ما يشبه الرثاء” فاقت قسوته الرثاء

ديمة جمعة السمان| فلسطين

“ما يشبه الرثاء” ديوان للشاعر فراس حج محمد جمع فيه أقسى القصائد.. فما في القلب أقسى من لغة القصائد، قالها الشاعر بثقة العارف بوجع القصيدة على صاحبها وعلى المتلقّي أيضا.

اصطحبنا الشاعر برحلة نفسيّة صعبة من خلال أكثر من ثمانين قصيدة، كان كل حرف فيها يمرّ على القلب يزيد من اتساع رقعة جرحه، وكأنه يقول: عليّ وعلى أعدائي. سرق من خلاله الطاقة. فالحرامي لا يسرق النقود فقط، بل الطاقة تُسرق أيضا؛ لتترك ضحيتها غارق في بحر من اليأس، أمواجه المتلاطمة تتآمر مع الشّاعر، تمنع كل من قرأ القصائد من الوصول إلى شاطئ الأمل، يغبّ شيئا من السّكينة والهدوء النّفسي، فيوجعه السؤال وتزيد من تعبه الحقيقة.

لم يكن الديوان يشبه الرثاء، بل كان رثاء كاملا حمل كل المعاني.

الرثاء يكون -كما اعتدنا – لمن صعدت روحه إلى السماء، ولكن الشاعر لم يرثِ في هذا الديوان الأموات، بل رثى الأحياء، الذي تغلّب عليهم اليأس وهزمهم وكسرهم من الداخل، فتركهم أشباه أموات، غرباء عن أنفسهم، يجترّون الحزن من عمق المأساة، يسدلون السّتائر، يصرّون على بقاء الظّلام فيهم، لا يسعون إلى إدخال النور إلى نفوسهم الصدئة المتعفنة، لا يسعون لترميمها لتعود إليهم الحياة من جديد.

لم أر شبه بصيص من الأمل سوى في قصيدة داخل ديوانه أسماها: المدينة لا تموت، وقصد بها قدسنا المحتلّة، ختمها بِ:

إن مات كل شيء واستراح

هي لا تموت

الشّاعر متمكّن من ناصية اللغة، يشكّل الكلمات ويرتبها بإتقان المتمرس. تكون بين يديه أشبه بالعجينة، يصنع منها لوحة فنان. إلا أنّني أرى لو أنه تجنب بعض الكلمات – المباشرة- والتي ما كانت ستضعف قصيدته لو استبدلها بكلمات أخرى، وصور أخرى تحمل ذات المعنى ولا تخدش الحياء، خاصة وأن لغته جميلة وقوية، وهو قادر على ذلك دون أدنى شك.

فقد حرم كتابه من دخول المدارس، وحرم مكتبات المدارس من أن تقتني ديوانا قويا لشاعر مبدع، خاصة وأنه يعمل مشرفا تربويا في مدينة نابلس، ويعي تماما ما قصدت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى