تحقيقات

لازال الجدال مستمرا حول المعراج لذكر القرآن الكريم الإسراء صراحة ولم يذكر لفظ المعراج

تحقيق: مصطفى على عمار

تتجدد كل عام في شهر رجب ذكرى عطرة عظيمة, وهي ذكرى ليلة الإسراء والمعراج… ودائماً يثار الجدل من بعض الناس حول المعراج وحدوثه معللين بأن ما ذكر في القرآن الكريم صراحة هو الإسراء من المسجد الحرام للمسجد الأقصى وليس المعراج إلى السماء…

مصطفى علي عمار

كانت بدايتنا مع الكاتب:عبد الحكيم عجاوي المقدادي, أحد الذين نفوا معجزة المعراج, للتعرف على خلفيات إنكاره لها قال: لا شك من وقوع معجزة الإسراء بالروح والجسد, وقد وردت بسورة كاملة من سو القرآن الكريم (سورة 17 – عدد آياتها 111) وقد حدد مكان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأصبح المكان معلوماً, وظلت الكيفية مجهولة, أما بالنسبة لحادثة المعراج فلا أصل ولا وجود لها ولو كانت هذه المعجزة قد حدثت بالفعل, لكان من الأولى ذكرها في القرآن! لأنها ستكون المعجزة الأعظم كما يروج لها أنها حدثت من المسجد الأقصى على الأرض وصولاً إلى السماء السابعة, مروراً بالسموات الست, وكل ما يروى عن هذه المعجزة “المزعومة” عارٍ عن الصحة, وبها مغالطات لا تليق بعظمة جلال رب العزة ولا بنبيه الكريم.

واستطرد قائلاً: من يقول بأن المعراج مذكور في سورة النجم! أرجو منه أن يأتي بالآية الكريمة التي يذكر بها كلمة المعراج لكوني عجزت عن إيجادها… فلا علاقة لسورة النجم بمعجزة مزعومة, إلاَّ إذا استندت لتأويلات من أرادوا إثبات ما لا يمكن إثباته, وكأنهم يقولون ضمناً أن رب العزة جل جلاله يخجل من ذكر كلمة المعراج صراحةً, وهي المعجزة الأعظم لو حدثت من معجزة الإسراء على عظمتها…

ويرد الكاتب الصحفي المصري الكبير أسامة الألفي على هذا الرأي بقوله: من فقد بوصلة الإيمان هو فقط من يشكك في حدوث الإسراء والمعراج، فهي إن كانت معجزة بالنسبة للبشر, إلاَّ أنها شيء هين بالنسبة للخالق المتعالى، وأسأله: ماذا تقول إذًا عن قوله تعالى: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ،ولقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”، كل هذا الوضوح وما تزال تشك؟

وأقول لناكري المعراج، بإنكاركم المعجزة فأنتم تنكرون بالتالي فريضة الصلاة, وكيفيتها لأنها فرضت في المعراج ولم يذكر القرآن كيفيتها، وتنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمَّ أنبياءً سبقوه بمئات السنين في الصلاة, أنبياء من أزمنة وأمكنة مختلفة، فكيف أمهم إذا لم يكن عرج على السماء.. ليسأل كل منكر نفسه: هل الذي خلقه من لا شيء وخلق الكون في نظام بديع هل يشق عليه الاتيان بمثل هذه المعجزة اليسيرة؟

واختتم كلامه قائلاً: إن الغيبيات والخوارق التي لا تدرك بالحواس، لا ينبغي أن تخضع لتحكيم العقل الذي لا يدرك سوى المحسوس، فالمعجزات فوق قدرة العقل البشري لمحدوديته، فيما هي هينة على قدرة الله غير المحدودة، والتي ندركها فقط بالإيمان والتصديق النابع من قلب.

ألم يسأل هؤلاء أنفسهم: أليس من قدر على أن يسري بعبده مئات الكيلومترات في لحظة، قادر على أن يعرج به في السماء العلا؟ أم أنهم يريدون بإعترافهم بالإسراء, إلا أن نشك في أسباب عدم تصديقهم للمعراج، وما قولهم بالأحاديث الشريفة التي رواها صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وجميعها تؤكد حدوث المعجزة.

