أدب

امرأة زائفة (6)

رواية من واقع الحياة الثقافية

م. أسامة الخولي | شاعر مصري
في مشهد جنائزي فريد بكامل زينتها وقفت حياة البطران على حافة بئر سحقية في نقطة مظلمة في قاع ضميرها حيث تنعدم خطوط الطول ودوائر العرض ولافتات المرور الإرشادية
ترتدي عباءة سوداء مطرزة بالخرز الأحمر اللامع على الصدر والأكمام تتدلى نظارتها الشمسية بعدساتها السوداء الكبيرة على صدرها وحذاءها الأسود اللامع بكعبه العالي يكاد يلامس حافة البئر
نظرت حياة نظرة مودع على جثث ضحاياها القدامى الممددة في قاع البئر يفوح منها رائحة اللحم المشوي على نار الزيف وتغطي وجوههم نظرة ندم ودهشة ثم رفعت كفيها باتجاه السماء فلمع بين أصابعها خاتم زواجها الأخير وقرأت الفاتحة على أرواح ضحاياها المعذبة وذرفت دمعتين قبل أن تهيل التراب عليهم وتمضي
فيما بعد نسيت حياة الطريق المؤدي للبئر أو بالأحرى تناست جثث ضحاياها اللهم إلا من بعض ثعابين الذكريات التي استطاعت أن تجد شقًّا ضيقا يمتد من قاع البئر المطمورة حتى كوابيس حياة الليلية
كانت ثعابين الذكريات تخرج هاربة ليلا فتهاجم حياة انتقاما لأرواح الضحايا ثم تعود أدراجها في قاع البئر منتشية حاملة للضحايا صدى صرخات حياة وقلقها الليلي ثم ندمت الثعابين إذ أنَّ حياة أجادت استغلال هذا القلق الليلي في الإيقاع بأكثر من فريسة في الليلة الواحدة عن طريق هاتفها في مكالمات متعددة الأغراض تطول وتقصر اعتمادا على حالة حياة المزاجية مع أنها في بعض المرات كانت تصاب بالهلع بسبب كثرة ثعابين الذكريات فتقفز من سريرها صارخة وتنهي المكالمة مع ضحيتها بحجة تذكرها بعض المشاهد القديمة من أيام طفولتها المعذبة مستدرة عطف الضحية وشغفها وقلقها
شهر مارس /آزار حيث يجدد الكون خلاياه كذلك حياة تجدد جلدها كل عام مع دخول شهر مارس خصوصا في السابع والعشرين منه حيث اختارته كتاريخ فاصل بين حياتها القديمة وضحاياها الجدد حتى أنها اختارته كأول لقاء يجمعها بأدهم المنستيرلي تحديدا ٢٧ مارس ٢٠٢١
بالطبع كان لابد من بطاقة مرور تستخدمها حياة لتعبر بوابة العالم السحري عالم الأدب
والحقيقة كان الأمر محيرا في بدايته فلهذا العالم بوابات كثيرة ولكل بوابة بطاقة عبور مختلفة
بوابة الشعر لا تستطيعها حياة بالرغم من أن لديها أذنا موسيقية شديدة الدقة علي صغرها تجعلها تترنم بشكل سليم بالألحان الكلثومية وبسببها حفظت أغان فلكلورية كثيرة إلا أن الشعر يحتاج ثقافة واسعة واطلاع مستمر وصدق لا شية فيه مع رهافة حس
وهي بالكاد أنهت دراستها المتوسطة في أحد المعاهد الحكومية ولولا حاجتها لتعديل مسارها الوظيفي وطموحها في حمل لقب حاصلة علي ليسانس لما تقدمت بآوراقها إلى قسم التعليم المفتوح بحامعة القاهرة والسبب الأهم فقر الشعراء ورقة حالتهم المادية وحساسيتهم المفرطة
عليها إذا أن تستبعد بوابة الشعر
وبالتأكيد فبوابة النقد مغلقة تماما في وجه حياة
كاد الياس يغلق أمامها كل البوابات حتى لمعت فجأة فكرةٌ جهنمية داخل عقلها
(وجدتُها)
هكذا صاحت حياة بفرحة عارمة إذ اهتدت أخيرا لبوابة العبور المثالية ولبطاقة مرورها السهلة
لماذا الرواية تحديدا وكيف عبرت حياة عالم الأدب من بوابة الرواية ومن ساعدها وكيف
مفاجآت كثيرة تتكشف في حلقتنا التالية من امرأة زائفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى