فتاوى في باطنها العذاب

أ. د. هدى مصطفى محمد
أستاذ بكلية التربية – جامعة سوهاج
تقوم الأسرة كأي مؤسسة على مصادر تمويل رسمية ومصادر أخرى غير رسمية، ويمثل دخل الرجل المصدر الرسمي للتمويل قل أو كثر سيكون الإنفاق لتحقيق أهداف وسياسة الأسرة حسب حجم هذا الدخل، فإن قل فهو قادر على القيام بالمقومات الأساسية، وتكاد تنعدم الكماليات أو الجوانب التي تعدها بعض الأسر من الجوانب الترفيهية. وإذا زادت تجاوز الأساسيات إلى الكماليات فتصبح الرحلات والتنزهات على سبيل المثال من الأنشطة البارزة في حياة الأسرة، والولائم التي تقام بين الأهل والأصحاب سمت عادي في هذه الأسر .
ويكون بعد ذلك الإنفاق غير الرسمي وهو ما يأتي من دخل المرأة. أينما كان مصدر هذا الدخل راتب عن وظيفة أو من ميراث وخلافه، ولا يمكن إنكار الدور الكبير لهذا النوع من الإنفاق فهو يؤثر بدرجة كبيرة على مستوى معيشة الأسرة. وهذا الدور لم يظهر حديثا مع خروج المرأة للعمل بل كان من قبل؛ فكانت المرأة ولاسيما في القرى تمثل قوة اقتصادية في بيتها فهي تمتلك ثروة حيوانية ذات قيمة ، فهي تشرف على تربية الطيور والمواشي بأنواعها. فقد كانت البيوت مترامية الأطراف متعددة الطوابق. ولا يعلم الرجل كم أو كيف كل هذه الثروات المنزلية . وكان التجار يمرون على البيوت وتقوم المرأة ببيع منتجاتها الزائدة عن استخدام أسرتها والهدايا ، وشراء ما تبغي من ملابس وتجهيزات لمنزلها ومصوغات لها ولبناتها. وتتم كل هذه الأمور والرجل يغض الطرف عنها و يجد في ذلك أمراً طيبا وتوفيراً لقدر كبير من الأموال وهو سعيد بذلك، بل وقد يجد الزوج عندها الملاذ عند الحاجة ليجد من هذا المصدر غير الرسمي الكفاية وقت زواج البنات، والذي يكتشف في وقتها أن البنات يمتلكن كثيرا من الأشياء الضرورية وقد يزيد إلى امتلاك بعض المصوغات، فتذهب البنت من بيت أبيها بشكل تشرف والدها ويرى الرجل في زوجته قوة اقتصادية داعمة ومساندة له داخل وخارج المنزل.
وتستمر البيوت في هدوء وسكينة وتواد، ويقوم الرجل بالإنفاق الرسمي والمرأة بالإنفاق غير الرسمي ولم يغير خروج المرأة للعمل هذا الدور بل زاد من تأثيره . فراتبها الثابت سند لزوجها أحيانا في الإنفاق الرسمي ، ودائما مع أبنائها في الإنفاق على ما يسعدهم ويزيد عن متطلباتهم الأساسية التي يوفيها الأب. وبالطبع أن ذلك حسب دخل الزوج فإن قل زاد الإسهام على المستوى الرسمي وإذا كثر زاد في الإنفاق غير الرسمي للتوسعة على أبنائها.
إلى أن كثرت الفتاوى وانتشرت بأن المرأة غير مكلفة ولا ملزمة بالإنفاق في الأسرة وأن المسؤولية كاملة على عاتق الرجل فهو المطلوب منه الإنفاق على الأسرة بما فيها الزوجة نفسها. وهنا وجدت بعض النساء حتى هؤلاء اللاتي لسن من متابعات الفتاوي والأحكام الدينية وقد تكون معلوماتهن الدينية محدودة حتى أنها لا تعرف الفرق الإدغام و الإظهار وبما تتعلق هذه المفاهيم ومدى ارتباطها بالإسلام.
ويعزز رجل الدين فتواه بأدلة وشواهد أن الذمة المالية للمرأة منفصلة عن الرجل وهذا ليس بالأمر الخطأ فلست ممن ينكر ذلك بل يدعمه. ولكن انفصال الذمة المالية للمرأة لا يعني أنها تنفصل عن الأسرة فلا تستفيد الأسرة من عملها للرفع من مستواها . ولعل السنوات الأخيرة ومع ارتفاع الأسعار التي لا يقابلها نفس نسبة رفع في الرواتب، أصبح الرجل الذي كان يرضى بعدم مشاركة زوجته في مصروفات الأسرة يتضرر من ذلك ولا يجد من ينجده، فإذا طلب منها العون فهو طامع في دخل زوجته .وإن سكت فكيف يدبر نفقات أسرته ؟ ومن يعينه ؟ والغريب أن الزوجة ترى وتسمع ولكنها تتجاهل كل هذا الأمر. ولا ترى في ذلك أي ذنب أو حاجة إلى التفكير والتدبير . فالرجل من سعى للزواج وهو من طرق الباب. فليتحمل جزاء سعيه وطرقه أبواب الناس حتى يواتيه الأجل . ولا يصيبها أي قلق في أن تراه يقترض للوفاء بمتطلبات الأسرة متناسية قوله صلى الله عليه وسلم بأن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار .
وهنا وقفة وتأمل: أين شيوخنا الكرام أصحاب الفتوى بأن المرأة غير مكلفة بالإنفاق على الأسرة.
إن ما تفعله بعض النساء هو إثم و ذنب كبير في حق أسرتها ،فهناك بعض الفتاوى في ظاهرها الرحمة بالمرأة على أنها الجانب الضعيف ولكن في باطنها العذاب والبلاء لبعض الأسر. فالبلاد تعيش أزمة اقتصادية وبعض الرجال فشلوا في توفير متطلبات الحياة الضرورية، وما زالت الفتاوى تؤكد وتقول للمرأة بأنها غير مكلفة. يجب تفصيل الحالات فالفتاوى لا تنفصل عن الواقع المعيش فبعض الأسر تصبح مشاركة المرأة ضرورة وواجب. والمشكلة الأكبر أن هؤلاء النساء بدورهن كأمهات تشرف على تربية البنات بنفس التفكير والقناعات المختلة والتي تضمن استمرارية الأسر المتفككة فكرياً .
وهنا دعوة لرجال الدين لتقديم الفتاوى الصحيحة فقد أصبحت مشاركة المرأة من الضرورة في هذه الأيام وإن كانت الضرورات تبيح المحظورات فدعونا نجعل من مشاركة المرأة في الإنفاق على الأسرة من المحظورات المباحة هذه الأيام لأن المشاركة أصبحت ضرورة . ولولاها لأنكشف ستر بعض الأسر وبرز عوز بعضها الآخر .
الأسرة تبنى على التواد والتراحم فكيف يكون التواد والتراحم بين أطراف متنافرة وتسعى لمصالح مختلفة فيجب أن يكون للأسرة هدف واحد يسعى جميع أفراده إلى تحقيقه. ولعله من أبسط الأهداف التي تسعى إليها الأسر جميعا هو العيش في هدوء وستر وسعادة.
ولعل تحقيق هذا الهدف لا يتم إلا بالتعاون والحب والعطاء كل حسب قدراته وجهده، ولتجعل المرأة من نفسها حكما على مدى حاجة أسرتها للمشاركة من عدمه، هي الأقرب للأبناء ومتطلباتهم ، ويحلو لي أن أطرح أسئلة لكل امرأة ترى أنها غير مكلفة لعلها توفر عليها البحث عن بعض الفتاوى: هل تشعرين براحة ضمير وأنت تراقبين زوجك وقد فشل لكفاية نفقات أسرتك؟ كيف تنامين مرتاحة البال وطفلك يرغب في شراء شيء ويعجز الأب عن توفيره؟ ألا تشعرين بالخجل و التقصير وأنت تملكين تحقيق مستوى أفضل لأبنائك وتتجاهلين هذا الأمر؟ ما القيمة المضافة للأسرة من خروجك للعمل؟ ما شعورك تجاه زوجة أخيك أو زوجة ابنك إذا سلكت نفس مسلكك؟