قطار التطبيع السريع
نبيل عمرو | فلسطين
أنتج هذا القطار النشط شركة مساهمة، سائق القطار فيها الولايات المتحدة، وقاطع التذاكر إسرائيل، والركاب العرب.
حين انطلق من أول محطة في زمن ترمب، قلنا إن هذا القطار سوف يتعطل حال مغادرة سائقه البيت الأبيض، وقلنا كذلك إن مآل رحلة التطبيع هو الفشل، لأنه يجسد حالة من يضع العربة أمام الحصان وليس العكس كما جرى العمل السياسي في قضية الشرق الأوسط.
كانت قراءتنا للقطار ومآله رغائبية ولا تمت للواقع بصلة، حتى حين كان بنيامين نتنياهو يقول إن التطبيع مع العرب يجب أن يتم قبل حل موضوع الفلسطينيين، كنا نسخر منه معتمدين على أن أشقاءنا سوف يخذلونه وينتصرون لنا بأن يشهروا في وجهه المبادرة العربية للسلام التي اشترطت حل القضية بما يرضي الفلسطينيين والعرب مقابل التطبيع.
الذي اكتشفناه بعد سنوات قليلة، أن الإسرائيليين أكثر دراية ومعرفة بالعرب منا، وها هو قطار التطبيع الذي توقعنا توقفه يقطع طريقه من محطة إلى أخرى حتى صار السؤال من هي المحطة التالية. ولقد أعجبني وصف بلاغي نحته كاتب إسرائيلي في وصف العلاقة بين العديد من النظم العربية الرسمية وإسرائيل على أنها كانت في الماضي علاقة بعشيقة سرية وصارت في الحاضر علاقة موثقة بعقد زواج.
هذا هو الواقع الذي أنتج سؤالا يخصنا نحن كفلسطينيين، ماذا ستفعلون وأنتم غير قادرين على وقف رحلة القطار السريع وغير قادرين على أن تكونوا من ضمن ركابه.
صعوبة السؤال فرضت على القيادة السياسية الفلسطينية بشقيها في رام الله وغزة، صمتتا كصمت القبور، ذلك أن قطار التطبيع الذي يطوي سكته ويقطع محطاته واحدة تلو الأخرى يترافق مع قطار آخر يمضي على جسد الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم، إذ كلما قطع قطار التطبيع عشرات الأمتار على سكته، كلما قطعت إسرائيل عشرات الكيلو مترات على طريق تدمير حقوق الشعب الفلسطيني وإمكانيات حصولهم على الحرية والاستقلال.
هل الطبقة السياسية الفلسطينية مدركة لهذا الذي يجري؟ أو هل أنها وهي مدركة تقوم بما ينبغي أن تقوم به لإخراج القضية الفلسطينية من حالة الخطر وإخراج الفعل الفلسطيني المفترض من حالة الحيرة والجمود حتى الآن لا يُرى ما يشفي بعض الغليل في هذا الأمر سوى أنه يتعين علينا أن ننتظر مرور سنة على الإنذار المقدم لإسرائيل كي تنسحب وبوسعنا كذلك انتظار ذلك الشهر الذي سينعقد فيه المجلس المركزي لاتخاذ قرارات حاسمة.
في واقع كالذي نعيش وبأبسط الحسابات وقواعد المنطق.. الفرق شاسع جدا بين خطورة ما يجري وجدوى ما يفعل من جانبنا.