إشارة البسمة الإلكترونية
توفيق أبو شومر |فلسطين
قال صديقي، الذي جاوز سن الشباب: لم أكن أتوقع يوما، أنني عندما أنسى هاتفي المحمول، أصابُ بالهلعِ، وأحسُّ بضائقة نفسية كبيرة، وأعودُ أدراجي إلى البيت، حتى ولو كنتُ بعيدا عنه، على الرغم من أنني لستُ وزيرا، ولا صاحب شركة، ولا مدير مؤسسة، ولا مختارا لعشيرتي، وليس عندي مريضٌ، أسهر على إعطائه الدواء، وليست لي أية مهمة تنفيذية، تستدعي التصاق هاتفي المحمول، كعضوٍ رئيسٍ في جسدي! وإذا كنتُ أنا كذلك، فما حالُ أصحابِ المهمات والمهن والسياسيين، و من على شاكلتهم؟!. لقد أصبح الهاتف المحمول أهم حتى من محفظة أوراقي ونقودي، فقد نسيتها مراتٍ عديدةً، ولم أصب بالهلع، كما يحدث معي عندما أنسي هاتفي المحمول! فهل أنا مصابٌ بإدمان على تكنولوجيا العصر؟ وهل أصبح الهاتف المحمول وشبكة الإنترنت من أثمن وأغلى الأشياء في راهننا؟
وهل أصبح الاستغناءُ عن هذه التكنولوجيا عقوبة جديدة في ألفيتنا الثالثة؟
وما حكمُ أبنائنا المربوطين بالكامل بشبكة الإنترنت، فهم لا ينامون إلا في أحضان الشبكة، ويستيقظون على رنات الرسائل، عشرات المرات في الليلة الواحدة، ماذا سيحدث لهم لو حُرموا منها ؟!!
نعم لقد تغيَّرتْ صيغةُ العقوبات في الألفية الثالثة، من العقاب البدني والسجن والعزل والاحتلال، إلى عقابٍ جديد، وهو سجن الأفراد في ذواتهم وأنفسهم، وإقصائهم عن شبكاتهم الإلكترونية، وهذه أشدُ العقوبات وأقساها في وقتنا الراهن.
قالَ أحدَ الشبان، وهو يُعدِّدُ ألوانَ العقوبات التي يستعملها ضد منافسيه، وهي عقوبات حديثة،لم تُذكر في كل القوانين واللوائح والأعراف الاجتماعية التقليدية القديمة:
“لقد قبلتُ انضمام أحدِ أصدقائي، إلى مجموعتي الإلكترونية البريدية في البداية،ثم عاقبتُه بحذفه من المجموعة، فأنا أتجاهلُ طلبه الثاني بالانضمام إلى أصدقائي من جديد، كما أنني أتجاهلُ تعليقاته على لقطاتي الصغيرة!، وأنا أيضا لا أمنحه الابتسامة، فأنا لا أضع له إشارة البسمة الإلكترونية، وهي اللايك على ما يكتبه! لا أكتمك فإنني أقرأ له في السرِّ، فهو يكتب كتابةً جميلة، وعندما يسألني: هل قرأت تعليقي لهذا اليوم؟ أردُّ متجاهلا سؤاله: هل نشرتَ شيئا جديدا؟ أين ومتى؟!!
إذن، فقد انتهى عصرُ احتلال البلدان بجحافل الجيوش، ونابَ جيشُ الفضاء الإلكتروني، عن جيوش المشاة والدبابات، وأصبح سلاح (حرمان الشعوب من الاتصالات) أقسى من السلاح الحربي التقليدي وحتى الجرثومي والنووي!