تحقيقات

التكنولوجيا الإســ ـــ ــ ـرائيـ ـ ـلية المحرمة وتفجيرات “البيجر”!

د. إبراهيم الزنداني

في القرن السادس عشر تعرض ال ــ ــيهـــ ـــ ــ ــود لمذابح عنيفة تم خلالها إحراق منازلهم في مدينة ” براغ ” (عاصمة الجمهورية التشيكية حاليا) من قبل البوهيميين الغاضبين وبمساعدة من جنود الإمبراطورية الرومانية المقدسة بعد اكتشافهم وهم يسرقون أطفالا مسيحيين ليلا للتضحية بدمائهم من أجل الطقوس التلموذية، وفي العام 1609م ومن أجل محو ذلك العار من الذاكرة اليهودية انتشرت أسطورة في التراث الـعبري مقتبسة من التلمود (Tractate Sanhedrin b38) تتضمن سردا عن كائن عملاق من الطين اسمه ” غوليم ” Le Golem صنعه وبث فيه الروح حاخام يهودي يدعى ” ماهارال براغ ” ليدافع عن الأحياء اليهودية في ” براغ ” خلال أحداث تلك المذابح ولكنه لاحقا خرج عن سيطرة الحاخام وقتل ودمر الأحياء اليهودية..
ليأتي العام 2017م وفي إحدى هزليات القدر يستهل البرلمان الأوروبي أولى خطواته التشريعية بشأن الذكاء الاصطناعي بالحديث عن الأسطورة العبرية ” غوليم ” في ديباجة مشروع القانون للتأكيد على خطورة الذكاء الاصطناعي بل وفي مقدمة تبريرات إصدار ذلك القانون راكنا في ذلك على تأثر الشعوب الأوروبية بالأساطير الدينية اليهودية المسيحية لتمرير ذلك القانون غير أن الرياح قد جاءت بما لم يشتهيهِ المشرع الأوروبي.
بالعودة إلى التكنولوجيا المتطورة التي تتباهى الحكومات الصهيونية بأنها تستخدمها لسفك دماء الأبرياء وشن الحروب على شعوب المنطقة والتي كان أشهرها على الإطلاق العملية الإرهابية الإلكترونية التي طالت الجمهورية اللبنانية ونتج عنها سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى من ضمنهم أطفال ونساء نتيجة انفجار أجهزة النداء ” البيجر ” وأجهزة اتصال لاسلكي محمولة باليد وأنظمة الطاقة الشمسية المنزلية بالإضافة إلى معدات التعرف على بصمات الأصابع وأجهزة كمبيوتر محمولة وهواتف ودراجات كهربائية وسيارات تعمل بالبطاريات، وهو ما أثار غضب دول وحكومات وآلاف الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا على اختلاف جنسياتها من تبعات تلك الهجمات التي ستؤدي من دون شك إلى فقدان ثقة ملايين المستخدمين حول العالم بمستويات الأمان في منتجاتهم الإلكترونية الأمر الذي يعني تكبدها خسائر مادية قد تصل إلى مليارات الدولارات، وهذا ما أكده الخبير العسكري في مركز أبحاث ” يوانوانغ ” 远望智库军事专家 ومدير مركز أبحاث التدريب القتالي العسكري الأجنبي ” كيجون ” 科军 الذي اعتبر أن ما أقدمت عليه إسرائيل قد دمر تماما ثقة الناس بالصناعات الإلكترونية الأمريكية والغربية مستدلا بانخفاض سعر سهم شركة ” أبل ” بنسبة 2.78٪ وتبخر قيمتها السوقية بنحو 665.7 مليار يوان في أسبوع بعد انفجار معدات الاتصالات في لبنان، وأن هنالك حراكا في الآونة الأخيرة لتقييم بطارية الليثيوم المستخدمة في سيارة تسلا موديل 3 الكهربائية التي تزن بطارية الليثيوم الثلاثية فيها 455 كيلوجراما وتعادل قوتها حوالي 15% إلى 20% من مادة تي إن تي المتفجرة.
وفي غمرة الجلبة التي أحدثها ذلك الهجوم الإرهابي الإلكتروني المحرم دوليا الذي لم يميز بين عسكري ومدني لاحظنا أن أيادٍ خفية عملت على التقليل من شأن ذلك الحدث عبر كثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية ونجحت في حرف مسار القضية وتوجيه الوعي العام الدولي إلى أن الهجوم تمحور حول استهداف حزب الله وأعضائه وأن الهجوم السيبراني اقتصر بحسب وصفهم على أجهزة الاتصال التي يستخدمها الحزب لضرب إرهابيين دون غيرهم، واستمرت عمليةتغييب وتشتيت وتضليل وعي الملايين لصرف أنظارهم عن القضية الأساسية من خلال اختلاق قصص وروايات حول اتهام الشركة التايوانية المنتجة لتلك الأجهزة، فتثار ثائرة شركات التكنولوجيا مرة أخرى وتستخدم ثقلها لتحذير وسائل الإعلام من توجيه أصابع الاتهام نحوها، ليتم الحديث أخيرا عن أن اختراقا استخباراتيا للموساد الإسرائيلي قد تم في سلسلة التوريد وعن شركة مغمورة في العاصمة المجرية “بودابست” تديرها سيدة أعمال حسناء وشركة أخرى في العاصمة البلغارية “صوفيا” وعن تفخيخ الأجهزة والترويج بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد باعت حزب الله وحلفاؤها في المنطقة، وفي سبيل ضمان وئد تلك الجريمة قامت إسرائيل بالتصعيد وذلك بعملية عسكرية استهدفت بها الأمين العام لحزب الله وعدد من قياداته في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت ثم قامت بفتح عملية عسكرية برية في الجنوب اللبناني.
وبينما الأمر كذلك كان هنالك إجماعا لمتخصصين وباحثين في هذا المجال مفاده أن الكيان الصهيوني قد شن هجوما إلكترونيا إرهابيا معقدا راح ضحيته أبرياء لا علاقة لهم بعناصر حزب الله الذين يستخدمون أجهزة الاتصال التي تعرضت للتفجير كانوا ضمن المناطق المستهدفة ، فيما ظلت هنالك حلقات مفقودة وتكهنات حول طبيعة ما حدث لا تعرفها إلا الجهات السيادية في الدول الكبرى ومراكز الأبحاث المتقدمة في مجال التكنولوجيا.
وما نميل إليه ونرجحه ونؤمن به من خلال كل الملابسات والظروف التي أحاطت بهذه الجريمة النكراء هو أن الكيان الصهيوني المارق عن القانون الدولي قد استخدم تكنولوجيا الحرب الإلكترونية والطاقة الموجهة لتنفيذها بتلك الطريقة وبذلك الشكل، وهذا ما أكده مكتب “تشيان ويب إنتليجنس” 奇安网情局 وهو مركز أبحاث صيني يضم فريق أمني محترف في صناعة وتطوير أمن الشبكات في وثيقته التي جاء فيها “أنه إذا ثبت ضلوع برامج ضارة أو قرصنة إلكترونية، فإن هذا الحدث قد يكون حالة نادرة من العنف الجسدي الناتج عن هجوم إلكتروني، كما أنه مثال كلاسيكي على اندماج الحرب الإلكترونية والحرب الفيزيائية في الصراعات الحالية وسيفتح فصلا جديدا في الحرب الإلكترونية “.
إذن ومن وجهة نظرنا فقد تم اختراق سلسلة التوريد الخاصة بأجهزة الاتصال التابعة لحزب الله لا لتفخيخها كما ورد سابقا إذ أن من السذاجة أن يتم وضع مادة متفجرة كان يمكن أن تكتشفها سلطات الجمارك اللبنانية أو العناصر التقنية والفنية في حزب الله باعتبار أن الأمر يتعلق بأجهزة ستستخدم في إدارة حرب حتمية مع إسرائيل وسيستخدمها قادة ومسؤولون كبار بالإضافة إلى أعضاء في البرلمان وسفراء، وبالتالي فإن المنطق يقول أن ذلك الاختراق في سلسلة التوريد كان لمعرفة مهمة كل قطعة خاصة بتلك الأجهزة وتسجيل بياناتها كاملة بما في ذلك الأرقام التسلسلية للأجهزة وكانت تلك هي المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فهي الانتقال من تطبيق الخطة نظريا إلى تطبيقها عمليا عن طريق إجراء التجارب التي أدت في نهاية المطاف إلى تفجيرها، وهو ما أكده الخبراء الأمنيون في مختبر ” تشيان شينتيانجونغ ” 奇安信天工实验室 من أن الهجمات التي تستغل الثغرات الأمنية لتسخين الأجهزة أو إشعالها ليست مجرد نقاش نظري، بل أثبتها الباحثون أمنيا من خلال التجارب وعادة ما تتطلب هذه الهجمات فهما عميقا للأجهزة المستهدفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالثغرات الأمنية.
وبما أن إسرائيل تمتلك أبراج اتصالات ضخمة تقع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية ومنتشرة في 42 موقعا ابتداءً برأس الناقورة حتى مزارع ” شبعا ” المحتلة تضم تقنيات متطورة جدا ومدعمة بأنظمة الذكاء الاصطناعي من مهامها اختراق شبكات الاتصال الخلوية والأرضية وخوادم الإنترنت، كما أن ما أثبتته تلك الحادثة أن تلك الأبراج الضخمة مجهزة بمنظومة تعمل على استخدام الطاقة الموجهة كسلاح وهي موجات لها عدة خصائص تستخدم في الحروب الإلكترونية تم رصدها لأول مرة في حادثة ” متلازمة هافانا “.
وبالتالي فقد نجحت في ذلك اليوم من الولوج عبر ثغرة أمنية لأجهزة النداء واختراقها ثم قام المخترقون بتعطيل الدوائر الإلكترونية للوحة الحماية الخاصة بالبطارية ” ليثيوم أيون ” القديمة التي ثبت من التجارب العملية أنها تستطيع أن تحدث انفجارا كالذي رأيناه في أجهزة النداء، ثم ومن خلال معلومات استخباراتية تم تحديد الأماكن المفترضة التي يتواجد فيها أغلبية عناصر حزب الله وهي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وبلدتي ” علي النهري ورياق ” وسط وادي البقاع ومناطق مختلفة في جنوب شرق وشمال شرق لبنان، تلى ذلك قامت إسرائيل في صباح ذلك اليوم عن طريق أبراجها الضخمة باختراق أبراج شبكات الاتصال الخلوية والأرضية الموجودة في المناطق المستهدفة ثم برمجتها لتقوم ببث موجات كهرومغناطيسية وموجات الماكرويف في محيط الأماكن التي تم رصد عناصر حزب الله فيها، ومع اقتراب الساعة من الثالثة عصرا كانت البطاريات الخاصة بأجهزة النداء التي سبق تعطيل لوحة الحماية عنها قد وصلت لمرحلة خطيرة من التسخين بفعل الموجات الكهرومغناطيسية وموجات المكروييف التي تصلها من أبراج الاتصالات، وفي الساعة الثالثة عصرا وبحسب شهادات الضحايا وصلت إلى تلك الأجهزة رسالة كانت ذبذباتها هي الشرارة التي بسببها بدأت الانفجارات واستمرت لمدة ثلاثين دقيقة.
وبخصوص تلك الرسالة فإنها لا تخرج عن فرضيتين، إما أن الكيان الصهيوني هو من أرسلها بعد أن اخترق منظومة التحكم الرئيسية التي ترتبط بها جميع الأجهزة أو أن هنالك من سرب له معلومات تفيد بأن القيادة في حزب الله عادة ما ترسل رسائل لعناصرها في ذلك الوقت وهذا يفسر انفجار الأجهزة مباشرة بعد سماع صوت تلك الرسالة بينما البعض الآخر ولأسباب متعلقة بالبطارية كان انفجار الأجهزة بعد أن قام المستخدم بالضغط على زر مشاهدة الرسالة وهذا يفسر أيضا إصابات عدد من العناصر في أعينهم بعد أن تطايرت الشظايا البلاستيكية نتيجة انفجار البطارية وبما أن أجهزة النداء كما نعرفها تحتوي على حاضن بلاستيكي يوضع به الجهاز وهو ما أدى إلى عدم تنبه مستخدميها لمستوى الحرارة التي كان قد وصلت إليها الأجهزة.
وما التقارير التي تلت حادثة أجهزة النداء عن انفجارات أخرى طالت أجهزة إلكترونية أخرى ضمت هواتف ذكية وسيارات ودراجات تعمل ببطاريات الليثيوم ومنظومات الطاقة الشمسية وتلفزيونات ومعدات التعرف على بصمات الأصابع إلا خير دليل على وجاهة شواهد معتبرة ترجح فرضيتنا المتعلقة بالموجات الكهرومغناطيسية وموجات المكرويف، حيث أثرت تلك الموجات على أجهزة إلكترونية أخرى في محيط الأماكن المستهدفة ولعل ذلك يعود ربما لخلل في دوائرها الإلكترونية أو بطارياتها الأمر الذي تسبب في اشتعالها أو انفجارها.
وعلى الرغم أن العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية ومنصات التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا على اختلافها قد تم تجنيدها لتكذيب وقائع انفجار منظومات الطاقة الكهربائية والأجهزة الإلكترونية الأخرى والتشكيك بها حتى تظل العملية مجهولة فلا يتنبه أحد لتفاصيلها وحتى لا تتضرر سمعة شركات التكنولوجيا الغربية إلا أن وسائل إعلامية عبرية كانت قد أكدت ذلك من مصادرها الموثوقة حسب وصفها.
أخيرا لقد كان هدف إسرائيل الجوهري من ذلك الهجوم الإلكتروني الإرهابي هو استعراض سطوتها وقوتها وتفوقها التكنولوجي وبما يفيد أنها لا تلقي بالا لقواعد القانون الدولي يلي ذلك الحرب النفسية التي ستخلفها تلك العملية على كل من يناصبها العداء غير أن ما أثبته الواقع أنه وبرغم الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله إلا أن ذلك لم يفقده قدرته في الرد والمواجهة والصمود.
وفيما يخشى كثير من اليهود المتدينين أن تنقلب تلك التكنولوجيا وبالا عليهم يوما ما كما فعل ” غوليم” بأجدادهم وتكون بذلك نهايتهم، فإن الحقيقة الواضحة للعيان هي أن غباء جنرالات الموت في تل أبيب قد أصابت الثقة بصناعات حلفائها التكنولوجية والإلكترونية بأضرار بالغة وصل صداها للأفراد قبل الدول والحكومات، وحتى إن لم يؤدي ذلك إلى محاسبة إسرائيل من قبل المجتمع الدولي لانتهاكها قواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واستخدامها لأسلحة محرمة دوليا تضر بالبشرية جمعاء لكنها بفعلتها قد فتحت الباب على مصارعيه نحو سباق تسلح آخر مدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة الموجهة ستكتوي به حتما طال الزمن أم قصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى