ولن أحب سواها (1)
شرين خليل | مصر
أنا هادي،
إسمي هادي ويتسم طبعي أيضا بالهدوء ،فأنا حقا إسم علي مسمي ،والسبب في ذلك أنني نشأت في جو أسري يسوده الهدوء والدفء ، في إحدى القري الصغيرة
أبي من أثرياء القرية..،، على الرغم من هذا الثراء إلا إنه كان في قمة التواضع والبساطة…. و كان مهتما جدا بالتعليم ، دائما يقول لنا التعليم أهم شيء، التعليم هو سلاحكم ،وأنا لن أقصر معكم حتى لو تتطلب الأمر السفر للدارسة في الخارج ..
وبالفعل لم يقصر أبي معنا وأصبحنا جميعا في مراكز إجتماعية مرموقة حتي إخوتي البنات حصلن علي أعلي الدرجات العلمية ..
وأنا شغلت منصبا مرموقا وهاما جدا برغم صغر سني ،فبفضل الله وبفضل أبي كنت متفوقا جدا في دراستي وفي عملي والجميع يشهد لي حسن الخلق ودماثة الأخلاق.
تعلمت معنى المودة والرحمة داخل أسرتي من خلال معاملة أبي لأمي التي كانت تري فيه الطيبة والحنان والرجولة ……ولكن هذه الطيبة التي ورثتها جعلت زوجتي ترفض أن تعيش معي و تطلب الإنفصال….
فلقد عرفت زوجتي عن طريق أم زوجة أخي، بعد زواج أخي بعدة أيام جاءت أم زوجته ، وقالت : عندي عروسة جميلة جدا تناسب هادي .. بنت أختي… عروسة تشبه البدر في الجمال .وهي فعلا كما قالت وكما وصفت كالبدر في ليلة التمام .بالطبع وافقت وفرحت بها جدا وتمت الخطبة في وقت وجيز .
كنت ألبي لها كل طلباتها . أشتريت لها شقة في إحدى المدن الكبري لإنها تريد أن تكمل دراستها العليا و تحصل على الماجستير والدكتوراة …
لم أرفض لها طلبا قط فأنا أوافقها الرأي دائما وأحاول أن أرضيها حتى أجعلها سعيدة كما كان يفعل أبي مع أمي ولكنها كانت دائما تقول لي أنت ضعيف ومنعدم الشخصية …
تزوجنا و مرت الأيام و أنجنبا طفلة جميلة مثل أمها كنت سعيد جدا بها ولكن بدأت الخلافات تزداد يوما بعد يوم بسبب شخصيتي التي تراها ضعيفة على الرغم من مركزي الإجتماعي المرموق….. فهي تريدني أن أتعامل مع الناس بغرور وتكره حبي لأبي وإرتباطي بأمي وتتهمني بأنني لا أستطيع فعل شئ أو إتخاذ قرار بدون الرجوع إلى أبي ودائما تنتقد كل شيء أفعله حتي وصل بنا الحال أنها طلبت الإنفصال حاولت إرضائها بشتى الطرق لكنها أصرت علي طلب الإنفصال وهددتني برفع القضايا إذا لم أوافق على طلبها…
وافقت فأنا لا أريد المشاكل من أجل إبنتي وأيضا من أجل منصبي فكيف لرجل مثلي أن يوضع في مثل هذا الموقف ..
تم الإنفصال في هدوء وأخذت كل شيء الشقة والمال ، لم أهتم بهذة الأشياء المادية فإبنتي هي عندي الأهم.
أذهب لها لكي أراها وأهتم بها ، ولكن للأسف الشديد فأم إبنتي قلبها ممتلئ بالقسوة فلقد زرعت بداخلها الخوف والكره لي حتي لاتتعلق بي وتتركها وتأتي لتعيش معي .
مرت أيام وشهور و تفاجأت بخبر زواجها وتركت البنت مع والدتها وسافرت إلى إحدي الدول الأوربية مع زوجها لتكمل دراستها.
و في يوم ذهبت لكي أري إبنتي ومعي الألعاب وكل شيء يحبه الأطفال ولكنها رفضت أن تقابلني وعندما حاولت أن أدخل لها غرفتها صرخت في وجهي….. قالت لي جدتها :معلش يابني أصلها لسه صغيرة ومش متعودة عليك .
مرت على أيام صعبة ومرضت نفسيا … و قال لي أبي: لازم تخرج من الأزمة دي وتتجوز والبنت مصيرها هتكبر وتعرف الحقيقة وتجيلك يابني لازم تعيش حياتك وكل شئ في الدنيا دي نصيب وأنت مقصرتش في حاجه .
وبدأوا في البحث عن فتاة مناسبة للزواج مني … وأخبرتني أمي أنها وجدت الفتاة التي ستعوضني عن كل شئ فقدته ، فهي فتاة ممتازة وكما قالت لي أمي: بنت أصول كانت غايبة عننا فين يابني مع إنها ساكنة جنبنا . دي عوض ربنا لك أحسن من اللي كانوا داخلين علي طمع ومش بيفكروا غير في الفلوس وبس .
تمت الخطبة فهي حقا فتاة علي خلق ورائعة ولكن بداخلي شيء منكسر .فأنا حزين وخائف من التجربة .
بدأت في البحث عن شقة في المدينة التي تتبع لها قريتنا ووجدت شقة في مكان مميز يليق بمركزي الإجتماعي وبدأت في تجهيزها …
وذات يوم بعدما إنتهيت من العمل ، ذهبت لشقتي الجديدة لأتابع العمال . وأنا خارج من العمارة وجدت فتاة تدخل العمارة. لا أدري ماذا حدث لي عندما رأيتها فلم أشعر بهذا الشعور من قبل … رجعت وتتبعتها حتى دخلت ووقفت أمام المصعد كانت تتحدث في الهاتف عن عملها كنت أحاول أن أفهم أي شيء عنها من كلامها في الهاتف دخلت المصعد، دخلت معها وإنقطع الإتصال فتوقفت عن التحدث في الهاتف …فتحدثت لها وقلت لها : أنا جاركوا الجديد نظرت لي وكأنها تفاجأت بوجودي ولم ترد علي كلامي وعندما توقف المصعد وهمت بالخروج. قلت لها: أنا زفافي أخر الشهر إن شاء الله …..نظرت لي وقالت :ألف مبرووك …وخرجت …
بدأت في مراقبتها حتي أعرف من هي …سألت عنها حارس العمارة قال لي : الدكتورة مروة ساكنة هنا هي وأمها وولادها، أنا جديد هنا ومعرفش حاجه عنها غير كده هي مابتكلمش حد وفي حالها وبتخاف علي ولادها جدا …..سألته يعني هي متجوزة ؟ رد وقالي: أنا سألت ولادها في يوم كنت بوصلهم للأساسنسير عن باباهم قالولي إنه مات في حادثة …..
حاولت أعرف منه مكان عملها لكن دون جدوي فهو لا يعرف شئا أكثر مما أخبرني به.
راقبتها وعرفت أنها طبيبة أطفال وعرفت أيضا مكان العيادة .وكنت أنتظرها أمام المصعد في موعد عودتها من العمل حتي تسنح لي الفرصة أن أتحدث معها ولكنها كانت لا تبالي ولا تنظر حتي لي .
وفي يوم خطرت ببالي فكرة عندما أخبرتني أمي بأن بنت أختي مريضة وتريد أن تذهب بها إلي الطبيب.
أخبرتها أنني سأذهب معها فأنا أعرف طبيبة ممتازة وأخذت إبنة أختي لطبيبة الأطفال ،دكتورة مروة ، وكنت في منتهي السعادة .،.لا أصدق أن الفرصة قد أتيحت لي بمنتهي السهولة …..
دخلت غرفة الكشف بإبنة أختي وكانت معي أختي طبعا ، والغريب أنها تذكرتني ورحبت بنا وقامت بفحص الطفلة في هدوء وحب فهي حقا رائعة ولكنها لم تتحدث معي كثيرا …فكلامها كان بشكل رسمي …
خرجت من الغرفة فوجدت السكرتيرة تنادي علي وتعطي لي ثمن الكشف وقالت لي هذا أمر الدكتورة ..،..شعرت بالحرج ورفضت بشدة ولكني إنتهزت الفرصة لأسألها عنها وكانت المفاجأة أنها قالت لي: الدكتورة مروة مش متجوزة ماإتجوزتش أصلا …..شعرت بسعادة عارمة وكنت أريد أن أتكلم معها أكثر لأسالها عن أطفالها ولكني خفت أن تشعر أختي بإهتمامي بها..
ذهبنا إلي قريتنا وجلست في غرفتي أفكر وكأني في عالم أخر …مشغول وحائر …ومندهش من تصرفاتي ….أحتاج لأي شخص أتحدث وأفضفض معه هل قرار خطوبتي كان قرارا خاطئا ؟؟ هل كان نتيجة الأزمة التي كنت أمر بها ؟ شعوري بظلمي لهذة الفتاة يقتلني ، فأنا لم أكن يوما ما قاسيا أو ظالما فمهنتي هي إقامة العدل والحفاظ علي حقوق البشر ..داخلي صراع بين عقلي وقلبي وأنين روحي ولا أدري ماذا أفعل .. وهناك أيضا سؤال يراودني من هؤلاء الأطفال؟ ولماذا تهتم بهم ..هناك شيئا غامضا ولابد أن أعرفه ..
طرقت أمي الباب ودخلت وقالت لي : مالك يابني فيك حاجة متغيرة وكمان بقالك كام يوم مش بتكلم خطيبتك وهي إشتكت لي ….رديت عليها : أنا بس مرهق من تشطيب الشقة وبعدين هي خطيبتي هاتبدأ تشتكي من دلوقتي ،أنا شكلي هاتعب معها هي كمان أنا أستعجلت يا أمي في قرار الخطبة والزواج نظرت لي أمي بدهشة وقالت لي : إيه الكلام اللي بتقوله ده إستعجلت إيه دي عروستك دي مفيش زييها ..بقولك أيه يابني إخزي الشيطان وفوق لنفسك كده ..،.ويلا قوم روح لخطيبتك شويه ..،،
_مش هاقدر يأمي أنا تعبان, هانام وبكرة أبقي أروح لها .،،،
وفي اليوم التالي وكالعادة ذهبت لأتابع العمال ووجدت نفسي أمام شقة مروة وفكرت أن أطرق الباب …فأنا أعلم جيدا أنها في العيادة ولكني وجدتها فرصة أن أزور والدتها وأعرف عنها كل شئ وقبل أن أطرق الباب…. أرسلت الحارس وأستئذن من والدتها .
ورحبت بي والدتها وكلمتها عن نفسي وحكيت لها قصتي وبدأت تتكلم معي إلا أن دخلت مروة …فلقد عادت من عملها مبكرا علي غير العادة..،
تجاهلتني تماما وتحدثت إلي والدتها وكأنها لا تراني ..،،،.
قالت لها والدتها: مش تسلمي يامروة علي جارنا الجديد ….نظرت لي وقالت : بتهيألي عيب اللي حضرتك بتعمله دا …أوعي تكون فاكر إني مش واخدة بالي وعارفه كويس إنك بتراقبني وسألت البواب عني والسكرتيرة ….وكمان جاتلك الجرأة إنك تيجي البيت .،،،.ونظرت لوالدتها وقالت : إزاي ياماما تدخلي حد غريب البيت وأنا مش موجودة ..،.أنا قولت ماتفتحوش لحد طول ما أنا بره ….رديت عليها وأنا أشعر بإهانة شديدة : أنا أستأذنت وأرسلت البواب قال لماما إني عاوز أزورها وأتعرف عليكم …..ردت بإستهزاء : دا عندكم في بلدكم الكلام دا …لكن عندنا هنا مفيش كده…أوعي تكون فاكر إني مقدرش أعرف أنت مين …لاء أنا عرفت عنك كل حاجه ،وياريت حضرتك ماتكررش اللي حصل دا تاني …..
قلت لها شكرا…وأسف للإزعاج وخرجت وأنا حزين وحائر ..
ماذا فعلت لكي أجد منها هذة المعاملة القاسية ؟….تعبت جدا ومرت علي أيام وأنا مريض …ولكني أريد أن أتحدث معها .،،، لا أريد أن أخسرها ….فأنا أحببتها …، نعم أحببتها ..لأول مرة في حياتي أشعر بهذة المشاعر ……حتي قسوتها عليا لم تغير من إحساسي بها ، لا أدري ماذا يحدث لي عندما أراها قلبي ينبض بحبها وعقلي منشغل بها ،صورتها لا تفارق خيالي ..لن أتركها سأذهب إليها وأخبرها بما في داخلي من أشواق وحنين .
إنتظرتها كالعادة في موعد عودتها من العيادة وناديت عليها وأنا خائف من ردة فعلها …
….دكتورة مروة…
وقفت وإلتفت لي وقالت : نعم ..
_ممكن أتكلم معاكي ،أرجوكي ماتفهمنيش غلط وأنا أسف إذا كنت ضايقتك ،أتمني توافقي…..
_ ممكن طبعا حضرتك جارنا ممكن تشرفنا بكره في البيت ونتكلم مفيش مشكلة ،
هانتظرك بعد ما أخلص شغل وبتهيألي إنت عارف مواعيدي ….
شعرت بالخجل من نفسي فهي تعلم جيدا أنني كنت أراقبها وأصنع الصدف لكي أتقابل معها أمام المصعد لن أبرر موقفي الأن وغدا سأشرح لها كل شئ .
أثنيت عليها وودعتها وتركتني وذهبت ووقفت أراقبها حتي توارت عن أنظاري .
كدت أطير من الفرحة .
أشدو بأغاني الحب وأنا في سيارتي في الطريق إلي قريتي ،أين ذهب الوقار والهيبة ، ماذا فعلتي بي ياطبيبتي؟ فأنا أمامك طفل صغير يحتاج إلى الدواء .
إنتظرت الموعد علي شغف،أرتب كلماتي …وأتخيل نفسي وأنا أتحدث معها ….كنت في عالم آخر .
حتي جاء الموعد وذهبت …،ووجدتها تنتظرني هي ووالدتها …..
وبدأت معها الحوار :