حَزْبَلة سلاح الجريمة
سهيل كيوان | فلسطين
الألغام التي تزرعها السّلطات في طريق جماهيرنا الفلسطينية في الداخل كثيرة، بعضها ينفجر كل بضعة أيام، ويؤدي إلى ضحايا وجرحى أو قتلى ومحبطين ويائسين ومكتئبين وشعور بالعجز والضعف، وبعضها بعيد المدى ذو ثقل إستراتيجي يدخل في الحساب الكَيْفي لوجودنا في وطننا، أي إبقاءنا مع مواطنة ناقصة، ويذكِّرُنا بأن هناك من لم يسلِّم باستمرار بقائنا في وطننا حتى الآن، وتطورنا الطبيعي فيه.
دائما تملصت السلطات من محاربة العنف واتهمت جمهورنا بعدم التعاون.
ورفضت استخدام قدراتها وصلاحياتها للجمه، والآن زرعت لغمًا جديدًا.
قيادات في الشرطة والمخابرات العسكرية اتهمت حزب الله بأنه يهرِّب السلاح إلى فلسطينيي الداخل من خلال رؤية إستراتيجية للحزب، بأن هذا السِّلاح سوف يوجَّه إلى الإسرائيليين عندما تحين لحظة الحقيقة، أو ما يسمُّونه يوم الدين، وهي المواجهات بين العرب واليهود التي ترى السّلطات أنها قادمة لا محالة، كما حدث في أيار الماضي، وبهذا الادعاء تضرب السلطات عدة عصافير بحَجرٍ واحد.
أوّلا، لا شك أن تهريب السِّلاح من لبنان إلى فلسطين هو حقيقة عمرها عشرات السنين ومنذ القِدَم، أما القول إن 95% من السّلاح المهرب إلى الداخل يأتي من لبنان، فهو رقم مشكوك فيه، لأن التهريب من معسكرات الجيش الإسرائيلي له حصة معتبرة.
هذا التهريب هدفه الأول والأخير هو الرِّبح، ولا توجد أي أهداف سياسية وقومية من تهريب الحشيش والهيروين والكاوكائين والسِّلاح، فأول الضحايا من العرب، ويتساوى بهدف الربح المهرب اللبناني واليهودي والفلسطيني، سواء من معسكر الجيش الإسرائيلي أو من لبنان أو من صحراء سيناء أو عبر غور الأردن. من يهرّب يسعى للربح بغض النظر بماذا يستعمل هذا السلاح. المهربون بالذات لا يريدون أي خلل في العلاقة بينهم وبين زبائنهم، ولا يريدون تسييسها أصلا، لأن هذا يعني تشديد الرقابة على نشاطهم، ولهذا فهم حريصون على أن يبقى الأمر في نطاق الجريمة، والعرب سوق تستوعب هذه الأسلحة المهربة، لأن معظم اليهود مسلحون بصورة مرخصة، فلا حاجة لشراء مُهرَّب إلا لدى عصابات إجرام على نطاق ضيِّق.
النيّة في إزاحة الهدف التجاري الجنائي من هذا التهريب وحشره في مربّع عسكرة التحركات الاحتجاجية للعرب أو حتى المشاركة في مواجهة محتملة بين حزب الله وإسرائيل يخفي وراءه نوايا سيّئة جدًا، أولها وأخفُّها، التنصل من مسؤولية انتشار السلاح والعنف وجرام القتل، وثانيها إزاحة السِّلاح من نشاط جنائي إلى خانة النشاط العسكري السياسي، وهذا اتهام خطير، فيه تحريض ضد المطالبين بلجم الجريمة ومن يحمِّلون السُّلطات المسؤولية، وفيه رد على تساؤلات خارجية حول جدِّية السلطات في لجم العنف في المجتمع العربي.
حَزبلة سلاح الإجرام يكمن في المخططات الشيطانية التي تسعى لتجيير فوضى السلاح لتحقيق إستراتيجيات سياسية.
لا علاقة لنضال شعبنا في الداخل بالسِّلاح والمسلحين.
نضال شعبنا في الداخل سلمي ويرفض إدخال السلاح إلى معادلته النضالية لأجل حقوقه.
محاولة تجيير سلاح الجريمة لأجندات سياسية هو واحدة من سلسة طويلة من المؤامرات والدسائس المدروسة التي تحاك ضد شعبنا في الظلام.
يقصد من هذه الفِرية مراكمة المزيد من الذرائع لنزع شرعية وجود المواطنين العرب وبقائهم في وطنهم، فمن يتسلّح لمحاربة الدولة وقتال مواطنيها اليهود في لحظة الحقيقة كما يسمّونها، لا يستحق الحماية، ويستحق أن يغرق في دوامة العنف، كذلك فهو لا يستحق هذه المواطنة.
التجربة التاريخية مع هذه السلطات تفيد بأنها لن تتورع عن اختلاق حجج وادعاءات كاذبة لممارسة وتنفيذ خطط إجرامية بحقنا.
حَزبَلة سلاح الجريمة، هو أحد الألغام الخطيرة جدًا التي يتفنن مصممو السياسة الأمنية في إبداعها.
إذا كانت هذه المزاعم صحيحة بأن حزب الله، هو الذي يهرِّب السلاح النّوعي لأهداف عسكرية مستقبلية، فلماذا لا تضرب السلطات المجرمين وتجار السلاح بيد من حديد؟ ولماذا تعتقل الفلسطينيين المناضلين الحقيقيين حتى بدون محاكمات لسنوات، ولا تفرج حتى عن جثثهم! بينما يصول تجار السلاح ويجولون رغم أنهم معروفون للأجهزة الأمنية! ولماذا لا يتم التعامل مع مرتكبي جرائم القتل أو من يطلقون النار ويرهبون الناس بنفس الحزم والتشدّد الذي يمارس مع من يقومون برمي حجر وليس رصاصة على قوى الأمن، أو ضد رموز الاحتلال من المستوطنين!
لقد أخذتنا الجريمة إلى حقول ألغام كثيرة لضعضعة ثقة مجتمعنا بنفسه، أما الحَزبلة فهي لغم خطير جدًا، وشعبنا كما عوَّدنا قادر على تفكيكه، استعدادًا للَّغم الذي سيليه.