فأنبتنا به حُبًّا.. ليس كمثله شعر
ناصر أبو عون
هذا الديوان وإن كنت قرأته قصيدة بعد أخرى قبل نشره إلا أنني في هذه التوطئة أراه لم يأخذ حقه من النقد ولم يلتفت قاريء متمرس إلى درره السنية، ولم يقف ناقد متفحصٌ على نواصي قصائده البهية، ولم يتأمل لغوي حاذقٌ في مفرداته السجية إلا وأثنى، وترك حبل العشق الشجيّ على غاربه، وفك لجام نفسه القابضة على جمر اللغة، وتركها ترعى في مفاوزه.
الشعر في هذا الديوان عتبة الجمال المعرنصة بسفيساء الموسيقى، والكلمات المزخرفة المطبوعة، والصور المونقة، والأفكار المتحاورة، وتتوضأ الصور على نهر العشق، من أدران الصنعة، وترتدي ثوب البهاء وتتراقص مزدانة على أبواب القصيدة، ويختال الإبداع على مفرق اللغة، وتزهو المعاني في ديباج الكلمات.
هذا الشاعر لم يتعلّم رصّ الكلمات، بل تفتقت روحه عن ذائقة رحبة، تتسع لكل ألوان القصيد ما خلا النثر، وعندما تقرأ له تجد نفسك في قارب يتراقص طربا على موج الشعر، وتتشنف الآذان للمجاديف وهي تعزف لحن الوفاء للغة الضاد اليتيمة على صفحة الماء، وترقص الطبيعة في خيلائها بين محاريب الجمال.
على المصري شاعر يغمس سن قلمه في محبرة القلب، ويكتب شعره دما على صفحة الروح، وينحت تصاويره الشعرية بإزميل لغويّ يترقرق شعرا ينحت في المخيلة، وشعورا جياشا، يتراكم في النفس المطبوعة على عشق الجمال.
في هذا الديوان أو الحديقة الشعرية المزهرة سيجد كل قاريء بغيته، ويستطيب الرحلة بين دفتيه، ويترك لخياله العنان ليرمح في براح دهاليزه الشائقة، ويترجّل في أحواضه الصافية، ويسرج خيله حيث الرحلة البهيّة في عوالم لا نهائية من الجمال وثريات اللغة.