مقال

عُش الزوجية

خالد رمضان| كاتب مصري
العلاقة الزوجية علاقة قوية الأواصر، متينة الروابط، تجمع بين ذكر وأنثى تحت مظلة شرعية، وإرادة إلهية، وإنما كان ذلك الاجتماع بكلمة نورانية ينتج عنها ذرية بعد ذرية تربط الأبناء والأسباط بالٱباء والأجداد رباطا لن ترى له مثيلا .
يقول تعالى في سورة النساء:” وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21)وفي ذلك يستطرد الشيخ الشعراوي رحمه الله فيقول : انظر إلى شريعة الله تعالى النافعة الناجعة الحافظة للأعراض، الراعية للأحساب والأنساب، الحامية للبنات والشباب، المقيمة لحدود الله، المحرمة لكل ما هو فاسد ومفسد، المشرعة لمصارف الشهوات والرغبات في مصارفها المحلّة الطاهرة النقية .
ثم يقول : انظر إلى ذلك الشاب الذي يتقدم لخطبة فتاة من فتياتنا، وكيف يكون بعد الموافقة عليه من الترحيب وحسن الاستقبال حتى لتشعر وقتها أنه فرد من أفراد تلك الأسرة وابنا من أبنائها، ثم تدق الطبول وتنطلق الزغاريد وتنشد الأغنيات، وتعلق الأنوار والزينات، ويتبادل الحاضرون التهاني والقبلات والمباركات والولائم والعزائم .
والعجيب في الأمر أن كل هؤلاء بما فيهم من ذوي تلك الفتاة يعلمون معنى العلاقة الزوجية، وأنها علاقة حميمة بين ذكر وأنثى، ولكن كما يقول الشيخ : قطع الحلال أنف الغيرة
فيستقبلون ذلك بالفرحة والبهجة والسعادة، ثم إذا أراد الله لها الحمل تجدها تمشي وهي تتثاقل بحملها متباهية به كاشفة له .
ثم يكمل الشيخ كلامه قائلا : وعلى الضفة الأخرى وفي المقابل تجد حال تلك التي انتشلها الذئب المعتدي فنال من عرضها وشرفها بعد انخداعها بكلامه المعسول، وعلقت بشباكه المنصوبة فذاقت وبال أمرها وكانت عاقبتها سوءا وخسرانا.
انظر إليها كيف تتوارى من الناس من سوء فعلتها، ولسان حالها يقول : يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) سورة مريم
هذه علاقة حميمة، وتلك علاقة حميمة ولكن شتان بين النور والظلماء .
الأولى علاقة مشروعة جمعت بين ذكر وأنثى تحت سقيفة شرعية استحل فيها الزوج فرج زوجته بكلمة الله، وأقام كل منهما حدود الله، اتخذ الزوج تلك المرأة زوجة له على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليست علاقة سفاح ولا استبضاع، ولا شغار ولا نكاح الخِدن، ولا نكاح البَدل، ولا أصحاب الرايات الحمر كما كان في الجاهلية .
هنا في وسط هذه الأسرة الجديدة وضع الله تعالى لها نهجا تسير عليه، وأسس لها أسسا ترفع أعمدتها، وتحمي كيانها، ولو علم كل طرف ماله وما عليه لذابت الخلافات والاختلافات ذوبان الجليد تحت أشعة الشمس الحارقة، ولمُحت الصراعات، وانتهت المشاحنات واندثرت العداوات .
ولكن ما يؤجج هذه النيران الحارقة هو الجهل، جهل الزوجة بحقوق زوجها، وجهل الزوج بمعنى القوامة .
مما يزيد الأمر سوءا ما نشاهده على شاشات التلفاز في بعض القنوات الممقوتة التي تعتلي شاشاتها أناس لا علم لهم حتى ينشروه، ولا نفع لديهم حتى يذيعوه .
فتجد من تحرض الزوجة على زوجها بعدم طاعته، أو الامتثال لأوامره ورغباته وأنها ليست جارية تحت قدميه، ولا خادمة له ولا لوالديه.
وٱخر يحرض الزوج على زوجته بأنه يملكها وهي كالأسيرة عنده ولا رأي لها ولا مشورة وكأنها من سقط المتاع.
إن هذه الأبواق الإعلامية كالسوس الذي ينخر في العظام، وكالسم المعسول الذي يسري في بدن صاحبه حتى يقضي عليه شيئا فشيئا، وكأن خراب البيوت أصبح هو ما يقتاتون عليه دون النظر إلى عواقبه الوخيمة، ولا ٱثاره المدمرة .
إن هذا النهج الذي ينهجه هؤلاء المخربون إذا دققت النظر فيه فستجده لا يقوم على علم، ولا ينتمي إلى أسس عقائدية، ولا أعراف اجتماعية إنما هو أهواء وغوغاء وضوضاء يتفوه بها هؤلاء لمجرد جذب الانتباه، وحصد المشاهدات لجمع الدراهم والدولارات .
حينما فرغت العقول أصبحت أوعية يملؤها المغرضون، ويتصيدها الصائدون، فإنما يأكل الذئب من الغنم الشاردة، فقد أصبحت تلك الزوجة كالشاة التي ضلت قطيعها فباتت فريسة لأي ذئب معتدٍ أو حتى كلب جائع يمزقها أشلاء أشلاء حتى لا يدع لها أثرا .
أما حينما تسود العقول تكمن الخبائث وتندثر الخرافات فلا تسمع إلا همسا، ولا ترى أشباه هؤلاء يقولون ولا يُسمعون فيصبحون بعد ذلك غثاء كغثاء السيل، وتصبح دعواهم كشهيم المحتظر لا تحرق إلا صاحبها، ولا تقتل إلا نفسها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى