الفنان التشكيلي طالب حبيب هندي..ينطق الحجر الأصم على يديه
حوار: علي جبار عطية| العراق
– لا توجد وسيلة أبلغ تأثيراً من الفن لتدعيم القيم
– الأعمال المستوردة سحبت البساط من الأعمال المحلية
طالب حبيب هندي فنان تشكيلي عصامي، بدأ مسيرته الفنية رساماً وخطاطاً ثمَّ أصبح ينحت على الخشب وحجر الجلمود الصلب جداً، ويعد أول فنان على مستوى العراق والوطن العربي يحفر على هذا الصخر الأصم الذي يصبح على يديه ناطقاً بالفن الجميل المدهش!.. لفتت أعماله الأنظار برغم ابتعاده عن الأضواء لكنَّ فنه وشى به، وقد شارك في عدة معارض فنية في بغداد والبصرة ،ودهوك، وبابل، وواسط،وغيرها،وكذلك يشارك باستمرار في معرض (لقاء الأشقاء) في المحطة العالمية ببغداد، وكُرم من المؤسسات المعنية، ومنها مهرجان (هواجس ثقافية في زاخو) الذي نظمته مؤسسة (هواجس للثقافة والفنون) بالتعاون مع مديرية الثقافة والفنون في زاخو على قاعة كاليري زاخو إذ مُنح درع الإبداع، وتكرر الحال في بابل وواسط تثميناً لجهوده في إرساء القيم الجمالية للفن ومشاركته الفاعلة في النشاطات الفنية، ولنحته مجسمات مبتكرة وغير تقليدية.. تشغل أعماله مكاناً دائماً في منتصف بناية المتحف الحضاري المتجول في مبنى القشلة قريباً من شارع المتنبي.. وما يدهش المتلقي أنَّه يقف أمام فنان صبور ومخلص لفنه يصب جل اهتمامه على اتقان عمله بغض النظر عن المردود.
كان لي معه هذا الحوار لنتعرف على شيء من تجربته الفنية:
هلا حدثتنا عن البداية:
ـ استهواني الرسم منذ الطفولة وكان درس التربية الفنية من أحب الدروس إليَّ، لكنَّ خدمتي في العسكرية قطعتني من التواصل مع الفن، وكانت النقلة المهمة في حياتي الفنية، حين عملتُ في جامعة بغداد في الجادرية سنة ٢٠٠٥ وزاملت بعض النحاتين ممن ينحتون على الخشب ومنهم فنانون مغمورون لم تسلبهم الوظيفةشغفهم الفني فاستيقظت لديَّ الموهبة، وبدأت التجربة، وأقمت أول معرض لي في كلية الهندسة الخوارزمي بجامعة بغداد سنة ٢٠٠٩، ثمَّ صرت مسؤولاً عن الأنشطة الفنية في الكلية .
لماذا اخترت الخشب للنحت دون غيره؟
ـ كنتُ أتابع الفنان التشكيلي عصام النقاش، وكان ماهراً في النقش على الخشب، وأعجبتني أعماله، وأثر بيَّ كثيراً، واخترت الخشب وشغفت به ، ففن الحفر على الخشب أو فن الأويمة ـ كما يُعرف ـ يعني حفر النقوش والرسومات على الخشب) وتحويلها إلى فنون جميلة، وقد فضلته على فن الرسم الذي بدأتُ به مسيرتي الفنية؛ لأنَّ العمل النحتي يصمد، ويقاوم الظروف المناخية أكثر من اللوحة، والدليل على ذلك ما بقي لنا من الحضارات الآشورية والأكدية والبابلية والمصرية بينما يكون عمر اللوحة محدوداً مهما بذل من جهود ترميم لصيانتها والحفاظ عليها فكما قيل (وكل قوي للزمان يلين)!
على أي نوع من الأخشاب تعمل ؟
ـ أعمل على خشب خاص هو خشب الصاج والجاوي أما خشب الأشجار فلا يصلح للنحت لأنَّه ضعيف،كذلك فإنَّ الفايبر كلاس لا يقاوم الظروف الجوية.
كيف تحولت من النحت على الخشب إلى الرسم على الحصى؟
ـ جاء ذلك بتأثير من الفنان التشكيلي باسم الدايني الذي تميز بالرسم على الحصى وقد تعرفت إليه في مبنى القشلة عند مشاركاتي الفنية، وقد أعطاني معلوماتٍ مهمةً بهذا الفن ثمَّ جربتُ العمل معه، وطورت نفسي شيئاً فشيئاً.
ما سر الاهتمام بك في المعارض المشتركة وآخرها في معرض دهوك؟
ـ أظنُّ أنَّ السبب هو أنَّ أغلب الفنانين يشتركون برسومات أما فن النحت والسيراميك فالعاملون فيه قليلون لأنَّه يحتاج إلى جهدٍ كبير، وصبرٍ، وزمنٍ طويلٍ، وقد استغرق مني تنفيذ أحد الأعمال ستة أشهر.
ما هو اتجاهك الفني؟
ـ كان توجهي في البدء نحو نحت التماثيل ثمَّ اتجهت إلى نحت الحرف، وهو عندي أكثر جماليةً وروحانيةً في وقت انتشر فيه التحلل الخلقي، ونحنُ بحاجةٍ ماسةٍ إلى التزود الروحي، ولا توجد وسيلة أبلغ تأثيراً من الفن لتدعيم القيم .
كيف يولد العمل الفني لديك؟
ـ المهم هو الفكرة التي قد تأتي، وأنا نائم،ثمَّ أباشر بتنفيذها بغض النظر عن الوقت الذي تستغرقه فالمهم هو الوصول بالعمل إلى درجة من الاكتمال الفني.
هل يمكن القول إنَّك فنانٌ واقعيٌّ؟
ـ نعم فأنا أنتمي إلى المدرسة الواقعية، ولا أضيف أية رموز إلى العمل الذي أنجزه لأنَّي أريده أن يصل إلى المتلقي مهما كان مستوى وعيه وفهمه وتحصيلهه الأكاديمي والفني والثقافي .
ما مستقبل الأعمال النحتية؟
ـ الآن بدأ الإقبال على العمل النحتي ينحسر؛ لأنَّ الاتجاه والذائقة تغيرت وصارت الناس لاتتذوق هذا الفن بينما في السابق كانت الناس تقتني التماثيل والحجر والنحاس، وقد دخلت الأعمال المستوردة الرخيصة في المنافسة وسحبت البساط من الأعمال المحلية حتى على صناعة النحاس في سوق الصفافير ويمكنك أن تسأل أهم فنان تشكيلي وهو الفنان إبراهيم النقاش عن ذلك وتتأكد من هذا الواقع الجديد عمله فالنقش لا يمارس الآن كمهنة بل يمارس كهواية.