ويتعجب الباحث محمود عبد العال من هؤلاء المشككين قائلاً: خمسة عشر قرناً لم يشكك أحد في المعراج، لثبوتها بالقرآن والسنة، والأحاديث في صحيح مسلم لمن شاء أن يراجعها، والمحابر قد فنيت في إثباتها، لم تظهر هذه الأباطيل إلاَّ في زماننا هذا، نسأل الله أن يزيل الغشاوة عن البصائر والقلوب..

وبحسم يرد د. ياسر حسن أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب المنيا على دعوى أن القرآن لم يذكر المعراج كما ذكر الإسراء، قائلاً: من الشبهات أيضًا دعواهم أن القرآن لم يذكر حادثة المعراج كما ذكر رحلة الإسراء في فاتحة سورة الإسراء، وهؤلاء يتجاهلون أن الإسراء عنوان على هذه الحادثة من بدايتها إلى نهايتها، والمعراج تتمة لها، غاية الأمر أن في الآية إجمالًا فصلته الأحاديث النبوية، ومتى ذكرت إحدى الرحلتين منفردة دلت على الأخرى؛ لارتباطهما وشهرة ذكرهما معًا؛ وقد بوب الإمام البخاري في “صحيحه” لحديث المعراج بقوله: “باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء”، مع أنها فرضت في المعراج وليس الإسراء، فدل على أن استعمال اللفظ على هذا النحو مشهور عند أهل العلم؛ كما هو الشأن في الإسلام والإيمان.

أما ادعاؤهم الاكتفاء بالقرآن وحده آية دالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأننا في غنى عن النظر في غيره من الآيات، ولا سيما والكثير منها لم يثبت إلا بالطرق الآحادية التي لا تفيد القطع، فنقول: أما ما يتعلق بالأخبار وتواترها من عدمه فليس كل مسألة من مسائل العلم والمعرفة متواترة, وإلا لما سلم لنا من المعارف إلا القليل، بل إننا لو طبقنا هذه القاعدة على علم من العلوم التي مدارها على النقل؛ كالتاريخ والأخبار والآداب لما سلم لنا منها إلا أقل القليل.

وما بذله المسلمون في شأن توثيق الأخبار بالسند لم يوجد عن غيرهم من الأمم، فشروط صحة الرواية-من اتصال الإسناد، ونقل العدول الضابطين عن مثلهم إلى آخر السند، والحفظ، واليقظة، وعدم الغفلة، ونفي الشذوذ، ونفي العلة- ضمانات كافية؛ لترجح الصدق والصواب ترجيحًا قويًّا على الكذب والخطأ، وترجح الحفظ والضبط على جانب الغفلة والسهو.

ثم إن كان استبعاد هؤلاء المنكرين من جهة تحكيم العقل فقد فاتتهم الحكمة، إذ إن عبادة العقل هي الإيمان بالغيب، والغيب قد يكون مشتملًا على أمور كثيرة مخالفة للعادة لكنها داخل دائرة الإمكان العقلي، فالعقل لا يتسلط على الغيبيات بإنكارها عند أهل الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 2-5].

ومع ذلك فقد ثبتت بالقرآن, والدليل على معجزة المعراج من القرآن, قال اللهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ (النجم:18:1).

كما ثبتت حادثة المعراج بالأحاديث المتواترة، وهي في أعلى درجات الصحة جاءت بروايات عديدة في الصحيحين وغيرهما, منها ما رواه ابن شهاب وثابت البناني وقتادة وشريك بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه, وما جاء عن عديد من الصحابة رضي الله عنهم.و هذه الحادثة ثابتة ثبوت الشمس في ضحاها, مبثوثة في الصحيحين والسنن والمسانيد والمعاجم وكتب السنة عن جملة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يزيد عددهم عن العشرين.وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح (6/165): وكذلك صعوده ليلة المعراج إلى ما فوق السماوات وهذا مما تواترت به الأحاديث… وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: …. فمنها قصة المعراج وهي متواترة. انتهى.

ومن تلك الأحاديث المتواترة, حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه -وهو حديث طويل- وفيه:…. فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا… إلخ. وذكر أنه رأى في السماء الدنيا آدم عليه السلام, وفي الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهكذا…. والحديث رواه البخاري ومسلم.وكذلك حديث أبي ذر عند البخاري في كتاب الأنبياء وفيه: … فعرج بي إلى السماء…. إلخ. وحديث أنس أيضاً وفيه: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا.. وهو عند البخاري ومسلم.وهذه الأحاديث تفسّر ما هو موجود في القرآن الكريم، وهي ظنية الثبوت، ومنها ما خرج من الظنية إلى القطعية، ومن أمثلتها الأحاديث الواردة عن الصلوات الخمس، فالصلوات ليست موجودة في القرآن رغم أنها ركن من أركان الدين، ومنها عدد ركعات الصلوات، ومنها أن الوضوء قبل الصلاة وليس بعدها.

وحدثتنا الدكتورة شمس راغب عثمان, أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- الجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية, أستاذ بكلية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة- الجامعة الإسلامية بالولايات المتحدة الأمريكية-الفرع الرئيسي، عن الرحلة المحمدية في اللازمن لتؤكد حدوث المعجزة الكبرى. تقول ليلة الإسراء والمعراج ليلة غسلت فيها أحزان الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بعد عام الحزن، ليلة دخول الفرح والسرور على قلبه الشريف- صلى الله عليه وسلم-.وجاء ذكرها في قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, الذي باركنا حوله, لنريه من آياتنا, إنه هو السميع البصير” سورة الإسراء مكية الآية ١.

ولكي يقتنع الإنسان بما يدعو إليه الرسول, لابد من أشياء تثبت صدق الرسول، ومن ثم كانت المعجزات، المعجزة هي دليل صدق الرسول, وهي أمر لايمكن أن يفعله بشر، لأنه خارج قدرته، فهي من الله, قال تعالى: “قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم. وأرادوا به كيداً, فجعلناهم الأخسرين” الأنبياء ٦٩- ٧٠ وينبغي الإشارة إلى أن هناك فرقاً بين المعجزات المحمدية ومعجزات الأنبياء الآخرين، فمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى هي القرآن الكريم الذي يحوي المنهج التشريعي المرسل به الرسول، لتقوّم ما فسد، وهذا ما لانجده في معجزات الأنبياء الآخرين” عليهم جميعا السلام” وهذا هو الفرق بين المعجزات المحمدية ومعجزات الأنبياء الآخرين، فمعجزاتهم حدثت وشهدها أقوام محدودون، ثم انتهت بينما معجزة القرآن لا تنتهي. ومن المعجزات الحسية المحمدية معجزة الإسراء والمعراج, والتي أسرى فيها برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، ثم عرج به إلى السماوات العلا وما فوقهن، ثم رجوعه من ليلته وذلك تخفيفاً عن نفسه عما لاقاه من إيذاء قريش وإزالة الحزن من نفسه, لفراق عمه وزوجته خديجة رضي الله عنها، وبذلك كانت رحلة الإسراء والمعراج.

وقد جادل الكثير من أهل الباطل في رحلة الإسراء والمعراج! بل وحاولوا أن يشككوا في صدق هذه الرحلة, ليس الآن فقط بل وقت حدوثها أيضاً، فقد كذبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم أنه أسري به ليلة أمس من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, ثم عرج به إلى السماوات العلا ثم رجع وكل ذلك في جزء من الليل. ويقول العلماء في عصرنا الحديث: “ألم يكن الله تعالى قادراً على العروج برسوله إلى السماوات العلا مباشرة؟ نعم فالله قادر وله سبحانه القدرة المطلقة, والله يتصف باللاحدود, والمخلوق يتصف بالحدود, صعب على المحدود أن يدرك أمر اللامحدود، ومن ثم كان لابد من مرحلة تمهيدية تمثل مقدمة، حتى يقتنع المحدود، ومن ثم كانت رحلة الإسراء مقدمة لرحلة المعراج. وقد أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسري به, ووصف لهم ما وصف، وكانوا على يقين من صدق وصفه لأن أكثرهم رأى المسجد الأقصى، وقد أخبرهم رجال القافلة بما حدث معهم مما يؤكد صدق ما قاله، والصادق لا يكذب، فما دام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدق في رحلة الإسراء فهو صادق لاشك في رحلة المعراج “ وبتقدم العلوم ورحلات الفضاء والانتقال من كوكب إلى آخر بسفن الفضاء,لم يعد هناك أدنى شك في حدوث رحلة الإسراء والمعراج، فإذا كانت قدرة البشر قد أتاحت لهم الانتقال في الفضاء, وهم ذوو قدرة محدودة، فما بالنا بقدرة خالق هذا الإنسان؟!

ويتعجب الباحث أحمد إبراهيم الأزهري, باحث ماجستير في الدراسات الإسلامية, من منكري المعراج وزعمهم أنه لم يذكر في القرآن الكريم، يقول: ومن الذي قال أن المعراج لم يذكر في القرآن!! المعراج مذكور في سورة النجم وطالما ثبت المعراج في القرآن الكريم فقد بطلت دعوتك.

وتوضح أ.د. آمال محمد عبد الغني, رئيس قسم الدراسات الإسلامية كلية الآداب جامعة المنيا عضو المجلس القومي للمرأة فرع المنيا ووحدة مناهضة المنيا, وعضو مجلس الإفتاء بالأوقاف, الملقبة بفقيهة الصعيد, أن الرد على المنكرين تكّفل به رب العزة سبحانه وتعالى، إذ بدأت سورة الإسراء بمقام الألوهية للتنزيه سبحان ومقام العبودية للرسول صلى الله عليه وسلم, ثم في سورة النجم رد على كل المزاعم في كل زمان ومكان مازاغ البصر.. ما كذب الفؤاد..ما طغى..مع الإسراء والمعراج كان يقظة وجسداً وروحاً على مقام العبودية.

والسؤال أين فرضت الصلاة وفي أي مقام؟

هل تنكر البث المباشر من مشارق الأرض ومغاربها في لحظة واحدة على البشر المخلوق فكيف بالخالق للوجود؟ هل تنكر حركتك غير المحدودة بزمن ومكان في أحلامك مع عروج وهبوط أثناء نومك فكيف بالقدرة الإلهية؟ لا ينكر معجزة الإسراء والمعراج إلاَّ جاحد ومعاند كما أنكرها كفار قريش بعد وصف المسجد الأقصى لهم، أما عن الروايات, فقد روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ستة وعشرين صحابياً وصل حدهم التواتر ووقع الإجماع على وقوع معجزة الإسراء والمعراج فهي عظيمة القدر ومجهولة العين.

وبحسم يقول الشيخ أحمد علي النادي, مدير عام منطقة وعظ الجيزة ورئيس لجنة الفتوى والتحكيم بالجيزة: أجمع المسلمون على أنّ واقعة الإسراء والمعراج حقيقة قطعيّة ثابتة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، أما القرآن الكريم فإن الله تعالى قال في قصة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1]، وقال في المعراج كما في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)) [النجم: 13-18]؛ والمقصود بالرؤيا في الآية رؤية سيدنا محمد ﷺ لجبريل عليه السلام في المعراج.

وأما السنة فجاءت الأحاديث المستفيضة عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم تروي هذه الحادثة الشريفة، كما هو مثبت في الصحيحين، وهذا ما أجمع عليه المسلمون، وإن كان هناك بعض من العلماء -لا يُعول على رأيهم لمخالفة النصوص الشرعية وجماهير المسلمين- يرون أن المعراج كان بروحه دون جسده، وجماهيرهم على أنَّ الإسراء والمعراج كانا بجسده وروحه معًا.

وهذه الرحلة من القضايا الغيبية التي حُف بها رسول الله ﷺ بعناية الله ومعونته، كما هو جليٌّ في أول سورة الإسراء المتقدم ذكرها، ولا مجال في مثل القضايا (الغيبية) أن تخضع للمحاكمات العقلية التي يدَّعي فيها بعض المشككين معارضتها للقدرة البشرية؛ فذلك مدخل خطير يوصل إلى إنكار كل الغيبيات بشبهة معارضتها للتصور العقلي والقدرة البشرية. لم يترك العلماء ذكر أمثلة من الحياة الواقعية تنفي غرابة وقوع هذه الحوادث كالإسراء والمعراج وغيرها، كالإنترنت والفضاء الإلكتروني ونقل الصور والأصوات الحيّة من المشرق إلى المغرب في أجزاء من الثانية، وهذا يذكرونه من باب زيادة الإيمان واليقين لا أكثر، أما الأصل في عقيدة المسلمين أن المؤمن يسلم بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله مذعنًا لذلك خاضعًا له؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].

كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النَّجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتنَا) [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيات رَبِّهِ الْكُبْرَى) [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علومٌ، وأسرارٌ، ودقائق، ودروسٌ، وَعِبَرٌ. (الأساس في السُّنَّة، لسعيد حوَّى، 1/291)

يقول الأستاذ أبو الحسن النَّدوي: لم يكن الإسراء مجرَّد حادثٍ فرديٍّ بسيطٍ رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلَّى له ملكوت السَّموات، والأرض مشاهدةً، عيانا؛ بل -زيادةً إلى ذلك- اشتملت هذه الرِّحلة النَّبوية الغيبية على معانٍ دقيقةٍ كثيرةٍ، وشاراتٍ حكيمةٍ بعيدة المدى فقد ضمَّت قصَّةُ الإسراء، وأعلنت السُّورتان الكريمتان اللَّتان نزلتا في شأنه “الإسراء” و”النَّجم”: أنَّ محمّداً صلى الله عليه وسلم هو نبيُّ القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه، وفي إسرائه مكةُ بالقدس، والبيتُ الحرام بالمسجد الأقصى، وصلَّى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانا بعموم رسالته، وخلود إمامته، وإنسانيَّة تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزَّمان، وأفادت سورة الإسراء تعيين شخصية النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووصف إمامته، وقيادته، وتحديد مكانة الأمَّة التي بعث فيها، وآمنت به، وبيان رسالتها ودورها الَّذي ستمثِّله في العالم، ومن بين الشُّعوب، والأمم” (الأساس في السُّنَّة، 1/292).

وقوله جل جلاله: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ۝ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ۝ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ۝ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ۝ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ۝ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ۝ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ۝ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ۝ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۝ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ۝ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ۝ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ۝ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ۝ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 1-18].

ويقول الشيخ عبد الله المراغي في كتابه “أفضل منهاج في إثبات الإسراء والمعراج” (ص: 45، ط. مطبعة السنة المحمدية): [استدل القائلون بأنَّ المعراج ثابت بالقرآن الكريم، بآيات النجم معيدين بعض ضمائرها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال عروجه.. كما استدلوا أيضًا بهذه الآية من سورة الانشقاق: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: 19]. وهي أيضا مكية] اهـ.

ومما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ: لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ…إلى آخر الحديث».

وما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ««أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: َ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ عليه السلام، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا.. إلخ الحديث الشريف». فهذا طرف من الأحاديث التي أخرجها الشيخان في “صحيحيهما”

إن العقل لا يمكن أن يفهم إلاَّ ما تمده به الحواسُّ؛ لأنَّ الحواس هي روافده التي تمده بالمعلومات، وما دامت هذه الروافد عاجزةً عن استمداد مدركاتها من عالم آخر غير عالم الحس، فلا يمكن أن تمد العقل بعلم من غير عالمها، فالعلم بهذا الغيب سيظل مفقودًا حتى تصل الحواس إلى إدراكه، فإذا أدركتْه استطاع العقل أن يفهمه، ويحكم عليه، لا شك أن هناك أشياء كثيرة لا تدركها حواسُّنا؛ لأنها إما بعيدة عن منالها، وإما خارجة عن دائرة إدراكها، وهي في كلا الحالتين تعتبر غيبًا لا تستطيع حواسنا أن تصل إليه.

وما عجزتِ الحواسُّ عن إدراكه، يظل العقل عاجزًا عن فهمه، وجاهلاً به، فإذا تصدَّى للحكم أو كلَّفناه أن يحكم، كان حكمه خطأ؛ لأن حكمه قائم على غير علم.

ولنضرب على ذلك مثالاً من الواقع، فلو أن قائلاً قال للناس قبل أكثر من مائة عام: إن هناك في الكون سرًّا عجيبًا له نتائج متناقضة، حيث يكون في بعض الأجسام نور، وفي بعضها نار، وفي بعضها قوة وحركة، وفي بعضها حرارة، وفي بعضها برودة، وفي بعضها صوت، وفي بعضها صورة، وأحيانًا يكون دواء ناجح، وأحيانًا يكون موت صاعق، لو قال قائل هكذا قبل قرن من الزمان، هل يا ترى كانوا يصدِّقونه؟ وهل كانت عقولهم تؤمِن بهذا السر؟ بالتأكيد لا! ولكن حين كشف العلم سرَّ الكهرباء، ولمس الناس آثارها، وأدركتها حواسهم على ضوء التجرِبة والواقع, صدَّقوا وآمنت عقولهم بوجود هذا السر، فهل كانت الكهرباء معدومةً قبل أن يدركها الناس؟ أم كانت موجودة منذ أن خلق الله هذا الكون؟ ولكن العقل لم يكن يعرفها؛ لأن الحواس لم تكن تدرك آثارَها، فلما أدركتها الحواس عرفها العقل, إذًا هناك أسرار في الكون -حتى في عالم الماديات- لا تزال خافية على العقل، ولا يستطيع العقل أن يحكم عليها، وإنَّ فيما يكشفه العلم لنا كلَّ يوم من أسرار لدليل على أنَّ هناك أسرار لم تُكشف بعدُ، وقد يكون ما نجهله أكثر مما نعرفه، عرَفتَ شيئًا وغابتْ عنك أشياء، وكلما ازددتُ علمًا زادني علمًا بجهلي، وصدق الله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].

وما دام الأمر كذلك فكل ما لا تدركه الحواس لا يمكن أن يحكم فيه العقل، والحواس بطبيعتها مادية، لا تدرك إلا ما تحسه من عالم المادة، أما ما وراء عالم المادة -وهو عالم الغيب- فإنها لا يمكن أن تدرك منه شيئًا، فعِلم العقل بما وراء المادة عن طريق الحواس أمرٌ غير ممكن، وحكمه عليه لا يمكن أن يكون صادقًا أبدًا، ومن أجل هذا كان العقل غيرَ صالح لأنْ يحكم في مسألة الإسراء والمعراج؛ لأنها من عالم الغيب الذي لا تدركه الحواس.

فمِن أي طريق إذًا يأتي للعقل علم ما وراء المادة؟ لا يمكن أن يكون ذلك إلاَّ عن طريق السمع، من طريق السمع وحده لا من طريق غيره، وذلك بأن يُتلقَّى الخبر عنه من صادقٍ أمين، له قدرة على الاتصال بما وراء المادة؛ أي بعالم الغيب، وهذا لا يتأتى إلاَّ للأنبياء والمرسلين، وهم صادقون فيما يقولون، أمناء فيما ينقلون ويبلِّغون من هذه الأخبار؛ لأنهم يتلقَّوْنها عن طريق الوحي الإلهي عن الله وهو أصدق القائلين، الذي وحده يحيط بعالم الغيب.

وكان الختام مع الواعظ بالأزهر الشريف بالمنيا, الشيخ أسامة ربيع الذي قال: إن رحلة المعراج ثابتة بالقرآن الكريم أيضا في سورة النجم حيث بين سبحانه وتعالى فى أول سورة النجم فقال عز وجل؛(ذو مرة فاستوى. وهو بالافق الأعلى. ثم دنا فتدلى…) إلى أن قال (عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى…..) فهذا يدل على ثبوت المعراج لأن سدرة المنتهى من المعروف أنها في السماء السابعة ولذلك قال جل وعلا (لقد رأى من آيات ربه الكبرى…) إذاً الإسراء والمعراج قد ثبتا بالقرآن الكريم, ومن قال غير ذلك فقد أنكر ما جاء فى القرآن الكريم.

ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى رحلة المعراج معجزة عظيمة, حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى فى خلق السماوات وما فيها من نجوم وأفلاك ما يحتار العقل فى إدراكها, ولقد رأى من خلق الملائكة وما أعدَّ الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة من النعيم, وما أعد لأهل النار من العذاب, فهذا كله يدل على عظم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزة تدلل على صدقه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى