سيميائية العتبة العنوانية في النص الأدبي
باسم عبد الكريم الفضلي العراقي | العراق
يعتبر العنوان نصا موازيا الذي لا يزال يشكّل مدخلا أساسا لدراسة النّص الأدبي، ومفتاحا هاما للدّخول إليه، بوصفه علامة تتموقع في واجهة هذا النّص الأدبي.
ويعد بذلك العنوان أهمّ مرجع يتضمّن بداخله العلامة والرّمز وتكثيف المعنى، إذ يحاول الرّوائي من خلاله أن يثبت مقصده برمته، بوصفه النّواة المتحركة التى خاط عليها نسيج نصه.
والعنوان لعلامة سيميائية تعّد الحّد الفاصل بين النّص والعالم، فيصبح بذلك نقطة تقاطع يمرّ من خلالها النّص إلى هذا العالم، كما أنّه جسر واصل بين النّص والكاتب، فبين العنوان والنّص بنية كتابية تعلو هذا الأخير- النّص- وتتعالق معه دلاليا، فهو جزء منه لما يمكن أن يطرح من الدلالة والمغزى العام الموجود في النّص، والذي يهدف إليه الكاتب من خلال العنوان.
فمن وظائف العنوان تقديم فكرة جامعة وشاملة عن النّص الأدبي، فتجعل القارئ أو المتلقي يدرك بعض غيبياته من ناحية الموضوع قبل أن يقرأه وهذا من خلال سيميائية العنوان، إذ أنّ هذه الأخيرة يمكنها الإجابة عن كل التّساؤلات التي يطرحها ومنها :
– هل يمكن للعنوان باعتباره أولّ عتبة تواجه القارئ أن يكشف عن مضمون النّص الأدبي؟، أم أنه مجرد إجراء شكلي فقط في أي إبداع أدبي؟، بمعنى :
ما مدى الّتوافق والمطابقة والمفارقة بين عنوان الّنص الأدبي وبين مضمونه؟ .؟ .
-هل اختيار العنوان الرّئيسي والعناوين الفرعية /الداخلية إعتباطي أم هو مقصود ومدروس؟.
ومن شأن العنوان أن يجبر المتلقي على قراءة العمل الأدبي، وقد يثير لديه الحدسية والفضول اللّذين يخضعانه لاستكمال قراءة هذا العمل.
وقد يثير العنوان في ذهن المتلقي تساؤلات عدة لا يستطيع الاجابة عنها ما لم يقتحم أغوار النّص، وهذا ما عمد إليه الكثير من الأدباء، فخلقوا بذلك الوظيفة الإغرائية التي توجد بين ثنايا العنوان والنّص الأدبي.
وتأتي أهمّية الموضوع “سيمياء العنوان” من حيث التّوجه البلاغي الذّي يسعى إلى كسر هيمنة العنوان الحرفي الاشتمالي ليؤسَّس بدلا منه عنوان آخر يكون تلميحيا، فالعنوان من أهم العناصر التّي تدخل في تركيب المؤلّف الأدبي، فهو سلطة النّص وواجهته الإعلامية وجزءه الدال، إذ يسهم في تفسير رموزه وفك شيفراته وإزالة الغموض عنه، فهو بذلك المفتاح الإجرائي الذّي نفتح به مغالق النّص السّيميائية.
إذ يقصد المؤلف من وضع عنوان ما لمؤلّفه الأدبي مزيدا من الدّلالات والإضاءات التّي تسهم وبشكل كبير في فكّ هذه الشيفرات، صياغة، تركيبا ودلالة بصفة تتعالق والنّص الأدبي، وبهذا تبقى دلالة العنوان الحقيقية غائبة ومراوغة، الأمر الذّي يدفع بالقارئ إلى محاولة تحديد هذه الدّلالة، من خلال البحث في كلّ هذه الـتّعالقات.
العنوان هو المولّد الفعلي لتشابكات النّص وأبعاده الفكرية لكونه علامة سيميولوجية كائنة في بداية النّص الأدبي، تجعل القارئ يتقبّله ويتفاعل معه ويتلذّذ به، لما يحتويه من دلالات فنّية وجمالية، حتّى يحلّ به ألغاز الأحداث وإيقاع نسقها الدّرامي وتوتّرها السّردي، فضلا عن أهميته في استخلاص البنية الدّلالية للنّص وتحديد تيمات الخطاب الأدبي وإضاءة كلّ النّصوص به، فهو بنية عامة قابلة للتّحليل والفهم والتّفسير والتّقويم أيضا.
العنوان الادبي (كنص صغير) هو أول لقاء يتمّ بين القارئ والكاتب، وفي هذه اللّحظة يحدث الإقتران بينهما، ويحاول الكاتب من خلال عنوانه تحقيق ذلك، لأنّ العنوان كثيرا ما يجلب الشّهرة أو الكساد لمؤلِّفه.
فكم من عنوان ضعيف الاختيار لموضوع عظيم كان وراء فشل صاحبه والحطّ من قيمة عمله الأدبي ومنزلته، ولهذا فضحايا العنوان كثر من الأدباء والشّعراء.
فكلّما كان العنوان باعثا للغرابة والدّهشة تمكن من تحريك شهيّة القارئ واستنهاض رغبة الفضول في ذهنه، فيجلب بذلك إلى هذا الموضوع لإثارة اهتمامه والإيقاع به من خلال تفخيخ خطابه بنوع من الإثارة تركيبا ودلالة و مجازا.