صابر الجرزيمي.. يُحضّر روح أبي طيب المتنبي

مازن دويكات | فلسطين

بعد أن أغلق صابر الجرزيمي باب وشباك غرفته تفقفد المنافذ والشقوق وحين وجدها محكمة الإغلاق بدت الغرفة تشبه قبراً من الداخل وبحاسة اللمس فقط اطمأن على دقة نسب المواد الممزوجة بالبخور بعد ذلك وضع المزيج بالتساوي في مبخرة مثلثة الرؤوس ثم أشعل المزيج الثلاثي بعود ثقاب ثم أخذ يتفوه بكلمات لم تخطر على بال ساحر هندي.

    العرق يتصبب من جسده, إيقاع حركته يتواءم مع تصاعد أعمدة الدخان… الدوائر الدخانية تتداخل وتتمازج. ومن بؤرة التجمع الدخاني تدلى شبح يشبه إلى حد بعيد لوحات سلفادور دالي السيرالية.

    والحقيقة أن صابر الجرزيمي لا يعرف من ملامح أبي طيب المتنبي إلا ما جادت به قريحة شرّاح سيرته. وقف صابر الجرزيمي مبهوراً أمام الرأس الذي نصفه لحية وبهمهمة يشوبها الخوف سأل الجرزيمي الرأس المتدلي من أعمدة الدخان من أنت؟

    – أنا أحمد بن الحسين المُكنّى بالمتنبي ولكن أين سيفي وحصاني؟

    – السيف تجده في كل مكان إلا في يد الفرسان, تلقاه في المتحف القومي… في أفلام السينما ومسلسلات التلفاز وفي لعب الأطفال.أما حصانك فهو في الإسطبل بغاية التكريم والدلال يشرب ماءً ممزوجاً بالعسل و يأكل البسكويت ويركب الطائرة ولا يُمتطى إلا في مواسم رياضة الفروسية وحين يشيخ يصدر إلى المجموعة الأوروبية والتي بدورها تعيده في علب المرتديلا إلى لاجئي الوطن العربي.

    – في الحقيقة أنا مشتاق لمسقط رأسي في الكوفة كيف السبيل لزيارتها؟

    – في الواقع هذه الأمنية تشبه حلم إبليس في الجنة وإن سألتني لماذا أقول لك إن هذا الاسم أصبح من المنقرضات فلو مشطت خارطة الوطن العربي الممتد من الماء إلى الماء فلن تجد له وجوداً هذا أولاً , أما ثانياً فالسبب يعود للحصار البري والجوي والبحري على المنطقة. أما إذا كنت مصمماً على زيارة أطلالها عليك بقصيدة مديح للأمين العام للأمم المتحدة حتى يحوّل طلبك إلى الرئيس الأمريكي  والذي بدوره سيرسله مع وزير خارجيته إلى وزير خاجية إسرائيل من أجل  الموافقة والتوقيع.. وبدون هذا ستظل حبيساً بين الأعمدة الدخانية.

    – طيب. كيف بإمكاني زيارة صديقي سيف الدولة الحمداني في حلب؟

    – سبق وقلت لك أن السيف في المتحف الوطني والدولة أصبحت أكثر من عشرين دولة وقد أصبحت لكل دولة سيفها… حتى هذا الاسم أصبح يفصل بناءً على سياسة كل دولة فمثلاً بدلاً من سيف الدواة هناك كرباج الدولة ..عصا الدولة.. بلطة الدولة.. ساطور الدولة.. خنجر الدولة.. شاكوش الدولة.. مسدس الدولة .. مدفع الدولة.. صاروخ الدولة .. قمّاع الدولة .. سفاح الدولة.. مهرج الدولة.. شفاط الدولة.. نفاط الدولة ..سمسار الدولة .. عِجل الدولة ..ردّاح الدولة .. كابوس الدولة… وهناك دول في حالة نطاح دائم.

    – أفهم من كلامك أن الزيارة مستحيلة في ظل هذا الكوكتيل العربي.

    بالمناسبة ما هي أخبار الأستاذ كافور ؟

    – أي كافور تريد؟ فالوطن العربي يغص بالكوافير وكل كافور أكفر من الآخر.

    – أقصد كافور الإخشيدي (ما غيره)

    – لا تستغرب إذا قلت لك أن كل هذه البلاوي سببها كافور ويشهد الله على ما أقول… إن هجائياتك فيه هي أقل مما يستحق ,على أية حال ذهب لحاله ولكن المقلق في الأمر أن ظلاله السوداء قد امتدت خارج أسوار الفسطاط.

    – واليمن كيف استطيع الوصول إليها .. فإن لي فيها صداقات قديمة وكما تعلم أنا بلا هوية ولا جواز سفر والشرطة على الحدود أكثر من الجراد.

    – يا أبا طيب كن عاقلاً! إن ذهابك لليمن سيسبب مشكلة كبرى لذلك أرجو أن تنزع هذه الفكرة من رأسك. ولكي تتأكد مما أقول سأحيلك لبيتين من الشعر لتلميذك النجيب شاعر اليمن عبد الله البردوني:

    يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمنِ ِ

    جنوبيون في صنعا شماليون في عدنِ ِ

    – وبلاد الشام هل الوصول إليها يسبب مشكلة؟

    – يا أبا الطيب هل أنت (أخوث أم تتخوث؟) عد لرشدك يا رجل ليس لهذا المُسمّى أي وجود إلا في خريطة الدولة العثمانية التي مزقتها سكين (سايكس بيكو)…

    أبو الطيب المتنبي متمتماً: قبح الله صابر الجرزيمي وذكرهِ..

 وبصوت عالٍ قال مخاطباً صابر الجرزيمي: إذا كان حالكم هذا الحال لماذا لم تتركني أنعم في عتمة قبري؟ لماذا تآمرت مع (فاتك بن أبي جهل الأسدي؟)وقتلتني مرة ثانية؟ لماذا أحضرتني لغرفتك اللعينة؟

    – عفواً ومعذرة يا أبا الطيب  إن كنت أقلقت راحتك ولكنني لم أجد أحداً غيرك يهجو هذا الزمن العربي الرديء.

    -في الواقع يا ولدي يا صابر  لا استطيع…

    – لماذا وأنت شاعر الشعراء وسيّد الهجاء!

    – لا أستطيع.. لأن الموتى لا يجوز فيهم إلا الرئاء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى