استيلاء الاحتلال على منزل عائلة صب لبن جريمة حرب
المحامي علي أبوهلال | فلسطين
تواصل سلطات الاحتلال الاستيلاء على منازل الفلسطينيين، وطردهم منها، في اطار سياسة التمييز العنصري والتهويد والتطهير العرقي التي تمارسها في مدينة القدس المحتلة، حيث اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم الثلاثاء الماضي 11/7/2023، البلدة القديمة في القدس المحتلة، وقامت بمحاصرة منزل عائلة نورا صب لبن في حي عقبة الخالدية، وقمعت عشرات المتضامنين والأهالي في القدس القديمة، وأجبرتهم على إخلاء المنطقة، واعتدت على عدد منهم، وذلك تمهيدا لإخلاء العائلة من منزلها وتسليمه للمستوطنين للسكن فيه بموجب قرار صادر عن محكمة إسرائيلية.
يذكر أن “دائرة الإجراء والتنفيذ” حددت الفترة الواقعة ما بين 28 حزيران حتى 13 تموز/ يوليو، لإخلاء العائلة من منزلها. وفي وقتٍ سابق، كان الاحتلال حدد سابقا، يوم 11 حزيران لإخلاء العائلة من المنزل، لكنه لم يتمكن من تنفيذ القرار بسبب رفض العائلة والمتضامنين معها إخلاء المنزل.
وجاء قرار الإخلاء بعد أن أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، قرارا سابقًا بإنهاء عقد الإيجار المحمي للزوجين المسنين، نورا صب لبن (68 عاما) ومصطفى صب لبن (72 عاما) لإفساح المجال للاستيلاء على العقار من قبل جمعية “جاليتسيا” الاستيطانيّة التي تسعى لإخلاء العائلة منذ العام 2010 وسبق لمحاكم الاحتلال أن منعت عام 2016، أبناء العائلة المقدسية “صب لبن” رأفت وأحمد وزوجته وأولاده، وشقيقتهما من الإقامة داخل المنزل؛ مما أدى إلى تشتت العائلة. ومنعت الأبناء من العيش مع والديهم، ما أدى إلى تفريق العائلة.
يقع منزل عائلة صب لبن على بعد عدة أمتار من المسجد الأقصى، وهو مستأجر من المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1953 ويخضع للإجارة المحمية. وسبق للمستوطنين أن استولوا قبل عدة سنوات على جزء علوي من المبنى وجزء آخر منه، وبقي بيت عائلة “صب لبن” يتوسط المبنى الذي يحيطه الاستيطان من كل جهة. وكانت العائلة استأجرت المنزل عام 1953 من المملكة الأردنية، وتم منحها حقوق إيجار محمية، لكن بعد احتلال القدس جرى وضعه تحت إدارة ما يسمى “حارس أملاك الغائبين”، بادعاء أن ملكيته تعود لليهود، وهذا ما نفته العائلة بشكل قاطع.
وفي عام 2010 ادعت “جمعية جاليتسيا الاستيطانية” أن منزل العائلة هو وقف يهودي، وعليه قررت محاكم الاحتلال إنهاء الإجارة المحمية للعائلة وإخلائها من المنزل، وسبق ذلك جلسات عديدة وقرارات مختلفة بدأت في ثمانينات القرن الماضي، في محاولة لانتزاع ملكية المنزل.
قال خبراء الأمم المتحدة، إن الإخلاء والتهجير القسريين لعائلة غيث صب لبن والعديد من العائلات الفلسطينية الأخرى في القدس الشرقية، قد يرقيان إلى جريمة حرب تتمثل في الترحيل القسري ويجب أن يتوقفا فورا. وأضافوا: “انه لأمر صادم للغاية ومفجع أن نرى نورا غيث ومصطفى صب لبن، وهما زوجان فلسطينيان مسنان، يطردان من منزل عائلتهما حيث عاشا طوال حياتهما وربيا أطفالهما.” وقال الخبراء، “كما قلنا مرارا وتكرارا، فإن عمليات الإخلاء القسري للفلسطينيين في القدس الشرقية هي جزء من آلية الفصل العنصري الإسرائيلية التي تعمل، وتهدف إلى تعزيز الملكية اليهودية للقدس والهيمنة العنصرية على سكان المدينة.
وشهدت الأسابيع الماضية فعاليات وزيارات من قبل وفود دبلوماسية غربية تضامنية مع العائلة الفلسطينية التي رفضت إخلاء منزلها طوعا منذ قرار المحكمة. وقوبلت عملية إخلاء المنزل والسيطرة عليه بتنديد فلسطيني. واعتبرت وزارة شؤون القدس في السلطة الفلسطينية أن ما جرى بحق عائلة صب لبن “تطهير عرقي وتهجير عرقي يرقى إلى جريمة حرب”.
ان إخلاء منزل عائلة صب لبن سيكون مقدمة للاستيلاء على المزيد من المنازل الفلسطينية وخاصة في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، وأحيائها مثل سلوان والشيخ جراح. ما يقتضي من المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، وكافة المنظمات الدولية الحقوقية، عدم الاكتفاء فقط بموقف الشجب والتنديد والتعبير عن القلق، بل التحرك الفوري والحاسم لوقف جميع قرارات “الإخلاء القسري وهدم المنازل والنشاط الاستعماري الاستيطاني في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتشكل سياسة اخلاء منازل الفلسطينينيين وترحيلهم منها، جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية، تستوجب المسؤولية الدولية لدولة الاحتلال، وعلى المحكمة الجنائية الدولية تحمل مسؤولياتها القانونية لمحاكمة مرتكبيها، والكف عن التعامل بمكيالين تجاه هذه الجرائم على الصعيد العالمي، حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب.