حكايات شهريار قصة يعقوب (7)
شرين خليل | مصر
اللوحة للفنان جيوفاني براجولين
أقبل الليل وأظلمت الدنيا في وجهي فلقد طرقت كل الأبواب وسألت الجميع حتى الأطفال أسير في طريقي ولا أعلم أين أذهب وجدت نفسي في المقابر فلم يتبقى لى سوى أنا أسأل الأموات.. ضاقت نفسي وتملك اليأس من قلبي . نظرت حولي ،لا يوجد أحد ، هدوء رهيب في وسكينة في المكان تذكرت صديقي يعقوب فهو هنا في هذا العالم الآخر يرقد بسلام حاولت البحث عن قبره ولم أعرفه فأنا لم أحضر جنازته ولكنه كان قريبا من قبر أبي .وقفت أمام قبر أبي حزينا أشكو له حالي ومامر بي في حياتي ومافعلته بي الأيام .. وأتحدث بصوت خافت والدموع تتساقط من عيني :
-هل تسمعني يا أبي ؟؟ هل تشعر بي ؟؟ أشتاق لحضنك ؟ إفتقدتك يا أبي وأفتقدت أيام الدفء فلو رجع بي الزمن لن أترك بلدي ولن أسافر وسأكون أكثر قسوة فهذة الطيبة التي ورثتها منك يا أبي أضاعتني فنحن في زمن لامكان فيه للطيبين ..كل من عرفتهم وأحسنت إليهم غدروا بي ..وفي النهاية يضيع إبني ..لا لن يضيع مني وبدأت أنادي يايعقوب …يايعقوب …
شعرت للحظات بخوف شديد وإنتفض قلبي ..سمعت خطوات تأتي من بعيد وإذ بإمرأة بالكاد تمشي وتلتقط أنفاسها بصعوبة إقتربت منها وسألتها هل رأيتي يعقوب. قالت : الصبي الاشقر؟؟ قلت لها نعم وأنا متلهف أن أسمع منها أي شيء عن يعقوب أجابتني هذا الصبي يأتي إلي كل يوم ببعض الطعام ولكنه لم يأتي منذ يومين وعندما سمعتك تنادي بإسمه ظننت أنه قد جاء فأنا أنتظره ..أين هو ولماذا تأخر عني ؟. أخبرتها بأنه سيعود ورجوتها أن تدعو له.
أومأت برأسها وتركتني و ذهبت ..
وقفت وحيدا في هدوء أفكر في كلام هذه السيدة الذي أيقظ الأمل بداخلي بإن يعقوب سيعود فالذي زرع بداخله الخير سوف يحفظه ويحميه وأنا في سكوني شعرت بيد تربت على كتفي إنه أخي كان يبحث عني .
إلتفت إليه لأرتمي في حضنه وأبكي كأني طفل صغير يفتقد الحنان يحتاج لمن يواسيه ولمن يقف بجانبه ويسانده فأنا عانيت كثيرا ..كان يضمني بشدة ويبكي وهو يخبرني أنه لم يقصر في حق يعقوب ولم يترك مكانا إلا وذهب إليه وأبلغ الشرطة والبحث جاري في كل مكان وأن يعقوب رجل وليس طفل لديه القدرة على حسن التصرف وما فعله كان نتيجة الكبت الذي بداخله ورد فعل طبيعي لما مر به من ظروف قاسية وأنه سيعود ..
_ أعلم جيدا يا أخي أنك لم تقصر ولم يقصر أحد بل كنت أنا المسؤول عن كل ما حدث .. فأنا أعرف حظي جيدا في هذه الحياة فكلما أشرقت لي شمس الحياة تأتي السحابة السوداء .. إعتدت على ذلك .
فلا تلوم نفسك يا أخي ..
فمن الغد سأسافر إلى كل البلدان المجاورة وأقوم بنشر الخبر في الصحف والمجلات وسأعلن عن مكافأة لمن يجد يعقوب أو يعرف له طريق هذه هي معركتي الأخيرة في الحياة ولو خسرتها سوف تكون نهاية حياتي .
طلب مني أخي العودة إلى المنزل من أجل أمي وإبني الصغير وأيضا لكي نأخذ قسطا من الراحة حتي نبدأ في الصباح..
ذهبت معه وجلست مع إبني الصغير ووضحت له كل شئ حتي لا يتضايق من غيابي عنه في هذه الفترة وأنها فترة وستمر..
بدأت في نشر الإعلانات وإنتشرت صور يعقوب في كل أنحاء الجمهورية. ذهبت إلى محطات القطارات والسيارات وإلي المستشفيات فلما أترك مكان إلا وذهبت له ومعي صورته وفي كل مرة كنت أسمع قصة عن هذا الصبي الأشقر الذي يساعد الناس..
رجل يقول : هذا الفتي أخذ بيدي وحمل عني الأمتعة ورافقني إلى منزلي عندما وجدني لا أستطيع السير.. وقابلت إمرأة في إحدى المحافظات القريبة من قريتي وعندما سألتها هل رأيتي هذا الفتي وأعطتها صورة يعقوب كان ردها بمثابة بصيص الأمل الذي جعلني أشعر لوهلة بأنني وجدت إبني : الصبي الأشقر الذي يشع النور من وجهه كانت عيناه حزينة ولكنه صانع للسعادة يساعد من يعرفه ومن لا يعرفه كان يعمل في أحد المطاعم وعثر على حقيبتي وكان يوجد بها مبلغ كبير من المال وأحضرها لي ورفض أن يأخذ أي مقابل..
ذهبت مسرعا إلي المطعم الذي أخبرتني السيدة عنه وسألت صاحب المطعم عن يعقوب وأخبرني بأن يعقوب جاء ليعمل عنده ولكنه عندما رأى صورته في الجريدة ترك العمل ولم يخبره أين ذهب ومن هنا أدركت أنني إقتربت و سأجدك يايعقوب ولو خسرت ماتبقي معي من مال..مضي شهر وأنا أبحث عنه وفي يوم جاءني إتصال هاتفي من شخص يخبرني أنه يعرف مكان يعقوب و يريد المكافأة.. ذهبت له أنا وأخي حسب العنوان الذي أعطاه لنا . وصلنا إلى منطقة لم أعرف معالمها ..قابلنا مجموعة من الأشخاص و وقاموا بتغطية وجوهنا وتركنا السيارة الخاصة بنا وذهبنا معهم إلى مكان لا نعلم عنه شيء وكانت الصدمة عندما كشفوا عنا الغطاء أن هم عصابة لسرقة الأموال بالإكراه ولا يعلمون شيئا عن يعقوب وفعلوا ذلك من أجل الحصول على المال فقط .. كان الموضوع أشبه لي بفيلم سينمائي ..لم أتوقع أن يحدث لي مثل ذلك الأمر فأنا مثل الغريق الذي يتعلق بقشة ..
لم أستمع لأخي عندما طلب مني أن نخبر الشرطة بكل خطواتنا وتحركاتنا ولكني لم يكن لدي الصبر الكافي فأنا أريد إبني بشدة ولن أنتظر ومستعد أن أضحي بحياتي لأجده ..
في النهايةإستسلمت لهؤلاء الأشخاص ودفعت لهم المكافأة حتى أنجوا بحياتي أنا وأخي .قاموا بإلقائنا على الطريق الصحراوي مجردين من كل شيء من أموالنا وبعض ملابسنا وأخذوا سيارتنا و هواتفنا وكل شيء ..
أنقذنا بعض الأشخاص الطيبين .وجدونا علي الطريق في حالة سيئة .ترفقوا بنا فمازالت الدنيا بخير . أحضروا لنا بعض الملابس و بعض المال وساعدونا في العودة إلي بلدتنا..
بدأت الحكاية تنتشر في كل مكان حتي وسائل الإعلام فالجميع يعلم معاناتي ومدى لهفتي وشوقي فأنا أجري وراء كل شعاع للأمل ..وبدأت الصحف تتحدث عن الأب البطل الذي يجوب الشوارع ليلا ونهارا ولا ينام و يتعب من أجل أن يجد إبنه وتعددت معي اللقاءات الإذاعية وكانت فرصتي لأقص عليهم قصتي وماذا فعلت بي الغربة ؟ وكيف حاربت من أجل إبني الصغير ولن أهدأ حتي أجد يعقوب ..كنت أحكي وأتمنى أن يسمعني يعقوب حتي يعلم مدي حبي له وخوفي عليه . كتبت رسالة وقمت بنشرها في كل مكان لعله يراها أو يسمع عنها :
لم أتعمد البعد عنك يايعقوب أنا أحتاجك أكثر من إحتياجك لي ..لا تتركني ياولدي فأنا بدونك لن أعيش سأذهب إلي المقابر وأقوم بدفن نفسي حيا .سأمتنع عن الطعام والشراب .. أنا لم أقصر معك يابني ..لا تتركني دون أن تعرف ماذا فعلت من أجلك . مرت عدة أيام وأنا لا أعرف ماذا أفعل ..كنت أنهار عندما تخبرني الشرطة عن العثور علي جثة شاب ومطلوب مني التعرف عليها كنت أموت ألف مرة وأنا أنظر إلي هذه الجثة وأحيا من جديد عندما أجدها لشاب أخر و ليس يعقوب..
مرت أيام ثقال كانت الدقائق كالأيام والساعات كالسنين
أتساءل هل إنتهت كل الطرق؟؟ ماذا أفعل؟؟
لجأت إلي ربي وطلبت منه أن يعفو عني ..ودعوته بخشوع ورجاء أن أجد إبني وأن يسامحني علي تقصيري فيما مضي ..
وفي يوم دخلت أختي ضحى تقول لي بفرحة أنها عرفت مكان يعقوب خرجت مسرعا معها وذهبنا إلي المكان الذي بالفعل وجدت فيه يعقوب ولم أصدق ما رأيت