الإدمان مقبرة الإنسان
محمد مهدي | المغرب
أضحى الواقعُ الإفتراضيُّ الأزرقُ سجناً أبديًّا يَسلبُ الوقتَ ويضيعهُ، يخرجكَ من واقعٍ يُفترضُ أَنْ تَعيشهُ لِسجنٍ وَهمِيٍّ تَتبَّعُ أَخبارهُ وَأحداثَه، تدورُ فيهِ كرحى لاتدورُ إلاَّ لِأَجلِ الدوران بينمَا رَحَى الحياةِ تدورُ، وندورُ نحنُ مع الوهمِ…!
إنما المأساة بعينها أنْ ينقطعَ الاتصالُ، فيتيهَ الإِنسانُ بانقطاعِ الوهمِ، لِيتيهَ للوهمِ ولأجلهِ…ينقطعُ عن الوهمِ، يحسبهُ واقعا- وإن كان بعضهُ يمثلُ الواقع- فلا هو يعيشُ الواقع ولا هوَ ينفلتُ من براثِنِ الخيالِ..
لمْ يكُ هذا الواقعُ مصداقيا في شموليتهِ بنفس المصداقية التي يحملها الواقعُ نفسُهُ؛ إذْ يمثلُ أُنموذجاً واضحاً للكذبِ والنفاقِ الإجتماعيِّ والبحثِ عنِ الشهرةِ الزائفةِ…وماذا عن المثاليةِ؟
أمنْ تعرفهُ في الواقعِ حقَّ معرفةٍ هو نفسهُ من يختبئُ وراءً منشوراتِ الوعظِ والإرشادِ؟ ومنْ يتواضعُ في منشوراتهِ عينهُ من “يمشي في الأرضِ مرحاً “كأنهُ مالكُ الدنيا وما عليها؟ ومن يعرفُ نفسهُ حقَّ معرفةٍ هُوَ صاحبُ الصفحةِ والحسابِ…
يباعُ المرءُ وتحددُ قيمتهُ بعددِ الجيماتِ والتعليقاتِ الرنَّانةِ فيتسربُ الغرورُ والثقةُ الوهميةُ الزائدة. ..وماذا عن أطفالٍ صغارٍ يتأثرون بمنْ هبِّ ودبَّ؟
لقد أضحى هذا الأخيرُ منشأً للتربيةِ،مجالاً للمقارناتٍ، مصدراً للمشاكلِ والإزعاج….لن ننكرَ إيجابياتِ هذا الموقعِ ولن ننكرَ سلبياته العديدةٍ أيضا، ومنْ كان لهُ الفضلُ كانتْ يجبُ أن تكونَ) لهُ غلبةُ الاستعمال …! هل هوَ معدٌّ للإخبارِ أمْ لفضحِ الأسرارِ؟
وقتُ الإنسانِ وصحتهُ أثمنُ من الخيالِ، تمرُّ بنا السنونُ، تمرُّ الجزئياتُ والتفاصيلُ الصغيرةُ مرورَ الكرامِ، وكَمْ أَحداثاً مرت على أنظارِنا وكلماتٍ مرت على مَسامعنا لَمْ نُلقِ لها أيةَ أهميةٍ وبالٍ، نجلسُ مع آباءنا إخوتنا وأمهاتنا مشردي البالِ محظوري الإنتباه …موقع التواصل سجنٌ مخدرٌ، والإنسان حصيلةُ ما يدمنهُ في الختامِ