وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ
خواطر بقلم المفكر والأديب: طارق حنفي
قالوا في تفسير الآية الكريمة:ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح، لو فرض أن لهم فهما، فقال: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي: لأفهمهم، وتقدير الكلام:ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم؛ لأنه يعلم أنه ولو أسمعهم أي: أفهمهم لتولوا عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك، وهم عنه معرضون.
ويقول الشعراوي رحمه الله: والله منزه عن الافتئات على بعض عباده، فلم يسمعهم سماع الاستجابة لنداء رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ}..
وعلم الله تعالى أزلي، لكنه لا يحاكم عباده بما علم عنهم أزلًا، بل يجعل لهم حق الاختيار في التجربة الحياتية العملية…
فسبحانه وتعالى العالم أزلاً، لكنه شاء أن يعلم أيضًا علم الإقرار من العبد نفسه؛ لأن الله لو حكم على العباد بما علم أزلاً، لقال العبد: كنت سأفعل ما يطلبه المنهج يا رب؛ لذلك يترك الحق -سبحانه- الاختيار للبشر ليعلموا على ضوء اختياراتهم ويكون العمل إقرارًا بما حدث منهم.
والله أعلم نقول:
هو -سبحانه- الذي ييسر الفهم لخلقه، فلو علم -سبحانه- أن فيهم خيرًا ليسر لهم الفهم، لكنه يعلم بعلمه الأزلي أنه حتى لو يسر لهم الفهم سيعرضون عن الحق.
إن مسألة التسيير والتخيير -كانت وما زالت- شائكة، لكن هذه الآية أعطت لها بعدًا جديدًا، فسبحانه يعلم بعلمه الذي أحاط بكل شيء مكنونات كل ذات، يعلم علم اليقين شرها وخيرها بما يمكنه -سبحانه- من فصل أهل الجنة عن أهل النار عدلًا..
لكن الخير داخل كل إنسان هو ما استدعى رحمة الله وعطائه، فأرسل الله الإنسان إلى الحياة الدنيا بأقدار تهدف إلى إعانة ذلك الخير بداخله لينتصر على شروره، وتكون أقدار التمحيص هنا ليكتشف الخير داخل ذات الإنسان شروره، فتعين الخير على تفسير الشر وفهمه بغرض إصلاحه..
عون فيه لطف ورحمه؛ فحتى وإن لم يستطيع الخير أن ينتصر على الشر فلا ينتصر الشر عليه لكي يبقى الخير فيه ولو بمثقال ذرة، فعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ).
وتكون مسألة التسيير والتخيير بدرجات عمقها تدور بأقدار الله في إطار تعريفه -سبحانه- للإنسان بأسماء الله وصفاته؛ فيفسح للخير المجال عله يستطيع تصويب الانحراف والاعوجاج الذي تحمله كل ذات إنسانية، ويعينه على جرها ناحية الجنة…
إن الله -بعدله- أعطى المجال للإنسان ليفعل ما يشاء، يعصي ويتوب ويعبد بكامل حريته؛ حتى تعرف كل ذات نفسها خبيثة كانت أم طيبة، فلا يأتي أحدهم يوم القيامة ويسأل الله (لماذا) فهو سبحانه (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). ولولا الخير فيه ما استخلفه ولا أعطاه، فكل عطايا الله وقضائه وقدره هو لمساعدة خير الإنسان ليغلب شره..
.
وصل اللهم وسلم وبارك على خير الخلائق أجمعين، محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.