توأم الروح والرومانسية بين الخيال والحقيقة العلمية
د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية
يرتبط الحب بإحساس بشرى محبط أسمه “الوحدة” ، وهو مفهوم فلسفي ونفسي طرحه الفلاسفة من قديم الزمن. وكان “الوقوع” في حب شخص آخر هو الطريقة المنطقية لمحاولة التقليل من الطبيعة المحبطة لهذا المأزق الوجودي. حيث يبحث الإنسان عن النصف الآخر من روحه “توأم الروح”، ليشكل اتحادًا يجعله كاملاً ومستقراً.
مهمة البحث شاقة، وقد تترك أولئك الذين يبحثون عن شريك يتساءلون متى سيقابلون ذلك الشخص المميز؟.
السؤال المحير؛ هل لدى كل منا توأم روح حقيقي واحد فقط، هو ذلك الشخص المناسب تمامًا لجميع إهتماماتنا وقيمنا، والملائم لكل حسناتنا وعيوبنا وجنوننا؟ وإذا كنت الآن — وبالفعل تعيش مع هذا شخص وتعتبره مميزًا ، فكيف تعرف أنه هو “الأنتيم الأوحد” حقًا؟
سواءً أكنت فى مهمة البحث عن توأم روحك، أو لازلت تتساءل ما إذا كان هو بالفعل ذلك الشخص الذى تود أن تشاركه الحياة، فإن هناك شيء واحد مؤكد – أن جميع الإحصائيات الرياضية ليست في فى صالحك!.
نظرية الاحتمالات وجدت أنه من المستحيل تحديد توأم الروح بمصطلحات علمية قابلة للإختبار. بالرغم من ذلك فإن راندال مونرو، المهندس بوكالة ناسا، وضع نموذجًا رياضيًا لدراسة إحتمالية أن نلتقي بشخص معين، نفترض انه يناسبنا سنًا، ويعيش الآن فوق هذا الكوكب المزدحم بالناس. فمن بين قائمة تشمل 7.5 مليار من المرشحين، يمكن ان نقابل توأم الروح من بين 500 مليون شخص مناسب فقط. ويقترح الباحث افتراضًا جدليا؛ إذا حاولت أن تبحث من بين حوالي 15 شخصًا غريبًا كل يوم، فيلزم ان تعيش 10,000 عام حتى تقابل رفيق روحك الحقيقي مرة واحدة فى الحياة!.
إذن، هل يجب أن نستمر فى البحث عن توأم روحنا؟ أم أنه وجب علينا تغيير منهجنا فى البحث عن الحب الحقيقى؟
تشير بعض الدراسات النفسية إلى أنه “حتى” مجرد التفكير في شريك حياتك على أنه “توأم روحك”، قد “يضر” بعلاقتك الحالية أكثر من أن يفيدها. على سبيل المثال ، هؤلاء الذين يداومون إستخدام “توأم الروح” لوصف شريك حياتهم، كثيرًا ما يحسون بمزيد من التوقعات العالية والتى تؤدى إلى التعاسة والشقاء في علاقاتهم. وتفترض الدراسة أنه ربما “الفكرة” بوجود شخص “مثالى” فقط من أجلك فى الحياة يضر بالعلاقة نفسها ، لأن كل خلاف صغير “معه” يمكن أن يزرع بذرة الشك وخيبة الأمل ويؤجج الخلاف؛ ويعيق التسامح بعد الشجار بمنطق ان توأم الروح شئ فريد جداً و “يجب أن يعرف ما يزعجك دون أن تضطر إلى إخباره بذلك!” ، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الكرب، ويزيد من حدة النزاعات.
على النقيض من ذلك، فإن نجاح العلاقة تكمن فى أغلبها فى الإرادة الحرة للشريكين، وتحمل المسؤولية بشكل مشترك. وقد يبدو الأمر غير رومانسي بعض الشيء ، لكن وجد الباحثون دليلاً واضحًا على أنه عندما يزداد الإيمان بالإرادة الحرة، تزداد معها أيضًا مشاعر الحب العاطفي والعلاقة الحميمة. لذا، يمكننا صناعة توأم الروح بشكل عملى وواقعى، مع شئ من تدريب الذات والتفاني والجهد والتفاهم. حيث يكمن سر نجاح أغلب العلاقات فى تعلم كيفية أن نكون أفضل تطابقًا وتجاوبًا مع الطرف الآخر مع مرور الزمن رغم ما نمر به من إخفاقات ونجاحات؛ أحزان أو أفراح.
كلمة أخيرة: إذا كنت تبحث عن العلاقة الصحيحة، فهى ليست كما تحبكها روايات وأفلام الرومانسية، لكن العلاقة الأكثر بهجة واستمرارية هي تلك التي ترعاها أنت بنفسك، حيث تكون قادرة على التطور من الحب العاطفي إلى الحب المصاحب – الذى يولد الكثير من الشغف، ويرتكز بشكل أساسي على صداقة عميقة بين بيننا. لا تسأل نفسك ، “هل حبنا لازال كما كان من قبل؟” بل بالأحرى أن تسأل نفسك، “هل صداقتنا تتعمق أكثر مع مرور الأيام ؟” الحب الحقيقى يلزمه وقت وقد يشبه إلى حد كبير أي هدف مهم آخر: ويأتي النجاح ربما مع قليل من الحظ السعيد ولكن أكثره يأتي بالجهد والعمل المستمر.