فليم “أميرة”: التوريط الذي يتحول إلى ورطة

نداء يونس | فلسطين

يقدم  هذا الفيلم الفلسطيني الجديد كأضحية لتمرير مشروع دولة واحدة وتعايش مشترك. هناك ما هو أخطر من فكرة الشك والخيانة في قلب هذا الإنتاج العربي المشترك وفي ظل اتفاقيات إبراهام والتطبيع والسعي إلى تميبع القضية الفلسطينية تمهيدا لاحتوائها في آخر المطاف…

 يفترض الفيلم أن الإسرائيلي، حارس السجن، سيبدي تعاطفا مع نسله وأن هذا طريق للسلام والتعاطف والإحساس بالآخر الفلسطيني وبالتالي يصبح التنازل عن الذاكرة والحديث عنها والهوية وانتمائها العربي طريقا للحل المفترض وهو بهذا يتماهى مع سياسة فرضت على الفلسطينيين وهي التنازل عن الأرض مقابل السلام؛ التنازل الذي قدم خلال 73 عاما على أنه الحل؛ التنازل المبرر أو التنازل بحكم الواقع وبرعاية دولية؛ التنازل الذي يقدمه الفلسطيني عادة والعربي الآن وليس الإسرائيلي، الذي يمكن تغييره كما يراد أن نفهم: بالعاطفة مقابل هذا الفلسطيني الذي لا يعرف طريقا سوى تفجير نفسه كما فعلت أميرة للتغلب على صدمة الواقع وهو ربط ممتد ومستمر وتأطير مباشر للفلسطيني كمنغلق وغير مرن وإرهابي .

هذا العمل يسعى من خلال الصدمة والتوتر إلى إنتاج وخلق هويات جديدة ولاعبين جدد مختلطين ومتعايشين؛ إنه أفق جديد يتم تقديم المحتل والسجان فيه كإنسان طبيعي في واقع غير طبيعي، وطرح الإنسانوية كحل رغم أنها لا تؤدي إلا إلى تذويب الأصلاني الفلسطيني وقضيته واحتوائه/ها في أفق الحقائق التي يتم خلقها وتمريرها ضمن خيارات تقدم على أنها منطقية وبتضخيم متعمد لفكرة الفلسطيني كخائن وخسيس وهي فكرة استعمارية بدأ الإسرائيليون بترويجها ما قبل النكبة وحتى ما بعد توقيع أوسلو واتفاقيات السلام ويمكن الاتكاء هنا على المنتج الفكري لبارتال وآخرين بالخصوص..

هذه السينما الجديدة بؤس يضاف إلى سلسلة من الممارسات السينمائية السابقة التي تهدف إلى تشويش القضية الفلسطينية وطرحها إما كتابع دوني ومتنازل أو كسبب للأزمات أو كحالة غير مفهومة ويمكن حلها بالمال أو تحسين الاقتصاد أو في إطار ساذج وبسيط جدا، واشتغال إعلامي ودبلوماسي على الأرض وفي الواقع الافتراضي لغعادة إنتاج الخزان المعرفي للعرب والعالم وللفلسطينيين انفسهم، هذا الخزان الذي يتم استدعاؤه لفهم كل ما يستجد ما أحداث تتعلق بالواقع الفلسطيني من قبل المتلقي أيا كان ويستخدم بتحويراته لإقناع المتلقي أنه شريك بعملية إنتاج المعنى، كما يهدف الى اعادة انتاج المخيال الجمعي للعرب والعالم.

إن هذا العمل إعادة إنتاج للواقع يهدف الى تغييره سواء باأساليب جديدة تبتعد قليلا عن الأسلوب المتبع والذي يدمج العنف الجسدي والسياسات النكروية اي سياسات الضبط والرقابة والتحكم بالعنف الرمزي إلى إنتاج الواقع بالعنف الرمزي الصدموي وضمن محمولات خطالبية ولغوية وفي إطار هيمنة ثقافية سواء إعلامية او سينمائية.

مبروك للعرب على هذا المنتج الذي يكتسب شرعية من كونه انتج بايديهم وليس بسينما اسرائيلية ومن خلال فريق في التمثيل والعمل من اصول فلسطينية وهذا ايضا جزء ممنهج من عملية رسم الاطار .

المستقبل عادة هو انتاج افتراضي اولا يتم تطبيعه ليصبح واقعا من خلال التوتر والتحرير العنيف للتوتر والتكرار، انه التوريط داخل النص الذي يتحول الى ورطة في الواقع، هكذا ترتسم المشاهد السينمائية واللغوية وتتم صناعتها وهكذا تتم ادارة فضاء المتخيل الرمزي ليصبح فضاء للهيمنة.

السؤال الرئيس للفلم هو: من اخطر خبانة المراة ام ان يكون والد الطفلة حارسا اسرائيليا لسجن اسرائيلي؟

هذا التقابل الذي يطرح بشكل يبدو منطقيا توجيه لعقول المتلقين؛ ان الخيار الجماهيري لاناس يقع مفهوم الشرف بين ارجلهم فقط، غالبا ما سيكون الخيار الثاني، فأي مقاربات توجه مستقَبلا يرتسم من خلال خلق واقع يبني على التناقضات المنطقية التي تقدم كفكر عقلاني؟

هذا السؤال يعيد كتابة القضية من خلال تهميش كافة المحاور ذات العلاقة وتقزيمها وتبئير وتضخيم حالة واحدة لكنها لا تضخم ببراءة بل بانتقائية وتبسيط يعيد انتاج السردية الاصلية للفلسطيني ضمن محددات خطابية استعمارية وضمن طرح لخيارات تبدو عقلانية ولكنها تتلاعب بلوغارتيمات التفكير المنطقي للمتلقين.

يقول ونستون تشرتشل إن  التاريخ سيكون رحيما به لأنه من سيكتبه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى