قراءة في رواية “طيور المساء” للكاتبة الفلسطينية أسمهان خلايلة
بقلم: هدى عثمان أبوغوش
رواية “طيور المساء”للكاتبة الفلسطينية أسمهان خلايلة،عن دار الهدى للطباعة والنّشر في كفر قرع،صدرت عام 2021،وتقع الرّواية التي صمّم غلافها الفنان مبدأ ياسين في 159صفحة من الحجم المتوسط.
“طيور المساء”عنوان لافت للقارىء،فالطيور عادة لا تحلّق في المساء بسبب عدم رؤيتها بالّليل،إلا أنّ طيور الأديبة أسمهان تحلّق في المساء الحزين بلا رحمة،”طيور المساء”هو عنوان مجازي يقصد به الشّهداء ال49من قرية كفر قاسم الفلسطينية،من رجال ونساء وأطفال،الذين ذبحوا برصاص حرس الحدود المحتل عام195629/10أثناء العدوان الثلاثي على مصر،وذلك من خلال فرض حظر تجوال في المساء.
الحاجة هنا في”طيور المساء”هي الشاهدة والناجية تروي لحفيدها فارس تفاصيل المذبحة من خلال شريط تسجيلي ليقوم فيما بعد بكتابة رواية عن المذبحة،وتعتبر الرّواية تسجيلية واقعية،حملت بين أوراقها أسماء المجرمين والشهداء،هي رواية توثق حقيقة المجزرة لمنع محاولة تزويرها من قبل المحتلّ.
نجحت الأديبة أسمهان في تصوير الوجع والقهر والجراحالذي أصاب كفر قاسم،فرسمت بقلمها الثائر صورالإعدام للعاملين والعاملات الذين رجعوا إلى بلدتهم في المساء من خلال الوصف التصويري الدقيق المفعم بالأحاسيس والصور البشعة،صورت الصدمة عند الناس وصور النواحوالأسى وصور العاطفة الحزينة،وصورالانتظاروالقلق والخوف والتوتر حول سرّ حظر التجوال وأثنائه”ولا شيء يضغط غير الوقت وصعوبة التّوقع والانتظار”صفحة117.استعانت بأحاديث الجرحى الناجين حول مشاهداتهم للمجزرة،نقلت لنا الكلمات التي رددها حرس الحدود حين أجمعوا على التخطيط للمذبحة التي تصور عدم الرحمة وعدم التردد في القتل”الله يرحمه””احصدوهم”،”هذه الحبلى إياكم أن تتركوها،لا أُريدها أن تتنفس.اقتلوهن جميعا،أبيدوهنّ”صفحة119.استعانت بالأغاني التراثية التي عبرت عن الجراح ،وبالأمثال الشعبية التي ساهمت في تصوير الحالة الاجتماعية والنفسية والسياسية.
في هذه الرّواية تصور الأديبة خلايلة ظروف الحياة السياسية في كفر قاسم التي وقعت تحت الحكم العسكريحينها وتبرز أثر الحكم العسكري على الحياة الاقتصادية والمناهج في المدارس،ومحاولة طمس ومحو الهوية الفلسطينية.
في”طيور المساء”طغت اللهجة العامية الفلسطينية في الرّواية على حساب الفصحى خاصة في الفصول الأولى للرّواية وذلك من خلال الإسهاب في الحواربين الشخصيات،ممّا يخلق عدم فهم لبعض المفردات عند بعض القرّاء ولذا حبذا لو فسرت بعض المفردات من خلال فهرس خاص. يقول الكاتب الفلسطيني صبحي فحماوي،أن اللهجة المحكية هي أكثر صدقا وواقعيا من اللغة العربية الفصحى وهيعاجزة عن الانتشار لأنها مرتبطة بالمكان ولا تغادره ولا نستطيع تصديرها إلى خارج منطقتها،ويرى الكاتب إلياس فركوح “بالنسبة للعامية نجاحها في بسط رؤية الكاتب في كيفية إنطاق شخصياته بحسب تكوينها وحدود معارفها”،.والجدير بالذكر أن اللهجة العامية في الرواية ساهمت كثيرا في تقريب نقل الأحاسيس والصور والحركات المختلفة للشخصيات،ونقل صدق الحوار وحرارته مما جعلتنا نتفاعل مع الشخصيات والحدث.وليس مجرد صدفة أن نجد الحيرة عند فارس في كيفية كتابة شكل الرّواية بالعامية أو الفصحى،وهذا يعيدنا إلى الحوار الذي جرى بين الحاجة هنا وحفيدها فارس،في حيرة فارس هل يكتب الرّواية بالعامية أو بالفصحى”كتبت كل ما قلتيه،الآلة تسجّل وأنا أكتب ما تسردين،لكن أحاول بالفصحى ،لأنني ما زلت في حيرة يا حجةّ،هل أكتب القصّة بالفصحى أم بالعامية”،تلك الحيرة تؤكد على أن الأديبة ساورها القلق أثناء الكتابة في حرصهافي نقل تفاصيل المذبحة بأفضل صورة واضحة.إن اختيار الأديبة خلايلة لجعل ذكرى مجزرة كفر قاسم هو يوم فرح يتم فيه الاحتفال بتزويج ٤٩من العرسان من البلدة ومن بلدات مجاورة ما هو إلا لمحاولة لانتصار التمسك بالحياة أو كما يقول درويش”ونحن نحب الحياةما استطعنا إليها سبيلا”.
لكنني أجد أنه من الناحية النفسية والعاطفية،الاكتفاء بذكرى المجزرة كما هي وعدم خلط المراسيم التي اقترحتها الأديبة،فكما للحزن ذاكرة فإن للفرح ذاكرة خاصة أيضا.
جاءت النهاية كحشدزائد،حيث أدخلت القارىء وهو في لحظات الحزن ومشاعر الغضب إلىالخطابات السياسية،وإلى التعايش العربي اليهودي، العرس في ذكرى المجزرة،رأيت النهاية في صورة الأمل عند مروان وهو يحمل صورة ابنه فارس ويردد أنا متفائل،لكن الأديبة اختارت أن تمنحنا كل التفاصيل قبل ولحظة المذبحة وما بعد ثلاثين عاما.
رواية “طيور المساء”تستحق القراءة لأهميتها ولمصداقيتها،كلّ الشكر للأديبة أسمهان خلايلة لتطرقها لمذبحة كفر قاسم،ونتمنى لها المزيد من الابداع.