
علي جبار عطية / بغداد /خاص بعالم الثقافة
تصوير/ صالح البهادلي
قال الأستاذ الدكتور خالد العلي: (على الرغم من انتصار الغرب علينا في أشياء كثيرة إلا أنَّنا نبقى منتصرين باللغة العربية ما دمنا متمسكين بها، ومحافظين عليها).. جاء ذلك خلال محاضرةٍ ثريةٍ له أقامتها
دار المأمون للترجمة والنشر في مقرها ببغداد ضحى الأربعاء ٢٠٢٤/١٢/١٨م تزامناً مع الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ،وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (٣١٩٠) في ١٩٧٣/١٢/١٨م والذي يقرُّ بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية عند انعقاد الدورة (١٩٠) للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو. وكان عنوان المحاضرة (تفرد العربية وأصالتها بين الماضي والحاضر والمستقبل). وقد أدار الجلسة المترجم والكاتب عبد اللطيف الموسوي الذي قدم تعريفاً مختصراً للدكتور خالد العلي التدريسي في كلية الإعلام/ الجامعة العراقية/، والمستشار والخبير اللغوي.
تحدث العلي عن اللغة العربية، وصفاتها وما امتازت به عن سائر اللغات وعراقتها منذ نحو ألفي سنة، وغناها بملايين المفردات التي تجعلها لغةً حيةً قابلةً للتطور فضلاً عن ثلاثية اللغة من حيث البناء والشكل التقسيمات، وأصول المفردات.
وبيَّن العلي خصائص اللغة العربية ومميزاتها عن سائر لغات العالم فقد تفردت ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وقد وردت في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة أنَّ القرآن عربي والحكم عربي واللسان عربي، وأنَّ آخر النظريات أنَّ العربية هي العروبة والإفصاح وتعني الوضوح والبيان.
وأشار إلى عدة خصائص للعربية منها ظاهرة الإعراب الذي يعطي اللغة مرونةً وقوةً ودقةً واختصاصاً وشفافيةً وموسوعيةً، وأنَّ هذه الخصائص مكنتها من مواكبة عصر التحول الرقمي، وسهولة الاستخدام في أنظمة الحواسيب المتطورة. يُروى أنَّ آدم عليه السلام كان أول من نطق بالعربية وسلم على الملائكة بتحية (السلام عليكم).
وأضاف: إنَّ عدد مفردات اللغة العربية أكثر من اثنتي عشرة مليون مفردة في حين أنَّ أقرب منافس لها، وهي اللغة الإنجليزية تبلغ مفرداتها نحو أربع مئة ألف كلمة. وضرب مثلاً بسعة وشمول العربية بجملة (أعطى خالد محمداً كتاباً) فقد أحصى ست عشرة حالة للتنويع في التعبير كالتقديم والتأخير، وهذا من خصائص اللغة العربية.
وتابع: من الخصائص الأخرى عدم الحاجة إلى الترقيم فعند السؤال يكفي مثلاً وضع أداة الاستفهام (كم) للسؤال عن العدد في حين تحتاج اللغة الإنجليزية إلى وضع علامة استفهام.
وأردف : ونحنُ نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي تعد اللغة العربية أتقن لغة في الحاسوب؛ لأنَّها ثلاثية في التركيب (اسم، وفعل، وحرف) كذلك (الضمة والفتحة والكسرة)، وفي البلاغة: (علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع)..
ولو نأخذ أي اسم نجد أصله ثلاثي، فنقول عن هود وصالح أنَّ أصلهما من (هاد)، و(صلح) فهما عربيان بينما (إبراهيم) اسم غير عربي. وتابع: هناك خاصية أخرى هي نظام المثنى الذي تنفرد به العربية.. تقول للمفرد (ألم أنهك) لكن للمثنى قال تعالى : (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنَّ الشيطان لكما عدوٌ مبينٌ) الآية (٢٢) من سورة (الأعراف).
وأشار إلى خصيصة أخرى هي نظام الأبنية فمثلاً وزن (فعّال) يكتسب معنىً ثابتاً فيدل على الحرفة، نقول : نحّات، نجّار، حدّاد، حلّاف(يحترف الحلف).. قال تعالى : (ولا تُطعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهينٍ)الآية(١٠) من سورة (القلم).
في حين وزن (مفعال) تستعمل للآلة فنقول :مفتاح، ومنظار، ومسبار. أما صفة (فعيل) فتدل على الثبوت والدوام نسأل : كيف فلان؟ يقال عنه (ضعيف) أو (سمين) ولكن صفة (فعلان) تدل على التجدد والحدث، فنقول : (ضعفان) أو (سمنان)، والعجيب أنَّ استعمال هذه التعابير مركوزة في الفطرة يتداولها حتى غير المتعلم.
وأشار إلى أنَّ اللغة العربية تمتاز بأطول مدرج صوتي إذ يبلغ طوله ٣١ سنتمتراً يبدأ من الرئتين وينتهي بالفم في حين يبلغ طول المدرج الصوتي في اللغة الإنجليزية خمسة سنتمترات، وفي اللغة الفرنسية أربعة سنتمترات فهي تقرأ من الأنف، وكلها غنن، وإذا أغلقنا أنف الفرنسي فلا يستطيع أن يتكلم !
وتابع: تتميز اللغة العربية بالنظام الصوتي فهناك حروف جوفية وحلقية ولسانية، ولثوية وشفوية، والحروف الثمانية والعشرين لو أضفنا إليها الضمة والفتحة والكسر تصبح ٣١ حرفاً كلها منطوقة، بل إنَّ ترتيب الحروف الأبجدية العربية (أبجد) تقابلها في اللغة الإنجليزية (A BCD) ونحو ذلك. ولو عدنا إلى أصل استعمال الكلمات نجد أنَّ الحافلة هي الناقة ممتلئة البطن وكذلك الحافلة الممتلئة بالناس، والوسوسة هي الصوت الناعم، والجَمال مأخوذة من الجِمال.. قال تعالى: (ولكم فيها جَمالٌ حينَ تُريحون وحين تسرحون) الآية (٦) من سورة (النحل).
بل حتى نظام الأسرة نجد الأبوة من الإباء، أما الأم فهي الأصل، ولو أخذنا تعبير (الوالدان) في القرآن الكريم فهو يشمل الأم والأب مع أنَّ الأم هي الأصل والأب هو الفرع وتستعمل في الرحمة والعطف، ولكن في مجال الإرث يرد تعبير (الأبوان) فالأب هو الأصل والأم هي الفرع،والابن من البناء فالأسماء كلها منضبطة، فكلمة المُثقَّف أصلها من المُثقِّف وهو الذي يُعدِّل الرمح. بل إنَّ نظامنا الفكري مبني طبقاً للعربية وكل العربية مبنية على المبتدأ والخبر، ونقول : (نشرة الأخبار) لا (نشرة المبتدأآت)! وقص حكاية فقال: اختبرنا أحد الأساتذة يوماً بسؤال يقول : أيهما الصحيح أن نقول :(زوجتُ فلانة مِن فلان) أم (زوجتُ فلاناً مِن فلانة) كانت الإجابة الصحيحة هي (زوجتُ فلانة من فلان) ويكون العقد صحيحاً لأنَّ مِن تبعيضية والرجل يحق له الزواج بأكثر مِن واحدة، وأما (زوجتُ فلان مِن فلانة) فالعقد باطل، والعقود يجب أن تكون متقنة جداً.
وفي المداخلات أشارت الأُستاذة المترجمة إشراق عبد العادل مدير عام دار المأمون للترجمة والنشر إلى أهمية الغوص في خبايا اللغة العربية لكل متصدٍ للترجمة إذ إنَّها تدخل في صميم العمل الترجمي ، لذا حرصت دار المأمون على أن يكون مترجموها على دراية شاملة ودقيقة بلغتهم الأم، فالنص المكتوب يتحول إلى ذاكرة بمرور الزمن.
وسأل كاتب السطور عن أحكام التجويد وهل هي اللغة العربية الفصيحة لقريش أم أنَّها خاصة بقراءة القرآن الكريم فرد العلي بالقول: إنَّ قراءة القرآن الكريم تتميز بالمدود والغنن، ولا تستعملها العرب في كلامها اليومي، وإنَّما اختص بها القرآن الكريم لتقارب الأصوات، وأنَّ نظام القراءة القرآنية اكتسب الخشوع والإكبار والإجلال بإضافة صفات للنطق إكراماً للقرآن التي هي الاخفاء والإدغام والاقلاب وغيرها .
وختم العلي الجلسة بأهمية التمسك باللغة العربية التي نحنُ محظوظون بها من بين الأمم وإلا يشملنا قوله تعالى : (وإنْ تتولوا يستبدلْ قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم) الآية (٣٨) من سورة (محمد).