سياسة

توجه طاغ وجاد في إسرائيل لاقتراف نسخة جديدة من التطهير العرقي بفلسطين

الصهاينة الليبراليون ينتظرهم خطر الفاشية وتحفيز نازية جديدة تمارس اللاسامية

سعيد مضيه | فلسطين
رصد ريتشارد فالك، الأكاديمي وخبير القانون الدولي في الطيف الإسرائيلي اعتزام تيار صهيوني داخل إسرائيل “لاستعمال وسائل العنف لتصفية ’الوجود‘ الفلسطيني باعتباره يشكل عقبة في طريق المزيد من نقاء الدولة اليهودية بعد إلحاقها للضفة الغربية، وأخيرا استكمال رؤية إسرائيل المطابقة لكامل’ أرض الميعاد‘، تتصاول بها باعتبارها هبة لليهود كما يفسرها الخيار الصهيوني”.
وبهذا الصدد حذر الخبير بالسياسات الدولية من أن “يحفّز هذا النمط من المشهد الخرافي جماعات من النازيين الجدد لممارسة الاضطهاد ضد اليهود… فالأحداث الأخيرة في إسرائيل تظهر اليهود مجرمين عنصريا في المسلك حيال إخضاع الشعب الفلسطيني، يقومون بذلك بمباركة من حكومتهم”. من شرفة منصب رئيس كرسي القانون الدولي وبروفيسور دائم بجامعة برينستون ، ولدى جامعة لندن كوين ماري، وباحث مشارك بمركز اورلفاريا للدراسات العالمية،اطل على الحالة الفلسطينية، وسجل تقييماته في مقال نشر في 5 إبريل / نيسان الجاري. جاء بالمقال :

تحمل الفلسطينيون لمدة طويلة التمييز في تطبيق القانون وممارسة القضايا الجوهرية التي غدت تعرف مع الزمن بنظام أبارتهايد في كل من المناطق الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية) وداخل إسرائيل بالذات. في ضوء الواقع يبدو الصراع الدائر حاليا بين العلمانيين والمتدينين حول استقلالية القضاء الإسرائيلي بنظر الفلسطينيين غوشة اخلاقية محلية؛ فالمحكمة العليا عبر عقود خلت أيدت بصورة طاغية اكثر التحركات المقيدة للفلسطينيين “بصورة مخالفة للقانون”:إقامة المستوطنات، إنكار حق العوة، جدار الفصل العنصري،العقوبات الجماعية ضم القدس الشرقية، هدم البيوت والتحامل ضد السجناء.
رغم هذا فإن سيطرة إسرائيل على الرواية السياسية التي شكلت الرأي العام اتاح لها اكتساب شرعية ، حتى الاحتفاء بها من قبل الخطاب المنافق ’ الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط ‘، ومن ثم البلد الوحيد بالشرق الأوسط تشارك معه أميركا الشمالية واوروبا القيم الى جانب المصالح.
الأبارتهيد نظام خارج القانون ويعامل كجريمة، وبقرار من الأمم المتحدة تأتي قسوته درجة ثانية بعد إبادة الجنس . ويلاحظ ان معارضي النظام العنصري لجنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا ، ديسموند توتو، جون دوغارد رأى كل منهم في أبارتهايد إسرائيل أسوأ مما أنزله أبارتهايد جنوب إفريقيا بغالبية السكان. أدين النظام في أنحاء العالم؛ بينما اقتصرت إدانة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي على بضع منظمات لحقوق الإنسان، ولم تجر بشأنه مناقشات مفتوحة ؛ إذ ما زال إنكار وجوده متداولا. وحين سئل دوغارد (خبير قانون من جنوب إفريقيا) ما هو أعظم فارق في مكافحة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا وإسرائيل اجاب: ” إشهار اللاسامية كسلاح”.
كنت شاهدا على ذلك؛ حين جوبه نظام جنوب إفريقيا بالهجمات، لم تبرز محاولة لإلصاق الخطأ او الخطيئة بالمهاجمين، ناهيك عن صفة ال”مجرمين”. من هذاالمنطلق فالخطرفي الاحتجاجات يكمن في إمكانية معاملة إسرائيل ديمقراطية غير ليبرالية، من نمط هنغاريا بقيادة فيكتور أوربان ، او تركيا التي ترفض منذ زمن مطلب الأقلية الكردية بدولة مستقلة ، او على الأقل حقوقا متكافئة. هذه الضغوط على حقوق الإنسان الأساسية لم تبلغ حد الاستيطان الكولنيالي والنظر الى الشعب الفلسطيني كغرباء وحتى العدو داخل وطنهم التاريخي! العنصرية ليست السبب الوحيد للطعن في ديمقراطية إسرائيل ؛ فلربما يكون الاقتلاع هو السبب الأقوى المترتب على العنصرية. إذا سئل السكان الأصليون فيم يكمن قلقهم بصدد تقلص الديمقراطية أو حتى إلغاؤها في مجتمعات استيطانية ناجحة مثل كندا ، أستراليا ، نيوزيلندا والولايات المتحدة فإن السؤال بحد ذاته لا يرتبط بعلاقة وجودية راهنة بحيواتهم. لم يقصد شمول السكان الأصليين بانتداب الديمقراطية الذي طبقته باعتزاز هذه الثقافات القومية المعتدية؛ فقد تقرر مصيرهم التراجيدي مع وصول المستوطنين الكولنياليين. وفي كل حالة حصل التهميش ونزع الملكيات والاضطهاد. هذا النضال من جانب السكان الأصليين، من اجل ” مجرد البقاء” كشعب له ميزته بثقافة وأساليب حياة من صنعه قابلة للاستمرار، كان تدميرها يصل حد ما وصفه لورنس دافيدسون” إبادة جنس ثقافية”، وذلك في كتابه التأصيلي الصادر عام 2012، والذي حتى في ذلك الحين تضمن فصلا ندد بمعاملة إسرائيل لشعب فلسطين.
يتقرر مستقبل المشروع الاستيطاني في إسرائيل بنتيجة المناكفات بين اليهود في إسرائيل، والتي يُزعَم انها كشفت عن شرخ بلغ من العمق درجة يهدد بحرب أهلية في إسرائيل. وكما تبين للباحثين في نزع الملكية العنصري في سياقات كولنيالية استيطانية ، فما لم ينجح المستوطنون في تثبيت سيطرتهم والحد من مبادرات التضامن الأممية، فإنهم في نهاية المطاف يفقدون السيطرة ، مثلما حدث في الجزائر وجنوب إفريقيا في ظل انماط جد مختلفة من الهيمنة الاستيطانية.
ما هو عرضة للخطر بوضوح هو المواجهة المريرة بين اليهود العلمانيين والمتدينين المتطرفين، حصيلتها ذات صلة بما يمكن للفلسطينيين توقعه لاحقا . وهناك أيضا الفروق الواضحة بين أولئك الذين يفضلون الحفاظ على ترتيبات الأبارتهايد القائمة على السيطرة التمييزية لكن بدون الإصرار بالضرورة على تعديلات إقليمية وديمغرافية وبين أولئك الميالين لاستعمال وسائل العنف لتصفية ’الوجود‘ الفلسطيني باعتباره يشكل عقبة في طريق المزيد من نقاء الدولة اليهودية مع إلحاق الضفة الغربية بالدولة، وأخيرا استكمال رؤية إسرائيل المطابقة لكامل’ أرض الميعاد‘، تتصاول بها باعتبارها هبة لليهود كما يفسرها الخيار الصهيوني.
يقف نتنياهو، المتطرف البراغماتي، موقفا غامضا ، وربما يتوجب عليه إعمال عقله. يوازن الأمور ثوماس فريدمان ، الذي يعتبر مؤشر اتجاه الريح الموثوق لدى الصهيونية الليبرالية؛ فالزعم بأن نتنياهو للمرة الأولى في حياته السياسية الطويلة يغدو زعيما ” غير عقلاني”، لم يعد جديرا، من وجهة نظر واشنطون ، بسبب تهاونه مع التطرف اليهودي ويخاطر بالعلاقة الحيوية مع واشنطون وينسف الثقة بوهم التوصل الى حل سلمي للنزاع بالسبل الدبلوماسية وعلى أساس حل الدولتين؛ نظرات المقاربة الليبرالية عفا عليها الزمن بفعل الاستيطان اليهودي والسطو على الأراضي خلف الخط الأخضر لعام 1948.
سياسيا، كان نتنياهو ينشد دعم الصهيونية الدينية كي يستعيد الحكم ويحصل على المساعدة لتحقيق الإصلاح القضائي ويتملص من احتمال الإدانة بالخدداع والفساد وخيانة الأمانة العامة. مع ذلك، من وجهة نظر إيديولوجية ، اشك في ان نتنياهومنزعج من السيناريو المفضل من قبل إيتامار بن غفير وبيسلائيل سموتريتش، كما يتظاهر؛ فالسيناريو يتيح له ان يحمّل غيره وزر الأفعال القذرة في التعامل مع الشعب الفلسطيني. لكي يتحاشى الحصيلة الفاجعة لأبارتهايد جنوب إفريقيا يبدو من غير المحتمل ان يعارض جولة نهائية اخرى من نزع أملاك الفلسطينيين وتهميشهم، بينما تكمل إسرائيل النسخة القصوى للمشروع الصهيوني .حتى الأن يبدو نتنياهو يركب حصانين: يلعب دور الاعتدال فيما يتعلق بالكفاح اليهودي من أجل الإصلاح القضائي بينما يغمز مخادعا أولئك الذين لا يخفون قرارهم بإحداث “نكبة” جديدة لشعب فلسطين، المفهوم الذي اختزل عملية طرد الفلسطينيين عام 1948بالتحديد؛ إذ بالنسبة للعديد من الفلسطينيين تحسب النكبة في سياق سيرورة متواصلة ، وليست حدثا مضى وانتهى.
اخمن ان نتنياهو ، بالذات، حين يخاطب الإسرائيليين بالعبرية، لم يقرر بعد فيما إذا لم يزل يمتطي الحصانين او يتوجب عليه اختيار ايهما يمتطيه.اما وقد عين بن غفير وسموتريتش في منصبين أساسيين، ومنظميْن رئيسييْن للعنف الاستيطاني فمن مفارقة العقلانية اعتبار نتنياهو يمر بأزمة تحول في منتصف العمر ، او أن يجد نفسه أسير شركائه بالتحالف. ما سوف يحدث ان يدع الأمور تجري على أعنتها ، يوجه اللوم لليمين الديني على تطرفه ، لكنه غير مستاء من تكتيكاتهم في البحث عن نهاية ناجحة للمشروع الصهيوني.
على الصهاينة الليبراليين، من ثم، ان ينتابهم عميق القلق بصدد الدرجة التي أوصلت اليها هذه التطورات في إسرائيل في بروز موجة جديدة من العداء للسامية، الأمر الذي يثلم السلاح الذي ظلت توجهه الصهيوينة وانصارها في أنحاء العالم كدعاية دولة ضد منتقدي سياسات الدولة وممارساتها. منتقدو إسرائيل هؤلاء المستهدفون لا يضمرون عداءً لليهود أيا كان، ويكنون الاحترام تجاه اليهودية كديانة عالمية عظيمة. بدل أن تستجيب إسرائيل بصورة جوهرية للانتقادات على سلوكها استمرت لأكثر من عقد تحرف النقاش بصدد اخطائها وتوجه اصبع الاتهام للمنتقدين ولبعض المؤسسات ، خاصة المحكمة الجنائية الدولية ، حيث وجهت لإسرائيل اتهامات بالعنصرية والإجرام، بناءً على بينات والتزام صارم بمعايير القانون الدولي. إن توجها كهذا ، إذ يؤكد على تطبيق القانون الدولي يتناقض مع المراوغة غير المسئولة إزاء الاتهامات المتعينة ، وهي تشن الهجمات على منتقدي سياساتها بدل الالتزام بالقواعد المعمول بها او التورط جوهريا بالإصرار على أن السياسات الموجهة للشعب الفلسطيني معقولة في ضوء اعتبارات الأمن المشروعة.
بهذا المعنى تعرض الأحداث الأخيرة في إسرائيل اليهود مجرمين عنصريا في المسلك حيال إخضاع الشعب الفلسطيني، يقومون بذلك بمباركة من حكومتهم. إن العنف تجاه المجتمعات الفلسطينية، إذ يمر بدون عقاب، قد أكدته تصريحات مسئولين رسميين مختصين ، كما حدث في التدمير المتعمد لبلدة حوارة . في صورة التقطت بعد الحادثة ظهر مستوطنون يرقصون احتفالا وسط خرائب البلدة ، تستحضر بكل تأكيد ليلة الكريستال، وهذا لا يقلل بالطبع من هول إبادة الجنس النازية، لكنها لسوء الحظ تستدعي المقارنات والأسئلة المزعجة. كيف يستطيع اليهود التصرف بهذا العنف ضد شعب اعزل يعيش بينهم على أرض وطنه، ومحروم رغم هذا من حقوقه الأساس. ألن يحفّز هذا النمط من المشهد الخرافي جماعات من النازيين الجدد لممارسة الاضطهاد ضد اليهود؟ بالنتيجة، بالاحتمالين تستهيين إسرائيل بالخطر الحقيقي للاسامية بهذه السيرورة ، حيث تلصق التهمة في غير موقعها، وتستثير في نفس الوقت كراهية اليهود من خلال التفسير الموثق لسلوكهم اللاإنساني تجاه شعب غُرِّب بالقوة فوق أرض وطنه . إسرائيل ، بعملها هذا تضعف موقفها بأسلوب ينطوي على تدمير اليهود في كل مكان، مصير من المحتم أن ينتشر في أرجاء المعمورة من حملة حكومة نتنياهو اللاهبة بقصد الإيقاع حتى بقسوة أعنف بشعب فلسطين إما لإجبارهم على الخضوع التام أو من الأفضل ترك البلاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى