في ظل إخفاق “عملية السلام”، يكثر الحديث عن خيار “الدولة الواحدة”
Palestine Digest
يبدو أن خيار الدولة الواحدة صار يطرح نفسه على الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، ويتداوله بصورة متزايدة في مقالاتهم وتحليلاتهم عدد من الصحافيين والمحللين السياسيين الإسرائيليين، الذين يحذرون من أن هذا الخيار قد يهدد، في نظرهم، “الطابع اليهودي والديمقراطي” لدولة إسرائيل، وخصوصاً في ظل استمرار رفض الأوساط الحاكمة في إسرائيل “حل الدولتين”، وامتناعها عن تنفيذ مشاريع الانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
حذر بعض الصحافيين والمحللين الإسرائيليين من أن إسرائيل لن تعود “دولة ديمقراطية” عندما سيمتنع حكامها عن منح حقوق المواطنة الكاملة للعرب الفلسطينيين الذين ستضمهم الدولة الواحدة في حال تكرس خيارها. بيد أن كون إسرائيل دولة “ديمقراطية” كان مثار جدل منذ فترة طويلة؛ فمنذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، أطلق عالم الإجتماع والأستاذ في جامعة حيفا سامي سموحة على “ديمقراطية إسرائيل” اسم “الديمقراطية العرقية” لأنها تضمن، في معيار الحقوق الديمقراطية، تفوق جماعة عرقية واحدة على أخرى. ويبدو لي أن هذا الطابع العرقي لـ “الديمقراطية الإسرائيلية” قد تعمق كثيراً بعد قيام الكنيست، في تموز/يوليو 2018، بإقرار قانون أساس: “إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي”.
من جهة أخرى، يتخوف بعض الصحافيين والمحللين الإسرائيليين من تحوّل إسرائيل في حال تكرس خيار الدولة الواحدة إلى دولة أبرتهايد على غرار جنوب أفريقيا في عهد نظام الفصل العنصري. بيد أن إطلاق صفة الأبرتهايد على إسرائيل لم يعد غريباً اليوم، بل صار ينتشر أكثر فأكثر وتتبناه منظمات إسرائيلية، مثل “مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة” – بتسيلم، الذي أصدر في كانون الثاني/يناير 2021 تقريراً اعتبر فيه أنه يقوم في كل المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، نظام واحد قائم على مبدأ: تحقيق وإدامة تفوّق جماعة من البشر (اليهود) على جماعة أخرى (الفلسطينيّين)، أي إنه نظام فصل عنصري – أبرتهايد، كما تتبناه منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” التي اتهمت إسرائيل، في تقرير أصدرته في نيسان/أبريل 2021 ، بممارسة سياستَي الفصل العنصري والاضطهاد إزاء العرب الفلسطينيين في مناطق 1948 وفي المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967.
عبّاس – غانتس: جلساتُ سَمَر!
لا تحتاج إسرائيل إلى أكثر من مستوى تلك الزيارات “العائلية” للتعامل مع الحالة الفلسطينية. الجدل السياسي الإسرائيلي الداخلي لم يعد يرى بالواقع الفلسطيني تحدّيًا بحدّ ذاته، بل تابعًا لتحديات أهمّ تُمثّلها إيران مثلًا هذه الأيام. يكفي تأمّل غياب “فلسطين” عن الحملات الانتخابية للانتخابات المتعددة التي أجرتها إسرائيل خلال الأعوام الماضية، ويكفي تفحّص حيثيات موقف الإسلامي منصور عباس في التأكيد على يهودية دولة إسرائيل. تعمل الأنتلجنسيا الأمنية الإسرائيلية على الإنشغال بالخطر الإيراني، سواء بالزعم بإعداد العدّة لحرب إسرائيلية مباشرة ضد إيران والتعامل مع “أدواتها” الفلسطينية في الجنوب واللبنانية في الشمال وفق استنتاجاتها. وعلى هذا تستقيل فلسطين من موقع النقيض للفكرة الإسرائيلية وتتطوّع في جانب منها لتتقدم أداة من ادوات خارج بعيد.
وحين يذهب الرئيس الفلسطيني لطرق بابٍ إسرائيليّ في الليل، فذلك أن الرجل فقَدَ على رأس نظامه السياسي إطلالة فلسطينية عربية إقليمية أممية كانت فلسطين تمتلكها حتى في أقسى مراحل الضعف والهزيمة. فقدت فلسطين قطبيتها وباتت لا تؤثِّر بعدما كانت فعلًا ضاغطًا على سياسات عربية وإقليمية وحتى دولية.
لن يكون “الانفجار” الذي حذّر منه أحد قياديي رام الله (حسين الشيخ) في تبرير زيارة عباس لبيني غانتس. فالسلطتان الحاكمتان في رام الله وغزة تملكان مواهب وأد أي حراك شعبي لا يسير وفق إيقاعات النظامين السياسيين. ولئن يقوم الرئيس الفلسطيني بالوصل التقني مع إسرائيل فتخرج الفصائل متحفّظة مستنكرة قبل أن ينتهي الجدل خلال ساعات، فإن إسرائيل تستنج بدون لبس أن فلسطين ما زالت دون مستوى التحدّي، وأن التعامل مع “الأراضي الفلسطينية” في وجهة الضفة الغربية أو في وجهة غزة لا يعدو كونه ملفًّا أمنيًا، هامشيًا، ما زال لا يستحق أكثر من جلسة سمر.