سياسة

الظلم القومي على الفلسطينيين وسياسة الشيوعية العمالية

بقلم: سمير عادل

ظلت المسألة الفلسطينية إحدى القضايا العالقة منذ الحرب الباردة، ورغم انتهاء تلك الحقبة إلا إنها لم تصفَ مثلما تم تصفية قضايا أخرى.

الظلم القومي هو مثل بقية المظالم الأخرى المرتبطة بالنظام الرأسمالي، ولا يمكن تصور عالم خالٍ من الظلم سواء أكان اقتصاديا او سياسيا واو اجتماعيا او جنسيا او عرقيا أو قوميا او دينيا بوجود العلاقات الرأسمالية. فالأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي والعلاقات الإنتاج الرأسمالية هي الظلم بالمعنى المطلق للمقولة، وبدونه لا يمكن ادامة حياة ذلك النظام، والذي هو انعكاس تارة بشكل مباشر وأخرى بغير مباشر للصراع الطبقي.

الظلم القومي على الفلسطينيين هو قضية موضوعية، وقل نظيره بالتاريخ الحديث والمتمدن للبشرية، وهو ظلم سافر يندى له جبين الإنسانية، ويرتقي الى مصاف الظلم الذي تعرض له اليهود على يد النازية بالحرب العالمية الثانية، والمعروفة بالهولوكوست.

إن ما يميز الظلم القومي على الفلسطينيين عن بقية المظالم القومية الاخرى، السعي المتواصل في انتاج ذلك الظلم والمتاجرة به ليس الان فقط بل أيضا منذ عهد الاستعمار الحديث وتوج رايته اثناء مرحلة الحرب الباردة.

وفي إدامة هذا الظلم السافر إلى يومنا هذا، تكمن مصالح سياسية وطبقية، وكل الأطراف المتورطة بإدامة هذا الظلم لها مصالح في استمراره، ودونه أي دون ذلك الظلم ينتفي وجودها السياسي او على الأقل تصبح هامشية في المعادلات السياسية سواءً المحلية او في المنطقة.

القضية الفلسطينية وفق مصالح التيارات والقوى السياسية:

لا شك ان بريق القضية الفلسطينية خفت الان مقارنة بمرحلة الحرب الباردة، وما يحدث اليوم من عمليات القتل الوحشي وهدم البيوت والحملات الاجرامية للجيش الإسرائيلي وحرمان الالاف من العمل والاستحواذ على الاراضي دون أي وجه حق والاحكام الصادرة بحق المعتقلين من النشطاء الفلسطينيين بالسجن المؤبد وغيرها من كل اشكال الظلم، والتي تتلخص ببلطجة سافرة ضد الشعب الفلسطيني وبشكل يومي، يجري على قدم وساق امام انظار العالم ، وخاصة امام العالم الغربي الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها، وليس على لسانه غير مقولات (حقوق الانسان)، واصم آذان العالم واعمى عيونها، باحتلال روسيا للأراضي الأوكرانية، بينما تشاهد كل يوم ومنذ عقود وعقود كيف تمارس دولة إسرائيل سياستها الوحشية تجاه شعب لا يريد غير الحرية والعيش بكرامة وبعيدة عن تطاولات الدولة الفاشية في اسرائيل.

وفقدان القضية الفلسطينية باستثناء أيام رشق الصواريخ وإعلان الحرب من قبل الأطراف المتصارعة في فلسطين وإسرائيل، لبريقها اليوم في المحافل الدولية وفي الاعلام سواء العربي او الدولي، وانفلات الحكومات الإسرائيلية بممارسة هذا الظلم دون أي تردد وخوف من ان تردع، غير مرتبط بفقدان القضية الفلسطينية لحقانيتها وعدالتها، انما مرتبط بانتفاء حاجة الأنظمة السياسية الحاكمة والتيارات والقوى السياسية للقضية الفلسطينية، والتي كانت قبلة لها وجزء من هويتها وتجديد وجودها.

نستطيع ان نقول، طويت صفحة القضية الفلسطينية وخفت بريقها وعدم الاكتراث لها، على الأقل في المنطقة التي توصف بالعربية بعد ما سمي بالربيع العربي، وبات من يحمل راية القضية الفلسطينية حثالة اكثر اجنحة البرجوازية العربية تخلفا ورجعية وهو الإسلام السياسي الذي استطاع ان يحتل مكان في المعادلة السياسية، بعد ثلم نصال الحركة القومية العربية وخرجت من الميدان دون ان تحقق لا تحرير فلسطين ولا الوحدة العربية، وباتت “الامة العربية” يبحث كل جزء منها عن مصالحها القطرية وتحاول لململة اشلائها للحاق بالعالم الجديد الذي يسمى بمتعدد الأقطاب، ولا تجد تلك الامة الممزقة اليوم اكثر من ذي قبل المزايدة بالقضية الفلسطينية اكثر نفعا واستفادة منها مثلما كان يحدث في الأيام الخوالي، وعندما كانت اغلبية الانظمة القومية العربية التي جاءت بالانقلابات العسكرية بحاجة لترسيخ أنظمتها وأركان حكمها عبر الحديد والنار، عبر تشييد المعتقلات والسجون وتأسيس أجهزة قمعية مهولة واستيراد أجهزة تعذيب غربية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتساعدها الكتلة الشرقية لقمع أي صوت معارض، واصطياد أي حلم بالحرية وتحت عنوان عريض وكبير؛ كل شيء من اجل تحرير فلسطين.

ان تفتق عقل الحركة القومية العربية الذي وصل الى حد الابداع باكتشافه للقضية الفلسطينية وتحويلها الى هويتها السياسية وقبلتها بالتحرك لتعبئة الجماهير وقطع أي لسان او تهشيم اية ايادي تطالب بالحرية والرفاه، نقول ان هذا الابداع يصل الى درجة اكتشاف البنسلين، فالحركة القومية العربية استطاع عبر اكتشاف القضية الفلسطينية بترسيخ حكمها دون منازع بينما اكتشاف البنسلين انقد حياة الملايين من البشرية.

اليوم لا حاجة للقضية الفلسطينية، والحركة القومية العربية تحررت بلدانها من الاستعمار، وأصبحت تقبل بقسمتها في سوق الرأسمالية العالمي، وكل واحدة منها تحاول ان تتحول الى رقما او على الأقل لا تحذف من المعادلات الجديدة، وان اكثر الأنظمة التي كانت تتاجر بالقضية الفلسطينية والظلم القومي على الفلسطينيين تتسابق بنفس سرعة إسرائيل للتطبيع العلاقات وإقامة عهد جديد لتحقيق مصالح مشتركة في مجال الاقتصاد والتكنلوجيا والسياحة.. الخ.

اما الإسلام السياسي فهو الاخر فشل في ادامة ما مضت اليها الحركة القومية العربية، فها هو يتلقى الضربات في عقر داره في ايران ، وبعكس القومية العربية لم تستطع من تعبئة الجماهير وتعميتها الى ابد الابدين عبر احياء كل عام بيوم القدس، بينما تسرق الأموال وتنهب من عرق العمال وثروات المجتمع لتوسيع الإمبراطورية الإيرانية تحت يافطة الإسلام وتحرير فلسطين، وشهدت ايران قبل أسبوعين اكبر إضرابات عمالية في تاريخها حيث ضربت اكثر من ٨٥ مركز صناعيا حيويا ومهما مثل النفط والغاز والبتروكيمياويات، وامام هذه الأوضاع تحاول الجمهورية الإسلامية عبر التنازلات امام السعودية وتخفيض لهجتها في المزايدة السياسية من عقد الصفقات من اجل تخفيض الضغط السياسي والاقتصادي عليها من الخارج بعد ان اصبح شبح الثورة يلاحقها في الداخل، بينما حزب الله الزم نفسه باتفاقية مع إسرائيل حول حقول غاز القانا، واخرج نفسه من الحرب على الأقل في المدى القريب والمنظور من المزايدة على القضية الفلسطينية، والاكتفاء بالرشقات الإعلامية، في حين ان حماس صاحبة القضية الفلسطينية للمرة الثانية لم تنخرط بالحرب مع إسرائيل والنأي بالنفس، لان تكلفة المزايدة السياسية هي غالية ولا ضير ان يحارب الجهاد نيابة عنها على الأقل لحفظ ماء الوجه.

بينما أكثر الذين بحاجة الى جبر خواطرهم هو اليسار القومي والمعادي للإمبريالية، الذي يمكن ان نسميهم حاملين ارث الحركة القومية العربية ان لم يكونوا ايتامها، وهم ما زال توقيتهم مرتبط بأيام الحرب الباردة، ولم يكلفوا انفسهم القليل من العناء كي يغيروها. وينقسموا الى قسمين، احدهم معادي للإسلام السياسي ونقطة انطلاقهم في كل ما يحدث من مجابهات بين إسرائيل والفلسطينيين هو ادانة حماس او جهاد او حزب الله، بينما الجناح الاخر لليسار يؤيد كل ما تذهب اليه حماس وجهاد او أي طرف اخر في ضرب اسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر. وان اكثر ما يبعث السخرية لهذا القسم انهم ملكيين اكثر من الملك نفسه، فمزايدتهم على القضية الفلسطينية والادعاء بعدم الاعتراف بإسرائيل هم اكثر من حماس نفسها وفتح الذين يطالبون جميعهم بعقد السلام مع إسرائيل وتأسيس دولة فلسطين مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

ان ادامة الظلم القومي على الفلسطينيين مرتبط بالمصالح السياسية لجناح من الطبقة البرجوازية الحاكمة في إسرائيل الذي يهيمن على المشهد السياسي منذ عقود من الزمن، ومرتبط ايضا بالمصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وبغض النظر عن نوع الإدارة، كانت ديمقراطية او جمهورية في البيت الأبيض، وان الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة يعني نهاية حقبة ذلك الجناح في إسرائيل ومن جهة أخرى تغير بوصلة الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة الى غير الشرق الأوسط ،و خاصة في خضم تصاعد المنافسة بين قطب روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.

ان تحقيق انهاء الظلم القومي على الفلسطينيين وتأسيس دولة فلسطين مستقلة من قبل أي طرف كان ومن اية جهة هو خطوة مهمة نحو طي كل صفحات المزايدات السياسية والإعلامية والدعائية حول القضية الفلسطينية، وانهاء اكثر صفحات بشاعة في تأريخ الإنسانية.

وأخيرا يكتسب نضال الشيوعيين في هذا الميدان، ميدان النضال لإنهاء الظلم القومي على الفلسطينيين، أهمية حيوية وكبيرة ومن شانه أن يسحب البساط من تحت اقدام الإسلاميين وذلك النوع من اليسار الذي لم يبق منه الا التبجح من اجل تضخيم الذات والإبقاء على قيد الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى