التفكير فريضة إسلامية غائبة!
د. أحمد الطباخ
لا يمكن لأمة جاءها هذا الرسول الأعظم الذي عده فلاسفة الغرب أنه أعظم العظماء ويصل حال الأمة إلى هذا الدرك والسفه والانحطاط ولو فعل الاستعمار بنا ما كان يستطيع أن يفعل ما فعله أبناء جلدتنا من هؤلاء الذين غيبوا العقول وحطموا النفوس وأسأوا الأدب مع تلك القيم الإنسانية التي أسهمت في أن تصنع للعالم سفينة نجاة من الغرق بعد ذلك الطوفان اللأخلاقي الذي حاكه هؤلاء الخبثاء في ليل مدلهم ومكر خبيث للتفريق بين الإنسان وعقله فيحيا دون عقل يرده وإنما يكون أسير شهواته ونزواته فلا يعقل ولا يفكر ولا يتدبر ولا يعصف ما منحه الله إياه من منحة ربانية وهبة إلاهية حتى إذا ما مات ودخل النار وعاتبته ملائكة العذاب كان لسان حاله يقول كما قال رب العالمين :” ولو كنا نسمع أو نعقل ما كنا أصحاب الشعير “.
إن الفريضة التي غيبها المنتفعون والذين لايريدون الناس تحيا بعقولها وإنما أنعام تهيم ببطونها ونزواتها هم من جعلوا العقل غائبا والتفكير محبوسا والإنسان مأسورا لا يعقل ولا يفكر ولا يتحرر من كل تلك الأغلال التي غلته وجعلته هكذا في مستنقع الأسر والضياع والتبعية و….
لقد كرم الله الإنسان وفضله على غيره من المخلوقات وأسجد له ملائكته بعد أن نفخ فيه من روحه وسخر له هذا الكون وجعل له دار معيشة وأخرى أبدية تكريما له بما حباه من عقل وما وهبه من لب فهي من أجل النعم واعظمها وذلك أن :
العقل هو مناط التكليف الذي جعل الإنسان أهلا لحمل الأمانة والعقل هو الذي يميز الطيب من الخبيث ويعلم الحلال والحرام ويفرق بين الحق والباطل فهو أداة التفكير الإنساني من حيث هو بحث وتدبير وتقدير ومن ثم اختيار وتقرير ليس هناك من تصادم أو تضارب بين الفكر والدين ولا بين العقل والإيمان فالعقل هو الذي يوثق عرى الإيمان ويربط المؤمن بالكون من حوله للتدبر والتفكر في خلق الله من سماء وارض وجبال وبحار وأنهار ومحيطات وتباين في خلق الناس ما بين أبيض وأسود وعربي وأعجمي وسوي ومعطوب وفصيح وابكم طويل وقصير وتنوع في النوع ما بين ذكر وأنثي ومخلوقات الله التي تنوعت في سلوكها وطعامها وشرابها وسكناها وارتحالها وغير ذلك مما يشحذ الإيمان ويحرك العقول إلى التأمل والتفكر والنظر .
ويوم أن أهمل المسلمون العقل وعطلوه عن وظائفه الحقيقية ومهامه أصابهم الخطل والعطب وصاروا أمة تحدق بها الأخطار وتنهشها سباع الغرب ولو أننا سخرنا عقولنا في وضع منهج واضح لبناء الإنسان صانع العلم والثقافة والفن وصانع الحضارة لما وصل إنسانا إلى هذا الدرك فأين نحن من العقل المدرك المدقق الناقد المنتج وليس الذي هو عالة على غيره من هؤلاء الذين أرادوا أن يخرجوا لنا ثلة من الأراذل يطعنون في ثوابتنا وقيمنا ويسلبوننا هويتنا وديننا فلقد تخلى العقل قسرا أو جوعا عن دوره الحيوي المأمول في الفرز والتطوير والإضافة ؛ وها نحن نرى بأم أعيننا ماذا ٱلت إليه أحوالنا عندما تعطلت ملكة التفكير فصرنا نتعثر في خطانا وألفينا أنفسنا في مؤخرة الركب الإنساني نمد أيدينا طلبا للمساعدة إما توسلا للأخذ بها عونا وإما تسولا بما يوضع فيها عطفا لذلك كانت الدعوة إلى التفكير دعوة حقيقية إلى الحياة الحرة الكريمة فالتفكير هو الفاصل بين المذلة والكرامة بين التخلف والتقدم بين أن نكون او لا نكون