مقال

الحماقة داء عضال

بقلم: خالد رمضان
تقول الأمثال الشعبية : العقل زينة، فما أجمل أن يكون لك عقلٌ تسترشد به في غيابات الجهل، فتهتدي به بعد الضلالة، وتقتدي به بعد الغواية، وتبصر به بعد العماية، وكما يقول البارودي :
لو كان للمرء عقلٌ يستضئ به

في ظلمة الجهل لم تعلق به النوبُ
وقد قال تعالى مؤكدا ذلك المعنى : ” بل الإنسان على نفسه بصيرة “
عند تفسير بعض العلماء على تقدير عين بصيرة ، أو عند من يرى بناء الفعل على وجود تاء المبالغة كقولك علاّمة وفهامة، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المعنى بقوله : ” لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين “
فالعقل والتدبر من شيم الصالحين، ومن يعملون عقولهم في نفع أنفسهم والٱخرين، ولكم وُصفَ كثيرٌ من الصحابة رضوان الله عليهم بالحصافة في العقل، والسداد في الرأي كعمرو بن العاص، الذي كان يلقب بداهية العرب، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما من دهاة العرب، فقد قال السابقون :
دهاة العرب أربعة : معاوية بن أبي سفيان في الحلم والأناة، وعمرو بن العاص للمعضلات، وزياد بن أبيه للكبيرة والصغيرة، والمغيرة بن شعبة للمبادهة، أي سرعة البديهة .
من ذلك بعض الطرائف التي كانت بين معاوية ، وعمرو بن العاص أن معاوية سأل عمرا يوما فقال له مداعبا إياه : يا عمرو، أأنت أذكى أم أنا ؟
فقال عمرو أنا أذكى
فقال معاوية : لا
بل أنا يا عمرو، لأني بذكائي صرت خليفةً للمسلمين ، أما أنت فلا .
فأسرّها عمرو في نفسه، وذات مرة انفرد بمعاوية فبادره بنفس السؤال، فأجاب معاوية:
قلت لك من قبل يا عمرو : إني الأذكى، فقال له عمرو : لا
بل أنا
فقال معاوية: ولمَ ؟
فقال له عمرو: ادنُ مني أساررْك .
فدنا معاوية حتى اقترب منه، فقال له عمرو ساخرا :
لمَ تدنو مني وليس في المجلس سوى أنا وأنت
فضحكا حتى القهقهة، فقال معاوية : هذه بتلك
فطنة العقل، وسرعة البديهة تعد القائد الحكيم لهذا الإنسان العظيم في فيافي الحياة .
أما الحماقة الحمقاء، والجهالة الشعواء أن تكون بين الناس كفاقد الحواس لا عقل ينفع ، ولا فكر يشفع، فتكون كما قال الإمام الشافعي:
لكل داء دواءٌ يُستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
إن الحمق داءٌ فاتك ليس له دواء، وهنا سنسرد بعض علامات الحمقى ومنها :
أن الأحمق كثير التلفت، فتراه في مٍشيته، أو جٍلسته يتلفت يمنة ويسرة كأنه يخشى أحدا، أو يفقد شيئا .
ومن علامات الأحمق سرعة إجابته فلا روية ولا هدوء نفس تماما كما تقول الحكمة العربية: لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه .
يروى أن رجلا تحدث عند معاوية فأكثر الكلام حتى ضجر منه معاوية فقال له: اسكت
فقال الرجل: وهل تكلمت ؟
قال بعض الحكماء:
يعرف الأحمق بست خصال
– الغضب من غير شئ
– الكلام في غير نفع
– الإعطاء في غير حق
– الثقة بكل الناس
– عدم التفرقة بين العدو والصديق
– إفشاء السر
ومما يروى من أخبار الحمقى والمغفلين أنه كان هناك رجل يُدعى هنبقة، فعندما مات أبوه قال له أحد الحاضرين:
اذهب واشترِ الكفن، فقال :
أخشى أن أذهب لأشتريه فتفوتني الصلاة عليه ههههههههه
ومن طرائفة أنه سمع رجلا يقول : ما أجمل القمر !
فقال : إي والله وخاصة في الليل هههههههه
ومما يروى أيضا من أخبار هؤلاء أن أحدهم نظر يوما في المرٱة فدعا وقال :
اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض الوجوه، وسودها يوم تسود الوجوه ههههههههه
ومن ذلك أيضا أن أحدهم أتاه غلامه يوما بفرخٍ وقال :
انظر يا سيدي ما أشبهه بأمه !
فقال الرجل :
أمه ذكر أم أنثى؟ ههههههههه
فاحذر مرافقة الأحمق فإنه إذا أراد نفعك أضرك، وعلى حد قول الشاعر :
ولئن تعادي عاقلاً خير لك
من أن يكون لك صديقٌ أحمقُ
ومن أمثال العرب التي قيلت في الأحمق :
لا يعرف قطاته من لطاته.
ومعنى القطاة: الردف
واللطاة : الجبهة
وفي الأخير نقول :
إن مفهوم الحماقة لا يقف عند من يتصفون بضعف العقل، أو قلة الفهم، بل يمتد لأوسع من ذلك، فمن الحماقة :
أن تخسر أهلك وذويك وأصدقائك، وفي ذلك يقول معاوية :
لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها ، إذا شدوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها.
ومن الحماقة أن تقذف حمما تخرج من فيك لتلطمها وجوه الٱخرين بحجة أنك صريح، فلا تنال منهم إلا البغض والسخط .
الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:” ولو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك “
فالناس تحب كلَّ هيّن ليّن .
ومن الحماقة أن تحيا بلا هدف، ولا رسالة كهذي السوام التي ترعى في أحضان الوديان، أو أعالي الجبال، ليلها كنهارها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وفي ذلك يقول تعالى :” والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام “
بطون تُملأ، وشهواتٌ تقضى، وأعمار فيما لا يرضي الله تفنى .
إن من لا يستفيد من عقله، أو علمه، أو وقته، أو صحته، كان أول الحمقى، ولو أوتي ذكاء إياس، أو حلم الأحنف، أو إقدام عمرو ، أو سماحة حاتم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى