رواية عهد دميانة للروائي أسامة عبد الرؤوف الشاذلي.. براعة مؤرخ و روح روائي
د. هبة الغنيمي | القاهرة
يوسف ابن صدقة الباحث عن الله / الحق …، ذكرتني هذه الرواية البديعة التي تضج بالتاريخ بحكمة المصريين القدماء ” اعرف نفسك ” ، تلك هي الحياة .. ، رحلة للبحث عن هوية الذات . قصة مميزة سطرها قلم الروائي أسامة عبد الرؤوف الشاذلي عن ” يوسف ” الذي عبر الدنيا محاولا معرفة نفسه و ربه حق المعرفة دون مذهبية .. و باختيار الفطرة السليمة و صفاءها ، فنأى جانب العدل فيما رأى من أحوال الدنيا و السياسة و السلطة و حاول الوقوف الى صف كل مظلوم رغم ثورية التقلبات في تلك الفترة التاريخية فقدم العدل كما رأى بعين قلبه لذوات خلقها الله على مراده .. ، و دار بها الزمان دورته الحالكة في ظل الحقبة الفاطمية التى تناولها ببراعة مؤرخ و روح روائي و هو ما يميز المنهج الروائي الذي اتخذه أسامة الشاذلي ، و هو تقديم قراءة تاريخية واقعية عن الحقب التاريخية المختلفة الغامضة نوعا ما و ينقصها التجسيد الحقيقي في ظل السرد التاريخي الرصين .
بدءا من روايته الأشهر ” أوراق شمعون المصري ” حينما تعرض للقصة الواقعية لنبي الله موسى مع بني اسرائيل بتفصيل مشوق و روعة في السرد و فيها حاول التقصي للقصص القرآني و السرد التاريخي بشكل موفق . أما الحقبة الفاطمية فهي من أصعب الفترات التي يمكن تناولها تاريخيا فما بالك بأن تنسج رواية لأحوال ما كان فيها من أحداث .. تفتح الرواية للقارىء شباكا ليرى منه حقيقة الصراع على السلطة و كيف اختلطت المذاهب و كيف تم استخدام الدين لخدمة السلطة و القوة و الغلبة و كيف دارت عجلة الزمن بأقدار أبطال الرواية الذين يخيل للقارىء بأنهم جميعهم ضحايا حتى من ظلم منهم .. كان ضحية .
فبالمعايير الانسانية البحتة .. حتى الظالم قد ظلم نفسه بظلمه قبل أن يظلم الآخر .. ، قال يوسف : ” سعيت أن أكون انسانا يعرف ذاته ، و قد عرفتها .بحثت عن جوهري ، فأدركت أن جوهر الانسان لا يحده جسد ، و لا بيت ، و لا وطن ، و لا دين ، و لا مذهب . فحدوده كون يحيط به ، و منتهاه الى خالق أبدعه وأنشأه و اختار له الارض موطنا . سعيت لأن أرى أثر أقدامي على الارض ، فأدركت أن الأثر في النفوس أبقى و أدوم …” …. ، انتهى الأمر القدري لرحلة بطل الرواية الى التصوف أي الصفاء لله الخالق و هو المعنى الحقيقي و البكر للفطرة السليمة لا بمظهر مشوه و مزيف كما يحدث الان .. تحولت نفس يوسف الى نفس قديس أو ولي تحرر على يديه سجانه من يراثن أفعاله .. ، و تلك تجليات الحق و العدل والاستقامة .