لماذا فشلت الوحدة المغاربية؟
بقلم: رشيد مصباح (فوزي)
بعيدا عن الإعلام المغرض وعن أكاذيب كل أولئك الذين تعوّدوا على الاصطياد في المياه العكر، وعن سياسة الأبواب أو القنوات الخلفية وعن الدبلوماسية ومساراتها؛ الأول والثاني والواحد والنصف… لماذا فشلت الوحدة المغاربية؟
وهل أنظمة دول المغرب العربي حرّة ونزيهة في مثل هذا الخيار؟
مثل هذه الأسئلة يجب طرحها لمعرفة الحقيقة، وليس الدعاية السوداء التي يحاول الإعلام ترويجها في بلدان مثل بلداننا، ومن ورائه الغوغاء يجترّون كالبهائم ما يجدونه أمامهم من مغالطات وأكاذيب.
فنحن في الأصل أمّة واحدة؛ دينها واحد، لغتها واحدة، تاريخها واحد ومصيرها مشترك. وأما الحدود الوهمية “الكاريكاتورية” فهي من صنع “ابليس” الاحتلال اللّعين. وأمّا الأنظمة القائمة المتقويّة به، فهي لا تمثّل الشّعوب الطموحة المتطلّعة إلى مستقبل أفضل وغد أحسن وإلى التغيير؛ وكان من المفروض أن تعبّر هذه الطبقات والنّخب والأحزاب السياسية التي تزيد في الطين بلّة، عن إرادة هذه الشعوب، لكن يحدث العكس. فالأنظمة التي تخشى على نفسها من الزّوال لا تريد لهذه الوحدة أن تتحقّق، وذلك بسبب شروط وضعها هذا الاحتلال اللّعين من جهة، و أنانية مقيتة وشبق التشبّث بالحكم الذي أعمى بصيرتها، من جهة ثانية؛ فهي لا ترى سوى العروش أمامها. لذلك، كلّما لاحت بوادر انفراج في أفق العلاقات، سارعت إلى سدّ كل المنافذ؛ التي قد تؤدّي إلى المفاهمة وتطبيع العلاقات. وتطلق العنان للإعلاميين والغوغائيين يجيّشون مشاعر الكراهية، ببث الدعايات وتوجيه الاتّهامات.
لماذا تخشى جهات إقليمية من هذه الوحدة؟
إن تحقيق الوحدة بين هذه الشعوب يعني خلق قوّة إقليمية يحسب لها ألف حساب: وهذا ما يحذر منه الغرب خاصّة.
إن المعارضين لهذه الوحدة هم بالضرورة أعداء لهذه الأمّة لاشكّ في ذلك، يعملون ضد مصلحة شعوب بلاد المغرب العربي، فهي في الأصل “بلاد المغرب العربي” كما كانت تسمّى. لكن الاحتلال الصّليبي عرف كيف يقسّمها إلى دويلات، ليفرّق بين شعوبها.
لقد حاول الشاذلي بن جديد ـ رحمه الله ـ تحقيق هذه الوحدة بكل السّبل وبشتّى الوسائل، لقد حاول هذا الرجل الخلوق صاحب القلب الطيّب ـ كما شهد له ذلك الإمام الغزالي المعاصرـ رحمه الله برحمته الواسعة ـ تحقيق ذلك رغم كل العراقيل التي وجدها أمامه. كما وقد حاولت فرنسا الرّسمية عبثا مساومة الرجل في بعض هذه المبادئ التي نذكر من بينها مثلا: منع الأحزاب الإسلامية من ممارسات النّشاط السيّاسي؛ بعد تعديل الدستور وفتح المجال أمام الشعب لاختيار ممثليه. لكنه لم يرضخ لها ولا لكابراناتها، وفضّل المضي في طريق وعرة محفوفة بالأذى والمخاطر، ما جعل كابرانات فرنسا ينقلبون عليه وعجّل ذلك برحيله: والقصة معروفة.