المتشائمون لا يبدعون
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصريّ
لوحة زيتية للفنان إدوارد ديبات بونسان
قرأت ذات يوم أن لدى الإنسان ما يزيد عن خمس وأربعين ألف فكرة ترد على ذهنه في اليوم الواحد، وتتلون هذه الأفكار بين النمط التفاؤلي والنمط التشاؤمي، والمشكلة الكبرى في هذا السياق إذا تشبعت هذه الأفكار بالنمط السلبي كما نرى في بعض الشخصيات التي يغلب عليها التشاؤم. ونمط التفكير العام لن يتغير بسهولة بعد عدد قليل من الوثبات الإيجابية للمخ، حيث إن الشخص المتشائم قد برمج عقله بشكل هائل في اتجاه النمط التشاؤمي. ولا يعني هذا استحالة تغيير هذا النمط؛ وإنما إمكانية التغيير متاحة ولو بشكل متباطئ إذا توفرت الرغبة والإرادة لإحداث هذا النوع من التغيير. والعجيب في الأمر أن إعادة برمجة عادات التفكير ولا سيما القوية منها تتأتى من خلال استدعاء الأفكار الإيجابية بشكل تتابعي، وكذلك استبدال الأفكار التفاؤلية بالأفكار السلبية بشكل تبادلي، وسرعان ما سنلحظ أن التفكير التفاؤلي صار نمطاً طبيعياً وبشكل تلقائي غير مقصود.
ومن الأفكار التشاؤمية الشائعة التي تتردد على ألسنة كثير من الناس أنهم لا يملكون أي حظ من حظوظ الإبداع أو أي طرف من أطرافه. رغم أن التأمل الواعي للإبداع يكشف عن أنه نوع من التفكير يستدعي فيه صاحبه الحلول غير التفليدية للمشكلات، وبهذا فإن المبدع الحق هو الذي يسعى لحل أية مشكلة تقابله بشكل غير مسبوق ولا معهود.
كما يجب أن نعلم أن الإبداع ليس خلقاً من عدم؛ وإنما هو إعادة اكتشاف للواقع، وترتيب للبيئة المحيطة بالمشكلة بشكل غير تقليدي. وأذكر أن موزار قال يوماً إنه لم يكتب أبداً لحناً أصيلاً؛ فقد كانت كل ألحانه دمجاً للألحان الفلكلورية القديمة.
ولذا فإن إبداع الإنسان قريب للغاية، إذا أراد أن يجعل من نفسه مبدعاً، وذلك من خلال غرس قانون موزار في كل شيء يفعله، وليبحث عن كل الحلول غير المطروقة للتحديات التي تلقيها الحياة في طريقه.
ومن الأمور المهمة التي يجب الالتفات إليها في إحداث التغيير أن تتجنب بلباقة هؤلاء الذين لا يساندون التغيير في حياتك، ولعل في إشارة “أندرو ويل” في كتابه الشفاء الذاتي ما يؤكد ذلك، حيث قال: ضع قائمة بالأصدقاء والمعارف الذين تشعر في صحبتهم بمزيد من النشاط والسعادة والتفاؤل، اختر واحداً تقضي معه بعض الوقت في كل أسبوع.
ولنتذكر أن التواصل مع شخص متشائم يقلل من إمكانيات التغيير وفرصه، حيث يسيطر الحوار المثير للاكتئاب والمشبع بالإحباط، ولن تجد أفكاراً جديدة أو مبدعة أو ملهمة، ولتعلم أن المتشائمين لا يبدعون، ولن يسلكوا دروب الإبداع يوماً.